منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

رسالة النبوة رحمة مهداة للعالمين

0

لخص القرآن الكريم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعلى: “وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ” (الأعراف، 157) إشارة إلى ما كان في بني إسرائيل من تحريم الغنائم ومجالسة الحائض ومؤاكلتها، وقطع الثوب إن أصابته نجاسة، وتحريم الصلاة في الكنائس، وكتابة الذنب على باب الدار.

جاءت رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة لبني البشر جميعا، قال تعالى “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء:107) رحمة تأسست على مبدأ اليسر، ورفع الحرج عن الناس من خلال تعاليمها السمحة، حتى جعلت من الدين في كل جزئياته يسر وتيسير وتخفيف، فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم كلها بنية على الرحمة والسماحة، فهو رسول الله إلى جميع الناس، وهو رحمة الله إلى العالمين برسالته واتباع سنته، رسالته غيث ينتفع به العالم كله، الدواب والشجر والجن والإنس والحيوانات، وتبليغه رسالة الله فيها رحمة للعالمين جميعا.

إن المقصد الأكبر من رسالة النبوة هو الرحمة والتيسير، وهي الرسالة التي على كل علماء الأمة ودعاتها حملها وتبليغها، لذلك نجد الخطاب النبوي عمم قضية اليسر وأمر باجتناب العسر في خطاب الناس، وقد تطابق القول والفعل في السيرة النبوية أكثر من مرة، ليتبين أن الآخذ بالأيسر ليس أقل تدينا من الآخذ بالأشد بل العكس هو الصحيح، على خلاف ما هو شائع اليوم عند كثير من الناس، حتى ظن بعضهم أن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالأيسر ميزة خاصة به، وهي من غفران ذنوبه المتقدم منها والمتأخر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم صحح هذا الفهم الخاطئ ونهاهم عن التنطع، وأمرهم بالبعد عن الشدة والضيق.

ومما جاء في السنة النبوية في شأن رحمته صلى الله عليه وسلم، ورفع المشقة والشدة عن الناس، قوله عليه الصلاة والسلام “إن دين الله يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة.”[1]

فالحديث واضح في دلالته على الرحمة ورفع الشدة والحرج عن المكلفين، وهو من جوامع الكلم، فقوله صلى الله عليه وسلم “إن دين الله يسر” فيه تأكيد على مقصد الرحمة، وحصر أحكام الدين في التيسير، لذلك تكثر الرخص في السفر والمرض وعند العجز في سنته صلى الله عليه وسلم، وتشيع السهولة إذا تعرض المكلف إلى المشقة، ويدفع عن الدين كل معاني التشدد والتعسير على النفس وعلى الناس، “فشرع لهم من الدين ما تيسر لهم، ولم يكلفهم إلا بما يطيقون،”[2] فوجه إلى تسديد الخطاب الدعوي واعتداله ومقاربته لأحوال الناس وتبشيرهم.

عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة[3] “والحنيفية: المائلة إلى الحق، والسمحة السهلة، فليس فيها شدة ولا ضيق،”[4] فإذا كان في الدين اليهودي والنصراني ضيق وشدة، فإن الدين الإسلامي فيه فسحة واتساع لاستيعاب كل أحوال الناس وظروفهم، وتخصيص أحكام جاءت بالحق والرحمة لاكتساب قلوب الناس، وتحقيق مصالحهم، فأصل الرسالة النبوية الرحمة والتخفيف والسماحة، والبعد عن الشدة والمشقة.

جاء في قوله عليه الصلاة والسلام “إنما بعثني الله مبلغا، ولم يبعثني متعنتا[5] والعنت “المشقة والفساد والهلاك والإثم والغلط[6] ودخول المشقة على الإنسان ولقاء الشدة، ويؤكد الحديث الشريف أن المقصد من البعثة ليس إيقاع الناس في المشقة والحرج بل المقصد التبليغ والتبشير وإشاعة اليسر والرحمة، وهذا المقصد تمثل في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دعوه، وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء، أو سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين،”[7] وفي الحديث رسالة نبوية بليغة للأمة عامة وللدعاة خاصة المتصدرين للإرشاد والدعوة بشكل مباشر، فالتشدد منفر من الدين، ومناف للفطرة التي خلق عليها الإنسان، لهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، أتباعه بالتيسير فقال: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا، ولا تنفروا،”[8] فما أحوج الدعاة والمتصدرين للدعوة الذين يشددون على الناس ويضيقون عليهم دينهم لهذه التعليمات النبوية الجليلة.

عن عائشة أيضا، قالت: “ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين، أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإذا كان إثما، كان أبعد الناس منه،”[9] قال الإمام النووي في شرح الحديث “فيه استحباب الأخذ بالأيسر والأرفق ما لم يكن حراما أو مكروها،”[10] لم تكتف السنة بتشريع مبدأ الرحمة واليسر فقط، وإنما قصدت اختيار الأيسر على اليسير، لأنه صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين دائرين بين التشديد والتخفيف إلا اختار أيسرهما، فسنته عليه أفضل الصلوات والتسليم تدور مع مبدأ الرحمة واليسر والتخفيف حيثما دار.

ونختم بمدح شاعر رسول الله صلى عليه وسلم حسان ابن ثابت:

محمد المبعوث للناس رحمة            يشيد ما أوهى الضلال ويصلح

لأن سبحت صم الجبال مجيبة       لداوود أو لان الحديد المصفح

فإن الصخور الصم لانت بكفه      وإن الحصى في كفه ليسبح

وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا    فمن كفه قد أصبح الماء يطفح

وإن كانت الريح الرخاء مطيعة      سليمان لا تألو تروح وتسرح

فإن الصبا كانت لنصر نبينا         ورعب على شهر به الخصم يكلح

وإن أوتي الملك العظيم وسخرت      له الجن تسعى في رضاه وتكدح

فإن مفاتيح الكنوز بأسرها            أتته فرد الزاهد المترجح

وإن كان إبراهيم أعطي خلة          وموسى بتكليم على الطور يمنح

فهذا حبيب بل خليل مكلم          وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح

فصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه أجمعين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 [1]. صحيح البخاري، إسماعيل البخاري، مصدر سابق، رقم الحديث: 39

 [2]. فيض الباري على صحيح البخاري، محمد أنور شاه الهندي، تحقيق: محمد بدر عالم، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1426هـ/2005م، ج: 2، ص: 570

 [3]. مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1421هـ/2001م، رقم الحديث: 24855

 [4]. . لسان العرب، محمد منظور، دار صادر، بيروت – لبنان، الطبعة: الثالثة، 1414ه، ج:ـ2، ص:489. مادة: سمح

 [5]. . المسند الصحيح، مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، رقم الحديث: 1475.

 [6]. . لسان العرب،  محمد منظور، مصدر سابق، ج:2، ص:61. مادة عنت.

 [7]. . صحيح البخاري، إسماعيل البخاري، مصدر سابق، رقم الحديث: 6128.

 [8]. . صحيح البخاري، إسماعيل البخاري، مصدر سابق، رقم الحديث: 69.

 [9]. . مسند الإمام أحمد بن حنبل، أحمد بن حنبل، مصدر سابق، رقم الحديث: 25288.

 [10]. . شرح صحيح مسلم بن الحجاج، محيي الدين النووي، دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1392ه، ج: 15، ص: 83.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.