منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

المخطوطات قيمتها العلمية وكيفية تحقيقها وطرق الإفادة منها

حسناء ادويشي

2

المخطوطات قيمتها العلمية وكيفية تحقيقها وطرق الإفادة منها

بقلم: حسناء ادويشي

مــقـدمـة:

   ” التراث في مجال تحقيق النصوص هو كل ما وصل إلينا مكتوبا ، في أي علم من العلوم أو فن من الفنون، وهو بالتالي: كل ما خلفه العلماء في فروع المعرفة المختلفة، ولهذا فالتراث ليس محددا بتاريخ معين، إذ قد يموت أحد العلماء في عصرنا فيصبح ما خلفه مكتوبا تراثا بالنسبة لنا”. وما وصلنا من تراث أجدادنا كنز ثمين مختلفة جواهره، متنوعة لآلئه، ضاع منه الكثير وبقي الكثير و يحتاج إلى إخراجه إلى النور قصد الإفادة منه والاستقاء من معينه، باعتباره قوة دافعة نحو استشراف مستقبل حضاري لأمة كان لها السبق في شتى مجالات العلم و فروع المعرفة، وهي الآن أحوج ما تكون للالتفات لهذا التراث تحيي به الثقة بالذات وترسخ قيم العلم والعطاء المعرفي، متجاوزة حالة الضعف والوهن التي تعيشها، ومتطلعة لبناء حضارة إنسانية منارة بالعلم ومتوهجة بالبحث والاستكشاف، إلا أن هذا التراث الثمين مازال في حاجة لمن يخرجه في أبهى حلله و قشيبها موثقا ومحققا خاصة المخطوط منه.   

المبحث الأول: أهمية التراث الإسلامي ومكانة المخطوطات. 

أهمية التراث الإسلامي.

لقد كانت دعوة الإسلام إلى العلم و الإقبال على طلبه مدعاة للمسلمين لأخذه و السعي إليه، فكان شغفهم بالعلم منقطع النظير و تجلى ذلك في الإقبال الكبير على القراءة و الكتابة و التأليف و التدوين، خاصة في العصور الأولى للإسلام، و قد ازدهرت حركة الترجمة و التأليف في العصر العباسي بعد تأسيس بيت الحكمة، كما قويت العناية بالمكتبات و الكتب و المخطوطات، و المخطوطات هي: كل مكتوب بخط اليد دون استعمال الطباعة، سواء كانت الكتابة على ورق البردي أو اللخاف أو سعف النخل، أو عظم الكتف أو الورق. فتكون رصيد من المؤلفات و الكتب و المخطوطات يعكس ما وصل إليه بحث المسلمين في مختلف الميادين، منها ما طوروه عن من سبقهم، و منها علوم حديثة جاءت بمجيء الإسلام اهتدى إليها المسلمون ببديهتهم و بحثهم. لكن ما يؤسف له هو أن عددا من المؤلفات و المخطوطات  ضاعت بسبب الفتن و الحروب و الغزوات، و خاصة حرب التتار، إضافة إلى ما تعرض له التراث الإسلامي في الأندلس بعد سقوط غرناطة في يد الإسبان، فقد تسببت هذه الحروب في إحراق المكتبات و المخطوطات و المؤلفات، كما ألقي كثير منها في البحر، و ما سلم منها تم نقله إلى دور المخطوطات و الأديرة و المتاحف الغربية خلال الحروب الصليبية و إبان الاستعمار الإمبريالي الحديث، كما تزخر الأراشيف ودور الوثائق والمتاحف في دول العالم بنفائس المخطوطات العربية الإسلامية التي سلمت من الكوارث والنكبات، وهي في حاجة إلى جهود كبيرة لحمايتها.

دور المستشرقين في تحقيق المخطوطات.

