منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مكانة اللغة العربية، ومميزاتها

الدكتور أحمد الإدريسي

0

مكانة اللغة العربية، ومميزاتها

الدكتور أحمد الإدريسي

تُعتبر اللّغة العربيّة من أقدم اللّغات الحيّة، وهي من أكثر اللغات انتشاراً في العالَم، وواحدة من لغات العالم الست حسب تصنيف الأُمَم المُتَّحدة، ويعود أصلها إلى اللّغات السّامية، وتُعتبر الأقرب إليها من بين جميع اللّغات التي تعود لنفس الأصل، ويعود “أصل أقدم نصوصٍ عربيّة عُثِرَ عليها إلى القرن الثّالث بعد الميلاد، وهي نصوص شعريّةٌ جاهليّةٌ تتميّز ببلاغة لغتها، وأسلوبها الرّاقي، ووزنها الشعريّ المُنتظم، وترجح أغلب الأقوال بأنّ أصل اللّغة العربيّة يعود لبلاد الحجاز في شبه الجزيرة العربيّة، وتطوّرت مع الزّمن نتيحةً لعدّة عوامل، منها تعدُّد الحضارات وتعدُّد لهجاتها، وإقامة الأسواق المُختلفة ومنها؛ “سوق عكاظ”[1].

وقد بذل العرب جهودا لتطوير مادّة اللغة العربيّة وحوسبتها، ونَشرِ برامج عربيّة تُواكب العَصرَ، وتَستوعبُ المادّة العربيّة، ومهاراتها المُتنوِّعة من مُحادثة، وقراءة، وكتابة، واستماع[2].

1- مكانة اللغة العربيّة:

اللّغة من أهمّ ميّزات الإنسان الطبيعيّة والاجتماعيّة، وهي الوسيلة الأفضل للتّعبير عن المشاعر والاحتياجات الخاصّة بالفرد والجماعة، وتأتي أهميّة اللّغة العربية من أنّها من أحد مُكوّنات المُجتمع الرئيسيّة، ومن أهمّ عوامل البناء في مُختلف الحضارات والثّقافات، وهي السّبب الرئيس في قيام الدّول وإنشاء المُجتمعات المُختلفة؛ لأنّ التّواصل الذي يتمّ عن طريق اللّغة هو اللّبنة الأساسيّة في عمليّة البناء هذه، وقوّة وبلاغة اللّغة يُعبّر بشكل كبير عن تماسك المجتمع النّاطق بها، واهتمامه بها وبقواعدها، وعلومها، وآدابها، وضوابطها، وهذا يُعدّ أجمل أشكال الرُقيّ في التّفكير والسّلوك لدى المُجتمعات المُحافظة على لغتها[3].

وتتجلى أهميّة اللّغة العربيّة في العلاقة الوطيدة بينها وبين الثّقافة والهويّة الخاصّة بالشّعوب، فهي “وسيلة التّواصل بينهم، وهي التي تُعبّر عن تفكير الأمم، والوسيلة الأولى في نشر ثقافات الأمم المُختلفة حول العالم، وبما أنّ اللّغة العربيّة هي المسئولة عن كلّ هذه الأمور فهي التي تُشكّل هويّة الأمّة الثقافيّة التي تُميّزها عن باقي الأمم”[4].

وقد اشتُهِرَت اللغة العربيّة بأنّها لغة الضاد، وصوت الضاد يخرجُ من التقاء إحدى حافّتَي اللسان: اليمنى، أو اليسرى، مع ما يقابلُها من الأضراس العُليا، قِيل إنّها سُمِّيت بلغة الضاد؛ لأنّ العَرب لا يجدون صعوبةً في نُطقِ حرف الضاد، وقِيل إنّ حرف الضاد اختصَّت به العَرب، وبالأخصِّ قريش، وقِيل إنّها لغة الظاء وليست لغة الضاد؛ لأنّ العَرب قد اختصُّوا بحرف الظاء. ومن أقوال الشعراء في وصف اللغة العربيّة بأنّها لغة الضاد:

– قال أحمد شوقي:

إنّ الذي ملأ اللغات مَحاسِناً ** جَعلَ الجمال وسِرَّه في الضاد.

– قال إسماعيل صبري:

أيّها الناطقون بالضاد ** هذا مَنهلٌ صفا لأهل الضاد[5].

– قال خليل مطران:

وُفود بني الضاد جاءَت إليك ** وأثنَت عليك بما وَجبْ.

