العربية لغة القران الكريم
سعيد العيوشي
مقدمة:
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم باللغة العربية فاصطبغت بصبغة القدسية فأصبحت لها مكانة عالية ،وحفظت بحفظ الله للقرآن الكريم،يقول الله عز وجل : “إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون” [يوسف الاية: 2].
يكفي اللغة العربية شرفا ان تكون لسان اخر المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ،فبفضل القران الكريم انتشرت اللغة العربية وأصبحت عقيدة يتقرب بها الى الله تعالى وبفضل القران الكريم كان للعرب شأن وذكر في العالم بأسره،فأصبحت أوسع الألسنة في العالم.
يقول عمرُ بن الخطاب – رضي الله عنه – : (تعلَّموا العربيةَ؛ فإنها من دينِكم، وتعلَّموا الفرائضَ؛ فإنها من دينكم)[1].
فأصبحت اللغة العربية من الدين لأنها وسيلة يتعبد بها الانسان لله تعالى ، وقد رُوي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: (لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، والعلم بها عند العرب كالعلم بالسنن عند أهل الفقه.
فخصها المسلمين قديما وحديثا بعناية فائقة لأنها لغة القران الكريم،فتعلموها وعلموها.
لغة القران الكريم:
يكفي اللغة العربية فضلا وشرفا أن تكون لغة القرآن الكريم، المعجزة الخالدة ، إلى قيام الساعة ، اصطفى الله عز وجل اللغة العربية لتكون وعاء يحمل نور الوحي،لهداية الناس جميعا ، حيث ذكَّرت العربية في مواضيع كثيرة من القرآن الكريم ،منها قوله عز وجل : ” وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ “ [الزمر الاية: 27-28].
فبضل هذا الذكر أصبحت من الدين ومن فروض الكفايات التي بها تعرف معاني ألفاظ القران الكريم والسنة النبوية المطهرة .
قال الامام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى :“اللغة العربية مستهدفة ومستهدف من بعدها القران الكريم ، اذا جاء جيل لا يعرف اللغة العربية ولا يعرف القران الكريم…،فجهادنا لتعليم اللغة العربية جهاد لصيانة القران الكريم من العُجمة والجهل به والجهل بما أمر الله به …”[2].
يقول الأزهري في مقدمته: إن تعلّم العربية التي يتوصل بها إلى تعلم ما تجزئ به الصلاة من تنزيل وذكر فرض على عامة المسلمين. وإن على الخاصة التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها التي بها التوصل إلى معرفة ما في الكتاب (القرآن) ثم في السنة والآثار وأقاويل أهل التفسير من الصحابة والتابعين من الألفاظ العريبة، فإن الجهل بذلك جهل بجملة علم الكتاب.
وقال عبدالله بن عباس – رضي الله عنهما -: “ما كنتُ أدري ما معنى: ” فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ” [الأنعام 14[ حتى سمعتُ امرأةً من العربِ تقول: أنا فطرتُه؛ أي: ابتدأته ، وقال: “إذا خَفِيَ عليكم شيءٌ من القرآنِ، فابتغوه في الشِّعرِ؛ فإنَّه ديوانُ العرب”[3].قال ابن كثير معللاً اختيار العربية لغة للقرآن الكريم: «وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات[4].