   التحقيق هو نوع من التوثيق، يتم بواسطته إخراج النص المخطوط مطابقا لحقيقة أصله ونسبته ومتنه، مع توضيح الغامض فيه وكشف مبهمه وحل مشكلاته، يقول المحقق عبد السلام هارون:” الكتاب المحقق هو الذي صح عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه” وبهذا المعنى فالتحقيق يتناول:

  • تحقيق عنوان الكتاب.
  •  تحقيق اسم المؤلف.
  • تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه.
  • تحقيق المتن، بحيث يقارب قدر الإمكان نص مؤلفه.

وللمستشرقين دور كبير في خدمة التراث العربي الإسلامي وذلك لوجود هذا التراث بين ظهرانيهم وبُعدِه عن المسلمين، بعدما تحولت معظم المخطوطات العربية إلى مكتبات الغرب وأدْيِرته، فكانت اهتماماتهم متعددة من حيث الحفظ والدراسة والتحقيق والنشر والترجمة و التكشيف، فوصلتنا بسبب عملهم درر ثمينة من أمثال: فتوح البلدان، ومفاتيح العلوم، وطبقات الأطباء، وفهرست ابن النديم، وأخبار الحكماء وتاريخ ابن جرير والمسعودي، إضافة إلى دواوين الشعر وكتب الأدب…، وقد استفاد التراث المخطوط في غربته عن دياره وأهله من حفظه ماديا وصيانته من حيث التحقيق والنشر والترجمة وإعداد الدراسات، وإن لم تخل هذه الجهود من ملاحظات وانتقادات في الجوهر والمنهج فإننا يمكن أن نجمل إسهام المستشرقين في خدمة التراث فيما يلي:

  • البحث في المخطوطات والرحلة إليها وجمعها وصيانتها وحفظها.
  • فهرسة المخطوطات وتوثيقها وتكشيفها وأحيانا تلخيصها.
  •  التحقيق.
  • الدراسة مع العناية بالمعاجم.
  • الترجمة إلى اللغات الأوربية.

إضافة إلى نسخ بعض المخطوطات وتحريرها أو تصويرها ونشر اقتباسات من بعضها، كما استحدثوا وظائف النساخ. و هكذا فاهتمام المستشرقين بالتراث سبق اهتمام المسلمين المعاصرين لهم، و الذين دفعتهم تجربة المستشرقين إلى التخصص في خدمة التراث جمعا وتوثيقا وتحقيقا، وممن اشتهر في تحقيق المخطوطات في الوطن العربي: عبد السلام هارون وأحمد زكي.

ريادة المسلمين في المنهج التوثيقي.

إذا كان للمستشرقين فضل كبير في التحقيق والنشر بعد تأسيس الطباعة، فهذا لا يعني أن تحقيق النصوص غريب عن علمائنا، فقد كان لعلماء الحديث السبق والريادة في وضع أسس المنهج التوثيقي، فأصول التحقيق موجودة في كثير من قواعدهم، مثل طرائق التحمل والأداء وما يندرج فيها من معارضة ومكاتبة ووجادة وشروط كل ذلك، ومباحث الضبط وما يتبعها من معرفة بالخطوط قديمة وحديثة، ومصطلحات حديثية كالمقلوب من المتون والأسانيد، والمدرج والمصحف وغيرها، وكان لعلم الحديث وتوثيق الأحاديث وتصحيحها أثر واضح على مجالات علمية أخرى كالتاريخ واللغة و الشعر و غيرها من ضروب الثقافة، حيث تأسس التحقيق وفق منهجية علمية يلزمها المحقق، حتى يخرج النصوص بأمانة علمية، وخطوات ثابتة متسلسلة، تضمن أكبر قدر من الصواب والصدق والعلمية في البحث. 