2- اللغة العربيّة لغة الدِّين:

اختارَ الله تعالى اللغة العربيّة؛ لتكونَ لغةَ الوحي، لغةَ القرآن، ولغةَ الحديث الشريف؛ إذ لا تَصِحُّ قراءة القرآن الكريم إلا باللغة العربيّة، ولا تَصِحُّ بعض العبادات، كالذِّكر، والصلاة إلّا بها؛ فالصلاة كلّها لا تتمّ إلّا باللغة العربيّة، وقراءة القرآن الكريم ركنٌ من أركان الصلاة[6]. ويمكن فهم الكتاب والسنة إلا بضبط هذه اللغة؛ فقد أدرك الأئمةُ أهميةَ اللغة العربية في فهم كلام الله تعالى وكلامِ رسوله صلى الله عليه وسلم، فالإمام الشافعي رحمه الله ظلّ عشرين سنة يتبحّر في اللغة العربية وعلومها ليفقه ويفهمَ القرآن والسنة، ولا يستغرب منه هذا، فهو الذي يقول: (أصحاب العربية جِنُّ الإنس، يُبصرون ما لم يبصرْ غيرُهم)[7]. يقول عنه زوجُ ابنته: (أقام الشافعي علمَ العربية وأيامَ الناس عشرين سنة، فقلنا له في هذا، فقال: ما أردت بهذا إلا استعانةً للفقه)[8].

3- مُميِّزات اللغة العربيّة:

تمتاز اللغة العربيّة بمزايا جعلَتها من اللغات الفريدة في العالَم، وضمنَت استمراريّتَها عَبرَ القرون المُتتالِية، ومن هذه المزايا ما يأتي[9]:

* الفصاحة: وهي أن يخلو الكلام ممّا يشوبه من تنافرٍ بالكلمات، وضعف التّأليف، والتّعقيد اللفظيّ.

* لغة فخيمة؛ حيث تتّصِفُ بعض حروفها بالتفخيم، والتفخيم هو صفة للحرف، ويُسمَّى الاستعلاءَ كذلك، وهو ارتفاعُ اللسان إلى الحَنك الأعلى عند النُّطق بالحَرف، وأحرُفُه مجموعةٌ في (خُصَّ ضَغطٍ قِظ)، أي إنّ كلّاً من الخاء، الصاد، الضاد، الغين، الطاء، القاف والظاء حروف مُفخَّمة،[10]. وفي اللغة العربيّة حروف حلقيّة ليست كلُّها موجودة إلّا في العربيّة، مثل: الهمزة، والعين، والحاء[11].

* التّرادف: وهو أن يدلّ عددٌ من الكلمات على نفس المَعنى المراد.

* كثرة المُفردات: تزخر اللّغة العربيّة بعددٍ وافرٍ جدّاً من المُفردات.

* لغة مُوجِزة، ويتَّضحُ ذلك من خلال ما يأتي:

– قواعد الإعراب، والنَّحو العربيِّ: فالإعراب من أهم خصائص العربيّة، وهو تشكيلُ نهاية الكلمات وِفقَ موقعِها في الكلام على الوجه الصحيح، وسواء أكانت العلامات الإعرابيّة حركات، أم حروفاً،[12]. فإنّ العلامات الإعرابيّة تُغني عن تغيير ترتيب الجملة، ولها دورٌ في توضيح المعنى، فعلى سبيل المثال، عند القول: أوصلْنا سعيداً، فإنّ بناء الفعل الماضي (أوصل) على السكون، ونَصْبَ المفعول به (سعيداً) بتنوين الفتح، هو الذي دلَّ على موقع سعيد من الإعراب، وبالمُقارنة مع الجملة: أخبرَنا سعيدٌ، فإنّ رَفْعَ (سعيد) بتنوين الضم، يدلُّ على أنّه الفاعل.

– الاشتقاق؛ فاللغة العربيّة غنيّة باشتقاقاتِها؛ إذ تُشتَقُّ الكلمات من الحروف نفسِها، وتتغيَّر من وَزنٍ إلى آخر دون الحاجة إلى كلمة مُساعِدة، مثل: كاتِب، مَكتوب، مَكتب، ومَكتبة.

