في ذكرى استشهاد الامام حسن البنا رحمه الله مؤسس جماعة الاخوان المسلمين ( كتب هذا السنة الماضية بهذه المناسبة) أخط هذا الكلام محاولا الإجابة عن السؤال: لماذا الحركة الاسلامية ؟ وتبقى وجهة نظر قابلة للصواب والخطأ
في أحايين كثيرة وأنا أناقش معارف لي، و عددا من الأقارب، و بعضا من عامة الناس. حول الحركات الاسلامية، فأحاول جاهدا الدفاع عن هذه الحركات، وتبسيط مشروعها وتقريبه إلى الأذهان، بل شخصيا كنت أجتهد في فهم مشروع كل حركة اسلامية. لكنني وبعد كل نقاش وتواصل أستنتج أنه كان ولا بد، ومن الضروري أن يعي المسلمون وغيرهم أولا لماذا الحركة الإسلامية، وما تأصيلها وأهميتها؟
إن المظلومية التي تتعرض لها الحركة الاسلامية من حصار، ومنع، وغير ذلك في ربوع البلاد الإسلامية، يتجاوب معها عامة الناس بفهم مغلوط، ونظرة مسلمة طبعتها الأنظمة الاستبدادية والغربية في عقول المسلمين عن طريق أذيالها، وأجندتها المعششة وسط المجتمع الإسلامي، ومنظومتها التعليمية الفاشلة، وإعلامها المسموم، وإسلامها الرسمي المنتقى لتخدير العقول ” يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”[1] فظن العامة من الناس أن النجاة مع كل ناعق سليط لسان فصيح.
فلماذا الحركة الإسلامية أو الجماعة الإسلامية ؟
قبل أن نستند في الإجابة عن هذا السؤال الى المرجع الديني الاسلامي المتمثل أساسا في : القران والسنة، دعونا نلقي نظرة خفيفة على تاريخ أمة غير الأمة الإسلامية، ولنأخذ اليهودية مثالا. اليهودية التي طاردتها المبادئ القرآنية، وحصرتها في نطاق ضيق، اليهود الذين كانوا أشتاتا في الأرض، بلا وطن، ولا نظام، عالة على مجتمعات أخرى . متغلغلين في أوروبا وأمريكا إلى حين تحقيق الوعد الإلهي. هذا الحين كان في ظله سعي إلى لم الشمل، فكانت الخطوة الأولى تأسيس الحركة الصهيونية شرق أوروبا، والتي دعا إليها مفكرون يهود أمثال هيرتزل الذي يعتبر الداعي الأول لهذه الحركة، إبان ضعف الدولة العثمانية، وبروز اليقظة اليهودية من خلال إنشاء مشاريع كبرى في أمريكا، حيث جعلت رجالات اليهود يهيمنون على الاقتصاد الأمريكي ان لم نقل العالمي .
هذه الهيمنة الاقتصادية، كانت طريقا إلى تحقيق المشروع اليهودي المتمثل في استرجاع أرض الميعاد، التي وعد الله بها نبيه اسرائيل ( يعقوب)، ومن ثم تأسيس وطن قومي يهودي على أرض فلسطين.
هذه الاطلالة القصيرة على تاريخ اليهودية التي استحضرناها على سبيل المثال لا الحصر، كانت الغاية منها ان نستشف بعض النقط المهمة التي نمر عليها في دارستنا لتاريخ نهضة أغلب إن لم نقل جل الحضارات و الأمم، والتي تتجلى في :
اليقظة : ف ” الإنسان مزود بقدرة لا متناهية على الابداع، والتجديد، والتطوير، والاصلاح الشامل لأبعاد الحياة والمجتمع والعالم. وفي داخل الانسان بعث عميق نحو التجديد، والاصلاح…ولن يأتي يوم يشعر الإنسان بالعجز، و التوقف عن التجديد، والتطوير. هذه سنة الحياة وفلسفة الانسان والتاريخ”[2].
الدافع : يبقى الدافع الديني أو العقدي على اختلاف دوافع اليقظة الفكرية محركا أساسيا وقويا يلهب النفوس، ويجعلها تنتفض إعلاء لراية الانتماء.
التنظيم والحركة : التنظيم ضرورة يفرضها واقع الفوضى، والارتجال، واضطراب العمل، وضياع الوقت. التنظيم آلية مهمة للحركة لتطوير العمل والتغلغل في المجتمع. التنظيم حصن يحمي الحركة من الذوبان في المجتمع.