المبحث الثاني: تحقيق المخطوطات وسبل الإفادة منها

 شروط تحقيق المخطوطات

 أ – شروط المحقق

     بما أن المخطوطة هي ما كتب بخط اليد، فإن تحقيقها ليس بالأمر الهين، ففاحص المخطوطة غالبا ما يواجه صعوبات يحتاج تجاوزها إلى دُربة وعلم، من أجل ذلك اشترط أهل العلم شروطا في المحقق أهمها:

  • أن يكون متخصصا في تحقيق النصوص والعمل بها، وأن يكون عالما بقواعد وأصول التحقيق والنشر، مما يتطلب منه قراءة في كتب هذا الفن.
  • أن يكون على علم بالخطوط العربية وتطورها التاريخي، وطرائق النسخ القديمة والأدوات المستعملة للكتابة، من جلد أو ورق ونحوهما.
  • أن يكون عالما بأمهات المصادر التراثية الكبرى، التي تعتبر مظان لكثير من التحقيقات، من كتب الحديث المشهورة و كتب اللغة و الأدب و المعاجم و الفهارس و الأعلام و الطبقات…
  • أن يكون عالما بعلوم العربية و نحوها و صرفها و فقهها، و ذلك حتى يتجنب خطأ الحكم السريع بالتصحيف على المخطوط.
  • أن يكون متخصصا في العلم الذي سيشرف على التحقيق فيه، فلكل علم رجاله و تاريخه و مصطلحاته و لغته و مباحثه، و هذا يقتضي الإلمام بقضاياه و إشكالاته و مذاهب أهله.

ب- شروط المخطوط المراد تحقيقه.

المخطوط المراد تحقيقه يلزمه شرطان أساسيان هما:

  1. أن لا يكون هذا المخطوط قد سبق و أن حقق تحقيقا علميا، و هذا يقتضي من المحقق بذل كامل جهده و وسعه لمعرفة ما حقق من المخطوطات و ما نسخ و ما لم يحقق و طبيعة التحقيق، و ذلك من خلال متابعة أخبار المنشورات المخصصة لذلك مثل: الفهارس و المطبوعات التي خصصت لهذا الغرض، فلا يمكنه البدء بالتحقيق دون أن يتوفر على تقرير واف حول المخطوط قبل أن يبدأ تحقيقه.
  2. أن يكون المخطوط ذا قيمة علمية، فإحياء التراث هدفه تطوير الحاضر من أجل بناء المستقبل و هذا يحتاج إلى بحث لاستخراج الأفيد و الأنجع. و إن كان تقدير أهمية المخطوط أمر مختلف فيه، فمن المخطوطات ما أهمل و تنبه إلى قيمته من حققه و أخرجه، فنال القبول و الاستحسان من العلماء، و للاستعانة بتقييم المخطوط يفترض الرجوع إلى ذوي الاختصاص كما ينصح باتباع بعض الضوابط في الاختيار منها:
  • البدء بالمصنفات الأصيلة قبل الكتب التعليمية.
  • البدء بالأصل المخطوط قبل الكتاب الشارح.
  • ألا يكون الانصراف إلى المخطوطات المجهولة النسبة إلا إذا كانت مصادر مادتها العلمية نادرة.

  ج- مراحل تحقيق المخطوط

    يتعين لتحقيق المخطوط تحقيقا علميا المرور بمراحل ثلاث أساسية، يكون المحقق قبلها قد اختار موضوع تحقيقه انطلاقا من تخصصه العلمي و معرفته بأهميته العلمية، كما يكون قد تعرف على مكان وجود المخطوطة من خلال الاطلاع على الفهارس و مراكز المخطوطات حتى يتسنى له الانتقال إلى المرحلة الأولى بشكل صحيح و سليم.

  • المرحلة الأولى: جمع النسخ المخطوطة.

و المقصود جمع جميع نسخ المخطوط المراد تحقيقه، سواء الموجود منها في العالم الإسلامي أو الغربي و ذلك بالرجوع إلى فهارس المخطوطات في العالم، مطبوعة أو مرقونة، أو مخطوطة، و الاستفسار و الاتصال بالمتخصصين لمعرفة عدد نسخ المخطوط و تصويره أو استنساخه إن أمكن ذلك.

  • المرحلة الثانية: انتقاء النسخة المعتمدة أو النسخة الأصل.

