لقد وُضعت قضية المرأة المسلمة منذ مدة ليست باليسيرة تحت المجهر، وتعالت الأصوات عن حسن نية وبخلفيات متباينة، من أجل إنصافها، وتصحيح مسارها. وأعقبت ذلك سجالات لم تنته بعد، وإجراءات اتخذت على مستويات متعددة؛ إلا أن واقع حال المرأة في المجتمعات الإسلامية ما يزال رهين الخطابات الإيديولوجية الضيقة، والمزايدات السياسية المناسباتية، والرؤى الفقهية المتحجرة تارة، والمتحللة من مظلة النص الديني تارة أخرى. وبين هذا وذاك، تبقى كرامة المرأة ممرغة في أوحال التقاليد الشاذة، وحقوقها لا تتجاوز في أحسن الأحوال نصوصا خشبية شكلية، لم تنفذ إلى عمق الكيان الأسري، ولم تجد الطريق إلى التطبيق الأمثل، ولم ترق إلى مستوى محورية المرأة في الأسرة. كما أن جل هذه النصوص لم تتخلص من خرم اصطدام حقوق المرأة بحقوق الرجل، وواجباتها بواجباته؛ إذ في الغالب يُكشف عنها بصيغة التناقض والانحياز إلى طرف على حساب الآخر؛ فتفقد بذلك البعد التكاملي بين الزوجين، وتغيّب آصرة التعاون والتضامن التي تربطهما، ولا يعزز مقصد المودة والتراحم بينهما، بالتوازي مع نبذ الظلم والاحتقار والامتهان في تصرف أي منهما تجاه الآخر، وتعزيز آليات حماية هذه الأصول الجامعة.
صحيح أن الكثير من البلدان الإسلامية أعلنت عن تبني نصوص تشريعية تدعي فيها رفع المظلومية عن المرأة؛ إلا أن تزامن هذه التغييرات، وارتباطها، تصريحا وتلميحا، وبشكل مباشر وغير مباشر بدوائر قرار أجنبية، وإصدارها بإيعاز من هيآت ومؤتمرات خارجية، وتنفيذا لمقتضيات اتفاقيات ومعاهدات دولية. كل ذلك يدفع إلى التساؤل، أولا حول حدود الاستقلالية في اتخاذ القرار، ومدى صلاحية الحل الخارجي الـمُملى، وثانيا حول موقع الحاجة الداخلية، ومدى تأهيل المعنيين بها: نساء، ورجالا، ومجتمعا؛ كشرط أساسي لإنجاح سريانها، والتفاعل الإيجابي معها.
ومن ثم، يبدو تشعب التداخلات التي تؤثر في مشوار إنصاف المرأة. فمنها ما هو داخلي تتجاذبه النزعات المحافظة والعلمانية واللبيرالية، ومنها ما هو خارجي تتوزعه النزعة الليبرالية المادية بخلفيتها الاقتصادية، والحداثة اللائكية بخلفيتها الثقافية والقيمية، والنزعة الحقوقية المرتبطة بالبعدين السابقين. ومنها ما هو سياسي تؤججه الحملات الانتخابية، وتخبو ناره بتراجع الرهانات السياسية بين الفرقاء. ومنها ما هو ديني وإيديولوجي يشتد فيه سعار الحرب بين الإسلاميين والعلمانيين. ومنها ما هو جيو-استراتيجي يدخل في إطار ضغوطات الدول الكبرى على القوى الإقليمية متى اصطدمت مصالح الطرفين، ويُغض عنه الطرف إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