– غنى أفعالِها؛ فالفعل العربيُّ يحافظُ على حروفه مهما تغيَّر زمنُه، ولكلِّ حَدَثٍ أو معنى لفظ خاصّ به، ويدلُّ عليه بإيجاز، ومثال ذلك من يستيقظُ مريضاً مثلاً فيقول: أصبحتُ مريضاً، أي استيقظتُ صباحاً، أمّا إذا قِيل مثلاً: أصبحَت الأمور أفضل، فإنّ المقصود أنّ الأمور صارَت أفضل في وقت الصباح؛ فالفعل الواحد قد يُؤدّي معانٍ مُختلِفة حسب الجملة.

– غنى حروفِها؛ فحروف اللغة العربيّة كثيرة ومُتعدِّدة المعاني، ولكلِّ حرفٍ في اللغة العربيّة معنى مقصود، يفيدُه، ويُوجِزه، ومن الحروف ما يحملُ عدّة معانٍ، مثل: أعطني من مالِك، فحرف الجرِّ (مِن) يفيد التبعيض، أي أعطني بعضاً من المال، فقد أوجز المُتحدِّث المعنى المُراد، أمّا إذا قِيل: خرجْنا من الخامسة، فحرف الجرِّ (مِن) يفيد ابتداء الغاية الزمانيّة للخروج.

– بعض الأساليب اللغويّة، مثل: تقدير الفاعل من خلال الضمير المُستتِر، والتقديم، والتأخير، والحذف، كتقديم المفعول به على الفاعل، أو تقديم الخبر على المُبتدأ؛ بغَرَض التفاخُر، كأن يتفاخرَ أحدهم بنَسَبِه، أو أَصلِه، أو قبيلته، أو بَلَده، فيقول: عربيٌّ أنا[13].

– أشعار العرب، وحديثهم، وأمثالهم الشائعة، التي تدلُّ على المعنى بأقلِّ لفظ؛ وذلك لأنّهم لا يُحبّون التطويل بلا غَرَض.

* لغة شاعرة، أي ما تتركُه في النفس من شعور مُؤثِّر، ويَظهرُ هذا جليّاً واضحاً من خلال الصورة الشعريّة، التي تَتّضحُ من خلال التشبيه، والاستعارة، والمجاز، والكناية، والإشارة، وكثرة مُترادِفاتِها، وجزالة وفخامة ألفاظها، ورقّتها، ووضوحها، وتناسُب مخارج حروفها وأصواتها مع المعنى. ومن شاعريّة اللفظ أنَّ الفتح هو الأكثر؛ لأنّه الأخفّ، والخِفّة تُكسِب الحرف جمالاً، وشاعريّة أكثر، تليها الحروف المكسورة، أمّا الضمة ففيها ثِقَل.

* لغة مُعرَبة، أي تتضمَّن الإعراب والحركات الإعرابيّة؛ حيث يُظهِرُ الإعراب المعاني بسهولةٍ ويُسرٍ، كما يزيد من جماليّة الكلمات، ويربطها بمعانيها الصحيحة، وهذا أمرٌ لا يُوجَد في اللغات الأخرى، ولقرينة الحركات الإعرابيّة أهميّة بالِغة، وفائدة عُظمى.

* لغة مُعجِزة؛ إذ يتعذَّر نَقلُ، أو ترجمة كثير من مُفرداتِها، وخاصّة مُفردات القرآن الكريم، إلى لغة أخرى تُؤدّي المعنى المُراد نفسه، فإذا كانت العرب قد عجزَت عن الإتيان بمِثل القرآن في كلامه ومُفرداته، فكيف بغير العَرب؟ّ؛ لذلك فإنّ بعض المُترجمين استخدموا الكلمات نفسها عند الترجمة من العربيّة، إلى الإنجليزيّة.

* لغة مُعبِّرة؛ فاللفظة العربيّة تُعبِّر عن المعنى المُراد بأوضح وأفضل صورة، وبأدقِّ وأبهى معنى، وعلى سبيل المثال، فإنّ لكلمة (العيد) في اللغة العربيّة معنىً لم تستطِع أيُّ لغة أن تُؤدِّيَه كما أدَّته اللغة العربيّة؛ فكلمة (عيد) تدلُّ على الإعادة، بإعادة العيد وتكراره أعواماً وأعواماً، وهذا ما عجزَت عن وَصفِه أيُّ لغةٍ أخرى، كما وُصِف العيد عند بعض الديانات بالوليمة، وهذا يخرج عن المعنى الدقيق للعيد.