حينما يجمع المحقق النسخ، يقرأها و يدرسها ليميز منها الأصل، و النسخ الأخرى تكون للمقارنة و بيان وجوه الاختلاف بين الألفاظ و المعاني المعبر بها في مختلف النسخ، حيث يتم ترتيبها جميعا حسب أهميتها، باعتماد قدم التاريخ، وصفحة العنوان، وأولها وآخرها. فإذا عارض ذلك صحة المتن و دقة الكاتب أو ثبت سماعها من علماء معروفين أو أنها مجازة من قبل شيوخ موثقين فقد تكون هي أولى. و هكذا فإن النسخة الأصل أو الأم هي أعلى النصوص من” المخطوطات التي وصلت إلينا حاملة عنوان الكتاب و اسم مؤلفة، و جميع مادة الكتاب على آخر صورة رسمها المؤلف و كتبها بنفسه أو يكون قد أشار بكتابتها أو أملاها أو أجازها، و يكون في النسخة مع ذلك ما يفيد اطلاعه عليها، أو إقراره لها”. و تأتي بعد النسخة الأصلية النسخة المأخوذة منها، ثم فرعها ثم فرع فرعها و هكذا، و قد رتب الدكتور الفضلي نسخ المخطوط كالشكل الآتي:”

  1. نسخة خط المؤلف.
  2. النسخة التي أملاها المؤلف على تلميذه أو تلاميذه.
  3. النسخة التي قرأها المؤلف بنفسه و كتب بخط يده ما يثبت قراءته لها.
  4. النسخة التي قرئت على المؤلف و أثبت بخط يده سماعه لها.
  5. النسخة المنقولة عن نسخ المؤلف.
  6. النسخة المقابلة على نسخة المؤلف.
  7. النسخة المكتوبة في عصر المؤلف و عليها سماعات من العلماء مثبتة بخطوطهم.
  8. النسخة المكتتبة في عصر المؤلف و ليس عليها سماعات.
  9. النسخة المستنسخة بعد عصر المؤلف و ليس لها سماعات.” في الحالة التي تجتمع عند المحقق نسخ مجهولات سلسلة النسب، فإن ترتيبها يحتاج إلى حذق المحقق، أي دربته على معرفة الخطوط ونوع الورق و المداد و أنواع كل ذلك و مقابلة المتون للتحقق من النسخة الأكثر ضبطا و دقة.
  • المرحلة الثالثة: ضبط نص المخطوط و تقويمه.

و يكون ذلك بتوثيق نسبته إلى مؤلفه و تحقيق عنوانه و الاسم الكامل لمؤلفه و تحقيق متنه بحيث يظهر بقدر الإمكان مقاربا لنص مؤلفه.

  • تحقيق اسم المؤلف: و ذلك بإجراء تحقيق علمي يطمئن معه المحقق إلى أن الكتاب صادق النسبة لمؤلفه، فإن فقدت النسخة اسم المؤلف يمكن الاهتداء إليه من العنوان، وذلك بمراجعة فهارس المكتبات أو كتب المؤلفين و التراجم مثل “معجم الأدباء لياقوت الحموي”، و قد يحيل متن الكتاب على اسم المؤلف أو نفي النسبة إليه، و مثل ذلك ما قد يرِد في المتن من أخبار تاريخية تؤكد عصر المؤلف، أو تكون الأخبار التاريخية تالية لعصره تنفي نسبته إليه.
  • تحقيق العنوان: قد تخلو بعض المخطوطات من العنوان و يكون ذلك إما بسبب ضياع الورقة الأولى منها أو لانطماس العنوان أو بداع من دواعي التزييف، فيحتاج المحقق إلى الاستعانة بكتب التراجم و المؤلفين أو يعول على ذكائه إذا كان على معرفة كاملة بأسلوب المؤلف و أسماء ما ألف من كتب، فيهتدي بما اكتسب من خبرة إلى حقيقة العنوان المفقود.
  • تحقيق المتن: يقول عبد السلام هارون ” ليس تحقيق المتن تحسينا أو تصحيحا، و إنما هو أمانة الأداء التي تقتضيها أمانة التاريخ، فإن متن الكتاب حكم على مؤلفه، و حكم على عصره و بيئته، وهي اعتبارات تاريخية لها حرمتها”  فهو يرى بأن “التحقيق نتاج خلقي لا يقوى عليه إلا من وهب خلتين شديدتين: الأمانة و الصبر، و هما ما هما” ، و هكذا فالمتن هو الذي يستنفذ طاقة و جهد المحقق غالبا، لأنه يتضمن تقويم النص من التحريف و الخطأ، “فالمحقق إن فطن إلى شيء من ذلك الخطأ نبه عليه في الحاشية أو في آخر الكتاب و بين وجه الصواب فيه، و بذلك يحقق الأمانة و يؤدي واجب العلم”. كما يتعين على المحقق تخريج الآيات و الأحاديث و الأشعار و الأقوال و الأمثال و ترجمة الأعلام والتعليق إذا اقتضى الأمر ذلك، و ضبط المتن بالترقيم و تقطيع النص و توزيعه إلى فقرات و فصول و أبواب، و شكل الكلمات و تنقيطها و الالتزام بالحركات الإعرابية و علامات الترقيم الحديثة، و مراعاة كتابة الآيات بالرسم القرآني، مع ترتيب الصفحات و كتابة فهرس للمحتوى و الأماكن و الأعلام.