كما تتدخل فيه الأبعاد السياسية بشكل حاسم؛ فالاستبداد السياسي لا يميز بين الجنسين في ضحاياه؛ وإنما يقسم المجتمع إلى طغمة نافذة ومتحكمة بنسائها ورجالها مقابل شريحة عريضة من المستضعفين من الولدان والنساء والرجال. ولا شك أن ريح الديمقراطية واحترام الحقوق والحريات إذا هبت على بلد فستصل نسماتها إلى الرجال والنساء على حد سواء. وتحضر الأبعاد الاقتصادية بثقلها في وضعية المرأة ومسارها؛ إذ أن هاجس استغلال اليد العاملة بأبخس الأثمان، ومتطلبات صناعة الإشهار للتأثير في نفسية المستهلك وترويج السلع تعلو على كل القيم في استخدام النساء، مهما تغنت الشعارات بمكانة المرأة. كما تنتصب العادات الاجتماعية، والأعراف القبلية، والإرث التاريخي كعوائق ذاتية وبشرية وذهنية لا يستهان بها. ويعتبر العنصر البشري عاملا حاسما في تصحيح وضعية المرأة، تماما مثل الأرضية الاجتماعية والثقافية التي يؤمل أن ينزل بها أي إصلاح، والتي تعد من بين التحديات الأكثر تأثيرا؛ إذ لا يكفي تبني تشريع معين حتى وإن كان نموذجيا، دون إعداد أرضية تنزيله، وتهيئ الكتلة البشرية المعنية به، نخبة وعامة؛ سواء نفسيا بتكسير شذوذ بعض القيود الاجتماعية التي يخضع لها الناس بالوراثة، أو علميا ببيان أهمية تغيير حال المرأة ومشروعيته، وإقناع السواد الأعظم من الناس به. ولا شك أن أي مشروع متى كان عادلا سيحظى بالقبول والترحاب.
من أجل ذلك، بادر مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) إلى تخصيص أول مصنف جماعي له لموضوع: المرأة في الغرب الإسلامي الصفحات المشرقة والتحديات المحدقة، والأسئلة العالقة، آملا أن يكون مساهمة فعلية في اتجاه تصحيح ما اختل من واقع المرأة تنظيرا وممارسة، وأن يكون خطوة عملية للبحث عن سبل إنصاف الشطر الثاني من الأمة. ورغم يقيننا بأن قضايا المرأة نالت نصيبا وافرا من الكتابات والمؤتمرات والندوات والأوراش، وما إلى ذلك؛ إلا أنها لم تستغن بعد عن أقلام الباحثين، وآراء المفكرين. وقد فتحنا المجال للمساهمين من مختلف المشارب والاتجاهات الفكرية، مقتنعين بأن علاج أية قضية مجتمعية لا يكون بالانكفاء على القناعات الشخصية؛ بقدر ما يحتاج إلى تقليب وجهات النظر، ومقارعة الأفكار، وتلاقح التصورات، وتقريب وجهات النظر قصد تحقيق شعار يكاد يجمع عليه أغلب الفاعلين، وهو: رفع إصر القيود والأغلال التي تخضع لها شريحة واسعة من نساء العالم الإسلامي من غير وجه حق، ودون سند شرعي، أو عقلي. وقد آثرنا تخصيص الجناح الغربي من العالم الإسلامي بهذه الدراسة حصرا للمجال، ولثراء تجاربه في الموضوع، وخصوصياته المتقاربة. وبالمقابل تركنا المجال الزمني مفتوحا على امتداد الحقبة الإسلامية قصد الوقوف على سيرورة واقع المرأة المغاربية من جهة، والبحث في جذور مواطن القوة من أجل تثمينها والتشبث بها، وتتبع أصول وبوادر الانحدار لتجنبها وتفادي عثراتها من جهة ثانية.
وقد عمل المركز على إعلان طلب استكتاب في الموضوع المذكور، وتلقى ما يزيد على سبعين مشروعَ بحث، وافقت اللجنة العلمية على حوالي خمسين منها. وبعد تحكيم المواضيع المتوصل بها، صادقت اللجنة على الثمانية عشر موضوعا التي تزين صفحات هذا المصنف العلمي.