* الأصوات ودلالتها على المعاني: بمعنى أن يفهم معنى الكلمة بشكلٍ عامّ أو دقيق من خلال الصّوت فقط، وهذه من أهمّ الميزات الخاصّة باللّغة العربيّة.

* تناسُق الأوزان العربيّة؛ فالأوزان في أغلبها مُتشابِهة، فقد تأتي على وزن مُعيَّن، مثل: فرِح يفرَحُ افرحْ، ولعِب يلعَبُ العَبْ، أو على الوزن الآتي: خرجَ يخرُجُ اخرُجْ، ودخلَ يدخُلُ ادخُلْ[14].

*  قدرة اللغة العربية على التمييز بين المُذكَّر، والمُؤنَّث في اللفظ، وذلك بزيادة التاء المربوطة؛ إذ يُقال: قارئ، وقارئة، أمّا اللغة الإنجليزيّة، فهي تستخدم اللفظ ذاته للمُذكَّر، والمُؤنَّث، كما في كلمة (reader)، وتميز بين المُثنّى والجَمع؛ إذ يُقال في العربيّة: قارئان، وقُرّاء، بينما تَرِدُ في الإنجليزيّة في الحالَتين readers .

* سعة اللغة العربيّة؛ فمفرداتها كثيرة، ولكلِّ مُفرَدة دلالة، أو معنى يختلفُ عن الآخر، فهناك معانٍ عدّة للحزن، كالأسى، والتَّرَح، والشَّجَن، والغَمّ، والوَجْد، والكآبة، والجَزَع، والأسف، واللهفة، والحسرة، والجوى، والحُرقة، واللوعة.

* علم العروض: وهو العلم الذي ينظم أوزان الشّعر وبحوره، ويضع القواعد الرئيسيّة لكتابة الشّعر، ممّا جعل الشّعر العربيّ هو الأكثر بلاغةً وفصاحةً نتيجةً لاتّباعه أوزانٍ مُحدّدة، وقواعدَ رئيسيّةٍ.

* التخفيف؛ فقد لجأ العرب للحَذف أحياناً؛ بهدف التخفيف في النُّطق، مثل: كلمة (ميعاد)؛ حيث إنّ أصلَها بحسب الميزان الصرفيّ (مِوْعاد)، إلّا أنّهم حَذفوا الواو، وأبدلوها بالياء؛ لتسهيل، وتخفيف النُّطق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يُـنظر: عبد الكريم البوغبيش، “دور القرآن الکریم في تطور اللغة العربیة وآدابها”.

(ديوان العرب، بتاريخ: 20-11-2010).

[2] – عبد المجيد عمر، “منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة دراسة تقابلية”، (مركز البحث العلمي

وإحياء التراث الإسلامي، المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية)،  الصفحة: 79.

[3] – د.حاتم علو الطائي، نشأة اللغة وأهميتها، صفحة 17-22. بتصرّف.

[4] – ناصر الدين الأسد، “اللغة العربية وأثرها على وحدة الأمة”، (الجزيرة، بتاريخ: 28-04-2004).

[5] – محمد عبد الشافي القوصي، “عبقريـة اللغـة العربيـة”، (المملكة المغربية: إيسيسكو، 2016)،

الصفحة 35-37.

[6] – صادق الهادي، “أهمية اللغة العربية ومميزاتها”، (alukah، بتاريخ: 19-11-2011)، بتصرّف.

[7] – الإمام الرازي، “آداب الشافعي ومناقبه”، الصفحة: 150

[8] – الخطيب البغدادي، “الفقيه والمتفقه”، الصفحة: ج: 2/ ص:41.

[9] – يُـنظر: محمد عبد الشافي القوصي، “عبقريـة اللغـة العربيـة”، (مرجع سابق)، الصفحة 60-78.

[10] – محمد عبد الشافي القوصي، “عبقريـة اللغـة العربيـة”، (مرجع سابق)، الصفحة 37.

[11] – الشيخ إسماعيل الشرقاوي، “في مخارج الحروف وصفاتها”، alukah، (بتاريخ: 25-12-2012).

[12] – ينظر: صادق الهادي، “أهمية اللغة العربية ومميزاتها”، (مرجع سابق)،

[13] – د. عبد المجيد عمر (1437)، “منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة دراسة تقابلية”،

(المملكة العربية السعودية: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، الطبعة الثانية)،

الصفحة 177-188. بتصرّف.

[14] – د. عبد المجيد عمر، “منزلة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة دراسة تقابلية”، (مرجع سابق).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.