و عند استيفاء هذه المراحل الثلاث، ينبغي للمحقق دراسة المخطوط دراسة مفصلة تبين كل ما يتعلق بالمؤلف و عصره و مكانة الكتاب و مكانة مصنفه، و رؤيته لموضوع كتابه و رأي العلماء المعاصرين له، ومدى تبني تلاميذه لآرائه و تأثرهم بها، و هل أفاد من المتقدمين و هل أفاد منه المتأخرون، مع ذكر مذهبه و أدلته و حجته والاستدلال بآرائه في كتبه الأخرى.

 وقد اعتاد المحققون أن يجعلوا في مقدمة المخطوط ترجمة للمؤلف وأهمية الكتاب وموضوعه، وتحقيق اسمه واسم مؤلفه وصحة نسبة الكتاب إليه، مع التعريف بمنهجه وأسلوبه والمصادر التي اعتمدها والدراسات التي دارت حوله، وهل للكاتب دور في تطوير موضوع المخطوط، وهل عرف هذا الموضوع تطورا بعد وفاته، مع دراسة النسخ وعرض نماذج منها. كما يعرض المحقق أيضا في المقدمة المنهج الذي اتبعه في تحقيق المخطوط والصعوبات التي اعترضته.

د- صعوبات التحقيق وسبل معالجتها.

 قد تصادف المحقق أثناء اشتغاله عدة صعوبات، تحتاج منه إلى علم ودربة ومهارة وفطنة لتجاوزها، ومن هذه الصعوبات:

  • نوع الخط الذي كتب به المخطوط، فقد يكون غير واضح وبدون نقط، أو مكتوبا بخط متصل بشكل مبالغ فيه، وكل هذا وغيره بالنسبة للخط يحتاج إلى دربة وصبر خاصة مع بعض الخطوط مثل الخط المغربي والأندلسي.
  • التحريف والتصحيف الذي يقع كاتب المخطوط فيه، أو الهفوات التي قد يستعصي معها فهم مقصود المؤلف.
  • عوامل البلى والتآكل التي قد يتعرض لها المخطوط، مما يؤدي إلى انطماس بعض كلماته واندثارها.
  • غرابة المخطوط من حيث موضوعه أو لغته.