ونحن في مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات؛ إذ نعرب على بالغ شكرنا لكل الباحثين الذين تفاعلوا معنا، من جنسيات مختلفة: مصر ـ السعودية ـ تونس ـ الجزائر ـ السنغال ـ المغرب؛ فإننا نعتذر لمن لم تقبل مشاركاتهم، ونهنئ الذين انتقيت مساهماتهم على الجهود التي بذلوها، سواء في إنجاز المواضيع التي قاموا بها أصالة، أو في الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات الموضوعية والمنهجية التي قدمت لهم من قبل هيأة التحكيم. كما نتقدم بالشكر الجزيل والثناء الجميل لكافة أعضاء اللجنة العلمية، الذين تجشموا معنا مشاق بناء هذا الصرح العلمي لبنة لبنة، منذ كان فكرة وأرضية، مرورا بمرحلة المشاريع، وصولا إلى استواء محاوره ومساهماته، ثم اكتمال أبحاثه وفقراته. والشكر أيضا موصول لكل من ساهم في إعداد هذا الكتاب والسهر على إخراجه الفني والتقني.
وإذ نزف إلى جمهور القراء هذا المولود الجديد فإن مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات يعدهم أن يكون هذا العمل خطوة من بين أخر كثيرات، إسهاما في تشييد أركان بحث علمي رصين في بلدنا وفي أمتنا الإسلامية، ويراهن على تعزيز واستمرار التعاون بين الباحثين في سبيل هذا المسعى النبيل.
والله ولي التوفيق.
تلكم كانت مقدمة الكتاب الذي صدر حديثا عن دار النشر أفريقيا الشرق كتاب تحت عنوان: “المرأة في الغرب الإسلامي: الصفحات المشرقة والتحديات المحدقة والأسئلة العالقة” من منشورات مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات (مفاد) لسنة 2016م، وهو عبارة عن مؤلف جماعي من الحجم الكبير يناهز 430 صفحة.
الكتاب من تنسيق وتقديم الدكتور عبد الباسط المستعين، وبمشاركة نخبة من الدكاترة والباحثين من جنسيات مختلفة. وتوزعت مواده على الشكل الآتي:
المحور الشرعي، وتضمن الأبحاث الآتية:
“المرأة بين شبهات الخصوم وأخطاء بعض علماء المسلمين” للدكتور رشيد عموري (باحث بمركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات –مفاد- بفاس، المغرب)، و”تعسف الرجل في استعمال حق القوامة: نظرة واقعية شرعية” للدكتور محمد بوشركة (الأكاديمية الجهوية للتربية سوس – ماسة، المغرب) و”عمل المرأة وذمتها المالية في الفقه الإسلامي” للدكتور أحمـد الإدريـسي (باحث بمركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات –مفاد- بفاس، المغرب)
المحور الاجتماعي والعلمي، واندرجت تحته الأبحاث الآتية:
“وضعية المرأة التونسية في الريف والحضر قبل الاستقلال واليوم” للأستاذة فتحية مقديش (كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، تونس)، و”في أسباب الاعتقاد في السيدة المنوبية وعلاقته بواقع المرأة التونسية: دراسة سوسيو-انثروبولوجية” للدكتور الحبيب النهدي(جامعة تونس، تونس)، و”منزلة السيدة عائشة المنوبية في الطريقة الشاذلية” للدكتور توفيق بن عامر(جامعة تونس، تونس)، و”المرأة في رحاب التصوف: التصوف النسوي المغاربي نموذجا” للدكتورة درقام نادية (كلية العلوم الاجتماعية، جامعة وهران2، الجزائر)، و”بصمات نسوية في تكوين الأعلام الصوفية السنغالية خلال القرنين 19 و20م” للأستاذ محمد بمب درامي (باحث سنغالي بدار الحديث الحسنية، الرباط، المغرب).
