لا يكاد ناس يفرقون بين الجَلسة بفتح الجيم والجِلسة بكسرها، فالجَلسة اسم مصوغ من المصدر الأصلي للدلالة على حدوث الفعل مرة واحدة، فهو مصدر المرة على وزن (فَعْلة) نحو قولك : جلستُ جَلْسة، وضربتُ ضَربةً، وأكلتُ أَكلةً، وشرِبتُ شَربةً، ويشترط في مصدر المرة أن يكون فعله تاما يدل على حدث حسيّ تقوم به الأعضاء والجوارح، أما الأفعال الناقصة كـكان والأفعال الدالة على معنى عقلي كـ(علم وفهم) والدالة على صفة ثابتة كـ(كَرُم) فلا يصاغ منها مصدر المرة؛ لأن حدثها لا يخضع للعدد والتكرار.
وأما الجِلسة بكسر الجيم فهو اسم مصوغ من المصدر الأصلي للدلالة على صفة الحدث عند وقوعه أي هيئته، وصيغته (فِعْلَة) مثل : قَتَلَه قِتلةً منكرة، وقعد قِعْدة سوء، وفلان حسن الطِّعمة والرِّكبة، وفي الحديث : (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ) صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح باب الأمر بإحسان الذبح ،رقم 1955.
منه قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ) صحيح مسلم ،كتاب الإمارة باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، رقم1849. وهذا المعنى الخاص الذي هو الهيئة لا تدل عليه صيغة مصدر الهيئة أو النوع وحدها، ولذا كان بعده أو قبله قرينة تحدد الهيئة من وصف أو إضافة، ويشترط في مصدر الهيئة ما اشترط في مصدر المرة من تمام وحِسّة، وإلى هاتين الصيغتين أشار ابن مالك بقوله:
وَفَعْلَةٌ لِـمَرَّةٍ كَجَلْسَهْ وَفِعْلَةٌ لِهَيْئَةٍ كَجِلْسَهْ
وفرق ابن المرحل بين الجَلسة والجِلسة بقوله:
وجِلسة وقِعدةٌ إن تكسِرِ تعني بها الهيئة غير المصدرِ
ينظر المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية للشاطبي 4/362 وشرح ابن عقيل على الألفية 2/32 وعلم الصرف لقباوة ص: 149-151.

أستاذ بجامعة محمد بن عبد الله بفاس
السابق بوست
القادم بوست