ولتجاوز هذه المشاكل والصعوبات يحتاج المحقق لآليات وتقنيات لتدليلها منها:

  • جمع أكبر عدد من النسخ ومقابلة بعضها ببعض مقابلة دقيقة وكاملة.
  • تقليب المخطوطات وإعادة قراءتها حتى يألف خطها ويعرف الاتجاه العام فيها.
  • أن يلجأ إلى المراجع التي يظن أن المخطوط استقى منها، أو التي يرجح أنها قد استقت منه، ويستعين في التحقيق بمقابلة هذه على تلك، ومراجعة كل منها على الأخرى.
  • أن يتأنى في فهم النص ويغلب جانب الشك على اليقين؛ حتى يأمن العثار فيما يقترح من تصويب وتصحيح.
  • أن يكون للمحقق صلة تامة بدراسة أسلوب المؤلف فيما ترك من آثار أخرى، وأن يكون على معرفة وثيقة بعصر المخطوط، وعلى تبين بالأسلوب واللغة التي كتب بها، ولابد من الرجوع إلى المعجمات اللغوية وأمهات المراجع العلمية الملائمة لاستفتائها فيما جل وفيما صغر.
  • أن يكون عارفا بما يتعرض له الكلام من التصحيف الكتابي والسمعي.
  • أن يحسن الحيلة في تقدير ما انطمس أو بتر، ويستعين على ذلك بالصبر الجميل والشعور الصادق بالمسؤولية العلمية
  • إثبات أخطاء المؤلف كما هي دون تدخل منه، مع الإشارة إلى ما يراه صوابا في الحواشي، فالمهم أن يؤدي النص كما صنعه صاحبه.

الأهمية العلمية للمخطوطات: 

يقدر معهد المخطوطات العربية، عدد المخطوطات بثلاثة ملايين مخطوطا، و تشمل هذه المخطوطات تراثا عالميا و ثقافيا و أدبيا و تاريخيا و جغرافيا، قل أن حظيت أمة بمثله، بذل علماء المسلمين من أجله جهدهم و طاقتهم و وضعوا فيه عصارة ما توصلوا إليه، هذا التراث المجيد يحتاج إلى إخراجه من مكامنه و الاستفادة منه من أجل استشراف مستقبل تأخذ فيه الأمة بزمام نفسها و تطور ذاتها و رؤيتها العلمية، بإحياء هذا التراث المتنوع الذي سبق و أن أسهم في نهضة أوروبا، التي نهلت منه و تشربت روحه و منهاجه العلمي، فكان سببا في إقلاعها الحضاري في العصر الحديث وهي الآن في حاجة إلى الإفادة من هذا التراث بعد نفض الغبار عنه و حفظه و تنظيمه و فهرسته، خاصة في زمن العولمة و الهيمنة الأمريكية التي تعمد إلى طمس هويات الشعوب و الشخصية الوطنية للدول النامية محاولة أن تقدم نفسها 

نموذجا للاقتداء و التقليد. فلابد من وضع خطة واضحة المعالم وتعاون بين الدول والمؤسسات وتوحيد الجهود من أجل إنقاذ مخطوطاتنا ورعايتها وتصويرها وتحقيقها والتعريف بها وفق أحدث السبل وأفضل الوسائل. 

سبل الإفادة من المخطوطات:

قبل الحديث عن كيفية الإفادة من المخطوطات لابد من  تحديث الوسائل وتحسينها والاستفادة من الإمكانات من أجل تطوير البحث و الاهتمام بالمخطوطات في التراث الإسلامي و ذلك من خلال وسائل أهمها:

-الدعم المؤسساتي لحماية المخطوطات و صيانتها و التعريف بها.

-تبادل الفهارس بين الدول للتعريف بما تحتفظ به كل دولة من مخطوطات.

-تعميم الوسائل الحديثة في حفظ المخطوطات و حمايتها.

-تبادل التجارب و الخبرات و التدريبات المتصلة بالمخطوطات و تصويرها و صيانتها، من خلال التعاون بين الدول و المؤسسات.

-إنشاء صندوق خاص بتمويل المخطوطات و حمايتها و نشرها.

-إقامة مؤتمرات للتعريف بالتراث العربي الإسلامي المخطوط.