تعلم اللغة العربية:
لقد ذم علماء المسلمين اللحن و الخطأ في القران الكريم،قال الله تعالى :﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [الزمر: 28]،
فأول اية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم تدعوا الى القراءة وتعلمها ،ومن تم تبدوا الدعوة الى تعلم و ضبط اللغة العربية لأنها الوسيلة الوحيدة لتعلم القران الكريم والسنة النبوية ،كما جاء في قصة الأعرابي الذي قدم إلى المدينة يطلب من قارئ للقرآن أن يعلمه فقرأ له سورة التوبة حتى وصل إلى قول الله سبحانه وتعالى (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) [التوبة:3]، ولكن القارئ قرأها بالجر وهنا الجر غير المعنى المقصود فقال له الأعرابي إذا كان الله تبرأ من رسوله فأنا أيضا أبرأ منه ثم عدل للقارئ بفطرته السليمة وفهمه للغة العربية القراءة وأخبره أنها بالضم والرفع أي أن الله ورسوله أيضا يتبرآن من المشركين، ومن وقتها أصدر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر لأبو الأسود الدؤلي أن يضع قواعد الصرف والنحو.فتغيير حركة واحد يغير معنى الجملة …
فعن أيوب السختياني – رحمه الله – أنه كان إذا لحن، قال: “أستغفرُ الله[5]، وقال الأصمعي – رحمه الله -: “إنَّ أخوفَ ما أخاف على طالبِ العلم إذا لم يعرف النحوَ أن يدخلَ في جملة قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعدَه من النَّار))؛ لأنَّه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه، كذبت عليه[6]، وروى الخطيبُ البغدادي أنَّ عليًّا وابن عباس وابن عمر – رضي الله عنهم – كانوا يضربون أبناءهم على اللَّحن.
وقد سمع عمر – رضي الله عنه – رجلاً يتكلَّم في الطوافِ بالفارسية، فأخذ بِعَضُدِهِ وقال: “ابتغ إلى العربية سبيلاً[7]،
وضرب علي – رضي الله عنه – الحسنَ والحسين على اللَّحن وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يضربُ أولادَه على اللَّحن ولا يضربهم على الخطأ[8].
قال ابنُ فارس: “لذلك قلنا: إنَّ علم اللغة كالواجبِ على أهل العلم؛ لئلا يحيدوا في تأليفِهم أو فتياهم عن سَنن الاستواء”[9]…
خاتمة :
اللغة العربية لغة القران الكريم ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم ،فالاعتزاز بها اعتزاز بالاسلام ،فهي من مقومات الشخصية المسلمة ومن مقومات الامة الاسلامية ،فهي وعاء المعرفة والثقافة الاسلامية في كل جوانبها،فهي ليست مادة دراسية مستقلة بذاتها ، فهي دين وهوية وحضارة ،من أغفلها واهملها أحتقرها عاش في تبعية عمياء …
يقول مصطفى صادق الرافعي – رحمه الله – مبينًا هذا: “ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاَّ ذلَّ، ولا انحطَّت إلاَّ كان أمرُه في ذَهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرضُ الأجنبيُّ المستعمر لغتَه فرضًا على الأمَّةِ المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمتَه فيها، ويستلحِقهم من ناحيتِها، فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحدٍ؛
– أمَّا الأول: فحَبْس لغتهم في لغته سجنًا مؤبَّدًا،
– وأمَّا الثاني: فالحكمُ على ماضيهم بالقتلِ محوًا ونسيانًا،
-وأمَّا الثالث: فتقييد مستقبلهم في الأغلالِ التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ”[10].نفعنا الله تعالى بالذكر الحكيم وجعلنا واياكم من اتباع سيد المرسلين ،ونفعنا بصحبة اولياء أجمعين…
1 – الصاحبي في فقه اللغة ج1 (ص4).
2 – شريط مرئي لامام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله . https://youtu.be/4dddtxNmTV4?t=38
3 – تفسير الألوسي، ج21 (ص192).
4- تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير، دار طيبة للنشر والتوزيع، السعودية، ط2، 1420هـ – 1999م، (4/365).
5 – تهذيب الكمال ج8 (ص328)، والتاريخ الكبير ج1 (ص409)، وثقات ابن حبان ج9 (ص23).
6- تهذيب الكمال ج 18 (ص 388).
7- شعب الإيمان؛ للبيهقي ج 4 ( ص 188 – 1626).
8– الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع؛ للخطيب البغدادي، ج 3 (ص 253).
9– الصاحبي في فقه اللغة ج1 (ص11).
10- وحي القلم مصطفى صادق الرفاعي (3 27).