منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

المولد النبوي؛ وواجب المحبة والاتباع.

0

بسم الله الرحمـن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد؛ الرحمة المهداة والنعمة المسداة، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وأصحابه، وأحبابه، وإخوانه، وأتباعه إلى يوم الدين. وبعد؛

إن الله تعالى خص نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بمكانة عالية ومنزلة رفيعة، وأعطاه من النعم الكثيرة في الدنيا والآخرة؛ فرفع ذكره، وأعلى من قدره، وزكاه كله فقال عز من قائل: (وإنـك لعلى خلق عظيم)[1].

وأعطاه الله الكوثر؛ قال الله تعالى في سورة الكوثر: “إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك واِنحر إن شانئك هو الأبتر” وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر)[2].

وخصه بالشفاعة ولواء الحمد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع، وأول مُشَـفَّع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر)[3]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة دعا بها في أمته، فاستجيب له، وأنا أريد أن أدخر دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة)[4]. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة، لأنها أعم، وأَكْـفى، أترونها للمتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين الخطائين، المُلوَّثين)[5].

وخصه بالوسيلة؛ وهي أعلى درجة في الجنة، فـعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة”[6].

كمـا غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنبه؛ قال الله تعالى: (إنا فتحنا لك فتحا نبينا. ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما. وينصرك الله نصرا عزيزا)[7].

لذا وجبت محبته صلى الله عليه وسلم، وتوقيره، واتباعه؛ فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه أصل عظيم من أصول الدين، وشعبة من الإيمان، وعبادة وقربى ترضي الرحمان، وهي تستلزم التأسي به، والاقتداء بسنته، والسير على نهجه، والتخلق بأخلاقه، والإذعان لحكمه، والقبول لما جاء به، وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أوجب وأمر، والابتعاد عما نهى عنه، والرضا بما شرع. ومن أحب نبيه صدقا، وافقه في مراده، حتى يكون مأمور نبيِّه مأموره، ومندوب نبيِّه مندوبه، وولي نبيِّه وليه، ومنهي نبيِّه منهيه. كما قال تعالى في بيان لوازم محبته: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [8]. قال القاضي عياض عند شرحه الآية: (فكفى بهذا حضا وتنبيها ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: “فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ“. ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله)[9]. ودليل محبــته أمور كثيرة، أذكر منها:

-الإكثار من ذكره ومن الصلاة عليه، صلى الله عليه وسلم.

– الاقتداء به في الحلم والحياء والتواضع وفي حسن معاشَـرة أهـله.

– الاقتداء به في الجود والكرم؛ فقد وردت أخبار كثيرة بجوده صلى الله عليه وسلم وكرمه، ومنها: (جاءه رجل، فسأله فقال: ما عندي شيء، ولكن ابتع علي، فإذا جاءنا شيء قضيناه. فقال له عمر: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق، ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وعرف البشر في وجهه، وقال: بهذا أُمِـرْتُ)[10].

– الاقتداء به في العفو والصفح وترك العتاب وعدم المشاحنة مع الناس، وهذا مما أمر الله تعالى به نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال عز من قائل: “خذ العفو وامر بالعرف[11]. روي أنه لما نزلت هذه الآية، سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام عن تأويلها، فقال له: حتى أسأل العالم –يعني الله تعالى- ثم ذهب فأتاه، فقال: يا محمد؛ إن الله يأمرك أن تَصِل من قطعك، وتعطيَ من حرمك، وتعفـوَ عمن ظلمك.

– الاقتداء به في العبادة والشكر؛ عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتتكلف هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: “أفلا أكون عبداً شكوراً[12].

– اتباعه عليه السلام في كل شيء، فإن اتباع سنـته هو سبيل النجاة قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي)[13].

اللهم اجعلنا من أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أحبابه وأنصاره، وصل اللهم عليه وسلم تسليما كثيرا، ورضي الله تعالى عن آل بيته وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا معهم، آميـن، والحمد لله رب العالمين.


[1]– سورة القلم / الآية: 4.

[2]– رواه الإمام البخاري، كتاب: الرقاق، باب: في الحوض، حديث رقم: 6581.

[3]-رواه الإمام ابن ماجة، كتاب: الزهد، باب: ذكر الشفاعة، حديث رقم: 4308.

[4]-سورة الفتح الآيات 1-3.

[5]– رواه الإمام ابن ماجة، كتاب: الزهد، باب: ذكر الشفاعة، حديث رقم: 4311.

[6]– رواه الإمام مسلم، كتاب: الصلاة، باب: استحباب قول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي

على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسأل اللهَ له الوسيلةَ، حديث رقم: 11-384.

[7]– سورة الفتح الآيات 1-3.

[8]– سورة التوبة / الآية 24.

[9]– الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، للقاضي عياض. 2/20.

[10]– يُــنظر: كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض، الباب الأول من الجزء الأول، الصفحة 87 .

[11]– سورة الأعراف / الآية: 199.

[12]– رواه الإمام البخاري، كتاب: التفسير، باب: “ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر”، حديث رقم: 4836.

[13]– رواه الحاكم في المستدرك، بإسناد حسن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.