-تشجيع الباحثين و الطلبة الجامعيين على البحث في المخطوطات، يقول عبد السلام هارون”و إنه لمما  يثلج الصدر أن تتجه جامعاتنا المصرية اتجاها جديدا إزاء طلابها المتقدمين للإجازات العلمية الفائقة، إذ توجههم إلى أن يقدموا مع رسالاتهم العلمية تحقيقا لمخطوط يمت بصلة إلى موضوع الرسالة” ، و لم لا فتح شعب خاصة بالمخطوطات و تخصص جوائز تحفيزية لأحسن محقق باحث .

و حتى تعم الإفادة من المخطوطات نحتاج إلى خطوات علمية أهمها:

  • البحث عن المخطوطة في مكامنها و استثمار الوسائل التكنولوجية الحديثة لتعميم معرفة أماكن المخطوطات، وما تم تحقيقه وما لم يحقق. 
  • تحقيقها باتباع خطوات التحقيق.
  • دراسة المخطوطة دراسة نقدية و مقارنها بما ألفه المؤلف و ما ألف في عصره. 
  • تصنيف المادة العلمية للمخطوطة ودراستها على ضوء ما توصل إليه العلم في عصرنا الحالي.
  • حسن طباعتها وإخراجها.

خاتـمـة:

     إن تناول موضوع توثيق المخطوطات، مكننا من الاطلاع على بعض معاناة العلماء قديما وحديثا في توثيق الكتب والمؤلفات وتحقيقها، فمناهج أصحاب الحديث  مثلا في توثيق الأحاديث كانت من الدقة والحرص بحيث يكون هامش الخطإ ضعيفا بل منعدما في أحيان كثيرة، وما كانوا ليصلوا إلى ما وصلوا إليه  لولا جهدهم وكدهم ومعاناتهم من أجل تقصي الحقيقة واستجلائها، ولم يكن عمل من بعدهم في توثيق المؤلفات الأدبية والأشعار والمعاجم والكتب أقل معاناة. وفي العصر الحديث ومع نشاط عملية توثيق التراث وتحقيق المخطوطات واجه العلماء نفس المعاناة، فلا تفصح المخطوطة الواحدة عن مكنونها إلا بعد أن يعالجها المحقق عدة مرات ويقلب كلماتها مرات عديدة فيألفها وتألفه، حتى إذا بدت له بارقة أمل في كلمة أو جملة بعد ليال من المعالجة والتقليب يستبشر خيرا بإمساكه بخيط يفك لغز المخطوطة ويشجعه على الاستمرار، حتى يخرجها في أبهى حلة كما وضعها صاحبها أو أقرب كثيرا من ذلك، ولا يصل إلى هذه المرحلة حتى يكون قد قطع أشواطا في البحث عن مكانها ويتأكد من أصالة تحقيقه لها وعدم سبق أحد قبله لفك طلاسمها.

 إن تحقيق التراث اليوم كما الأمس في حاجة إلى همم عالية وإرادات صادقة لها غيرة على هذا الزاد الذي هو في حاجة إلى توثيق بمنهج علمي وخبرة ودربة وإتقان وفنية في الإخراج.


فهـرس المراجع:

  • النملة، علي بن إبراهيم.إسهامات المستشرقين في نشر التراث العربي:دراسة تحليلية ونماذج من النشر والترجمة، الطبعة الأولى، فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض1996
  • الفضلي، عبد الهادي. تحقيق التراث ،الطبعة الأولى،مكتبة العلم،جدة 1982.
  • هارون، عبد السلام. تحقيق النصوص ونشرها، الطبعة السابعة، مكتبة الخانجي القاهرة1998.
  • دياب، عبد المجيد. تحقيق التراث العربي منهجه وتطوره، دار المعارف،سنة النشر1993
  •  عبد التواب، رمضان.مناهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين،الطبعة الأولى، مكتبة الخانجي، القاهرة1985.
2 تعليقات
  1. محمد التمساحي يقول

    ما شاء الله تبارك الله ، مقالة رائعة ، أسأل الله لكم أن يبارك في جهودكم .

  2. عبدالإله يقول

    مقال رصين ودقيق، جزاكم الله خيرا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.