بعد دعامة الرؤية العامة، تأتي دعامة الهيكلة الإدارية. وهي دعامة أساسية تمليها ضرورة التسيير الحكيم للمؤسسات، إذ يصعب التسيير المباشر للأفراد من قبَل القيادة، خاصة في حالة الأعداد الكبيرة منهم. لذا ترسم هذه الدعامة مضمون وشكل العلاقات بين مختلف أعضاء جسم المؤسسة أو الجماعة أو التنظيم. كما تحدد مسؤولية كل واحد منهم. وعلى العموم ودون الإغراق في التخصصات الدقيقة، فإن الهيكلة الإدارية تحدد ثلاثة مستويات لا مناص منها لكل جماعة بشرية تروم تحقيق أهدافها الجماعية:
– الإدارة العليا: وهي التي تعنى برسم الرؤية العامة والخطط والاستراتيجيات والتحالفات بناء على المعطيات التي تتوصل بها والدراسات التي تقوم بها والخبرات التي راكمتها.
– الإدارة الوسيطة: وهي كما يدل عليها اسمها أداة للوساطة بين الإدارة العليا والإدارة المباشرة. ويتجلى دورها أساسا في جمع المعطيات ورصد المؤشرات وتدبير الموارد المتاحة وتنزيل السياسات وتطبيق القوانين والمساطر واتخاذ التدابير الخاصة بالتأطير والتكوين.
– الإدارة المباشرة: ويتلخص دورها في المصاحبة والتدريب ومعاينة تطور أداء الأفراد عن قرب. وغالبا ما يكون
حجم الوحدات التي تديرها الإدارة المباشرة محدودا بالنظر إلى المهام المنوطة بها والتي تتجلى أساسا في القرب من الواقع الميداني، مما يستلزم ليس مراقبة العمل وإن لم يكن من ذلك بُد، ولكن تعضيد الأفراد وتحسيسهم بأن لهم ظهرا يحميهم ويؤازرهم وينصت إليهم ويحل ما استشكل عليهم.
ويسهل على المتتبع للعمل الإداري أن يضع الأصبع على مكامن الخلل عند غياب هيكلة إدارية حقيقة بحيث تختلط الأدوار وتتشابك المسؤوليات، فترى الإدارة العليا تخوض في العمل الميداني وتشتغل فيه، في حين تتضارب آراء فِرق العمل الميداني وتنوء بهرج الاقتراحات التي لا تنتهي ومرج إعجاب كل ذي رأي برأيه. وعندئذ تفقد المعطيات صدقيتها والإحصاءات قيمتها، ويصبح العمل الجماعي ملهاة للناس مضيعة للوقت وتأخيرا لإنجاز الأهداف الجماعية.
وهنا وجب التنبيه على أن الهيكلة الإدارية وسيلة في حد ذاتها وليست غاية، فمتى ساعدتنا على بلوغ الأهداف المرسومة، وذللت لنا صعاب التواصل والتأطير والتنفيذ، فقد حققت الغاية من وجودها. وإن لم تك كذلك، فلنعلم أنه قد دقت ساعة تغيير هذه الهيكلة والنظر إلى الواقع الجديد الذي يطلب هيكلة جديدة تتزيى بوسائل العصر والمرحلة استشرافا لمستقبل هو عنا غير بعيد.
السابق بوست
القادم بوست