اذا هي يقظة ودافع وتنظيم ثم هيمنة أو عودة للسيادة.
كانت اطلالة واستخلاص ثم مررنا، لنعود الى وضع الحركة الاسلامية – الجماعة الاسلامية – في ميزان القرآن والسنة . هل لها تأصيل؟ وهل لها ضرورة؟
القران الكريم
قال تعالى ” وَلْتَكن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ “[3] الآية الكريمة جاءت خطابا للمسلمين بصيغة الأمر، أي أن تكون منكم أيها المخاطبون جماعة يدعون إلى الخير، و يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر. والأمر في القران الكريم عند علماء الأصول يفيد الوجوب غالبا، مالم تصرفه قرينة. فتأسيس هذه الجماعة لتنفيذ الأوامر الإلهية التي جاءت في الآية، واجب شرعا. وكلمة “أمة” تطلق مرة ويراد بها الجماعة، التي تنسب الى جنس. ومنه فهذه الجماعة هي من جنس المجتمع الاسلامي.
لا يختلف أحد بأن الخطاب موجه لعموم المسلمين، لكن ما يستوقفنا هنا لنقول بضرورة تأسيس هذه الجماعة الداعية الى الخير، والآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر هو أن الخطاب وجه الى المسلمين وهم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيضة الاسلام مجتمعة، وشوكته قوية، فما بالك بحال الأمة والمسلمين الآن ؟
فتعطيل المسلمين لهذه الآية، هو مخالفة لأمر رباني. وبذلك فشو الفساد في الأرض، وإصابة الأمة بالذل والهوان وتكالب الأعداء عليها.
وهذا ما بينته السنة في أحاديث عدة روى الترميذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ” و عن أبي سعيد الخذري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان”[4].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس الدين وعماده، وبه يستقيم حال المسلمين، فكل مسلم مخاطب قرآنا وسنة بل مطالب بتغيير المنكر ولو بقلبه، وهذا أضعف الإيمان وإن كان قد سبقه الأمر بالتغيير في الحديث باليد. إلا أن من المنكر ما لا يتغير ولا يزول بإنكار الفرد له، بل لا بد من جماعة أو كما عبر عنها القرآن الكريم “أمة”، لأن في الجماعة تتمثل القوة والهيبة. فرسول الله عليه الصلاة والسلام المؤيد بالوحي من عند الخالق عز وجل عندما صدع بدعوته كانت أول خطوة أقدم عليها في حركته التغييرية أن أنشأ الجماعة الاسلامية داخل المجتمع الجاهلي، بغية إحداث التغيير التدريجي الكلي في السياسة والاقتصاد والفكر والاجتماع. فلا يجمع شمل الأمة وشتاتها إلا ببناء جماعة للمسلمين تملك خصال الشجاعة، والعلم بالواجب الشرعي، والغيرة على مصير الأمة. لتعلي كلمة الله الحقة في الناس، وتوحد جهود المسلمين و تتصدى لهجمات أعداء الامة، من الداخل والخارج.
ومع كثرة التيارات الفكرية العديدة، وزوبعة الأفكار المادية، التي غزت دار الاسلام عن طريق مصادر معرفية مسموعة، ومرئية ومقروءة ومع لهفة شباب الاسلام وإقبالهم الملحوظ على الاطلاع والمعرفة، ومع ما تعرفه البلدان الاسلامية من تراجع وتخلف علمي و اقتصادي واجتماعي وسياسي وفتور تربوي. كان لزاما ظهور حركات إسلامية داخل كل قطر من أقطار الاسلام، لتحصين الجانب المعرفي والعقدي عند شباب الأمة، وإزالة الاحباط والتشكيك في قدرة دينهم الاسلامي على مسايرة الأمم الأخرى حضاريا وعلميا، وحل ما يعترضهم من عوائق اجتماعية وشخصية.
إذا فالجماعة الاسلامية هي نواة المجتمع المسلم، ولا يمكن أن نتصور قيام دولة إسلامية من غير تأسيس قاعدتها الأساسية المحددة في هذه الجماعة المهاجرة والمناصرة.
[1] سورة الصف الآية 8
[2] زكي الميلاد، الفكر الاسلامي بين التأصيل والتجديد، ص 13
[3] ال عمران الآية 104
[4] رواه مسلم