المحور التاريخي، واحتوى على الأبحاث الآتية:
“جوانب من حياة المرأة الفقهية والحضارية بالغرب الإسلامي من خلال فتاوى ابن رشد الجد” نهلة للدكتورة أنيس محمد مصطفى (جامعة الأزهر الشريف، مصر)، و”حضور المرأة في الفتاوي المغربية في العصر السعدي نموذج: فتاوي القاضي ابن عرضون الشفشاوني” للدكتور خالد صقلي (جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، المغرب)، و”مكانة المرأة في التراث السياسي بالغرب الإسلامي وبعض مظاهر الإبداع النسائي خلال الحقبتين المرابطية والموحدية” للدكتور عماد المرزوق (جامعة مولاي سليمان، بني ملال، المغرب)، و”المرأة والسلطة بشمال المغرب خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين من خلال بعض النماذج” للأستاذة فاطمة بوشمال (محافِظة القصبة الأثرية بشفشاون، المغرب)، و”المرأة وممارسة السلطة بشمال المغرب: السيدة الحرة حاكمة تطوان نموذجا (1511- 1542م/917-949هــ)” للدكتور البشير أبرزاق (الأكاديمية الجهوية للتربية العيون – الساقية الحمراء، المغرب)، و”المرأة التاجرة في المغرب الإسلامي بين القرنين (05-09هـ/11-15م)” للدكتور محمد بن ساعو (جامعة الحاج لخضر، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، باتنة، الجزائر).
المحور القانوني والتشريعي، وفيه البحث الآتي:
“قوانين الأسرة المغاربية وسؤال المرجعية آية حماية للمرأة؟” للدكتور عبد الصمد عبو (جامعة المولى إسماعيل، مكناس، المغرب).
المحور الأدبي والفني، واشتمل على الأبحاث الآتية:
“أغراض الشعر النسوي في الأندلس من عصر ملوك الطوائف إلى عصر الموحدين” للدكتور عمــر قلعــي (الأكاديمية الجهوية للتربية الرباط- سلا- القنيطرة، المغرب)، و”ملامح أنثوية في الشعر النسائي الجزائري المعاصر قراءة في: »أسماء الحب المستعارة« لمنيرة سعدة خلخال” للدكتورة حنان بومالي (المركز الجامعي عبد الحفيظ بو الصوف، ميلة، الجزائر)، وبحث باللغة الفرنسية تحت عنوان: ” Le théâtre marocain au féminin entre jeu scénique et enjeux de société ” للدكتورة بشرى شاكر (دار الحديث الحسنية، الرباط، المغرب).
وقد ساهم في تحكيم الأعمال العلمية التي كانت مرشحة لهذا الكتاب زمرة من الدكاترة من جامعات مغربية وعربية مختلفة. وفيما يلي قائمة محكمي مواد الكتاب: الدكتور عبد المنعم العزوزي (جامعة محمد بن عبد الله ـ فاس ـ المغرب)، والدكتور حسن ضايض (جامعة محمد بن عبد الله ـ فاس ـ المغرب)، والدكتورة ماجدة كريمي(جامعة محمد بن عبد الله ـ فاس ـ المغرب)، والدكتورة جميلة زيان (جامعة محمد بن عبد الله ـ فاس ـ المغرب)، والدكتور عمر لمزرع (جامعة محمد بن عبد الله ـ فاس ـ المغرب)، والدكتور عبد الرحمان بودراع (جامعة عبد الملك السعدي ـ تطوان ـ المغرب)، والدكتور مصطفى نشاط (جامعة محمد الأول ـ وجدة ـ المغرب)، والدكتور نور الدين زمام (جامعة محمد خيضر ـ بسكرة ـ الجزائر)، والدكتور محمد جرادي (جامعة أدرار ـ الجزائر)، والدكتور إبراهيم محمد السعداوي (جامعة تونس ـ تونس)، والدكتورة محاسن محمد علي حسين الوقاد (جامعة عين شمس ـ مصر)، والدكتور عمر أنور الزبداني (وزارة الأوقاف ـ قطر).
It’s in reality a great and helpful piece of information. I’m
happy that you just shared this helpful info with us.
Please stay us up to date like this. Thanks for sharing.