منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

التبوريدة

0

مقدمة:

تعتبر الفروسية تراثا تاريخيا عبر الأزمنة والعصور فمنذ القدم والفرس ظل ملازما للإنسان سواء في الحرب او السلم حيث كان وسيلة تستعمل في الاسفار والجر إضافة إلى أنه كان أداة للتسلية والفرجة وجانب من جوانب العلو والزهو والافتخار وهذا ما يؤكد أهمية الفرس في الحضارة الإنسانية.

وقد تفوق العرب في الفروسية كما تشهد بذلك بطون الكتب وحوادث التاريخ حيث كانت العرب تدرب أبناءها منذ الصغر على ركوب الخيل.

وجاء الإسلام ليقر الفروسية وليشجع العرب على ممارستها لما ويبارك قيمها، ويعزز آدابها، ويهذبها ويوجهها لخدمة مبادئ الإسلام ورسالته الحضارية، ويؤكد المؤرخون على أن الغرب أخذ الكثير من مثل الفروسية وآدابها عن العرب المسلمين، لاسيما عبر الأندلس والحروب الصليبية. ولكن هذا لا يعني أن الغرب لم يعرف الفروسية قبل ذلك، بل عرفها منذ أيام الرومان والجرمان.

وقد أولى المغاربة عناية كبيرة بعالم الفروسية ويتجلى ذلك عندهم فيما يعرف ب ” فن التبوريدة ” التي تعد طقسا احتفاليا وفلكلوريا عريقا لدى المغاربة، وهي ليست وليدة العصر، لذلك باتت مرتبطة في أذهانهم بتقاليد وعادات تجمع بين المقدس والدنيوي، حيث تصاحبها مجموعة من الأغاني والمواويل والصيحات المرافقة لعروضها والتي تحيل على مواقف بطولية، وهي تمجد البارود والبندقية التي تشكل جزء مهما من العرض الذي يقدمه الفرسان.

وتشكل التبوريدة جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي الأصيل الذي يعيد الذاكرة الشعبية والمتفرجين في مناسبات عديدة إلى عهود مضت، وهنا يمكن القول إن المغاربة الذين يمتلكون الخيول المدربة على التبوريدة هم من علية القوم في القبيلة وأصحاب خبرة وشأن عظيم ونخوة وقيمة في البلاد


موضوع البحث.

في علاقة مع الموروث الثقافي بالمغرب يحاول هذا البحث أن يعرف بمظهر من مظاهر الثقافة المغربية والذي يتجلى في طقوس وعادات ركوب الخيل أو ما يسمى بفن التبوريدة.

خطة البحث.

تتجلى خطة هذا البحث في مقدمة عبارة عن مدخل بسيط وأربعة مباحث حول هذا الموضوع وخاتما بحثي بخلاصة جامعة لأهم النتائج المتوصل إليها، وتصميم البحث على الشكل الآتي:

مقدمة.

المبحث الأول: تاريخ الفرس المغربي وأهميته.

المبحث الثاني: التبوريدة ممارسة شعبية عريقة.

المبحث الثالث: الآليات والعناصر المحركة لعملية التبوريدة.

المطلب الأول: مواصفات فرس التبوريدة.

المطلب الثاني: أهم مكونات لباس الفارس و”أسنحة” الخيول التي تتزين بها.

  المبحث الرابع: مشهد عملية التبوريدة.

خاتمة.


تاريخ الفرس المغربي وأهميته.

حسب الدراسات التاريخية والاركيولوجية يعود ظهور الفرس في المغرب الى أكثر من ثلاثة آلاف سنة كما تشهد بذلك البقايا الأثرية والرسومات على الجدران في مدينة وليلي، فللمغرب تاريخ عريق في ميدان الفروسية التقليدية وتربية الخيول، وقد ظلت الأحصنة مرتبطة بفترات حكم الدول التي تعاقبت على المغرب، وكثيرة هي الشواهد الأثرية في بلادنا المتمثلة في بعض التماثيل البرونزية وفي الزخارف والمجسمات التزيينية، والعربات والدواب الدالة على وجود الفرس في مختلف المواقع المغربية القديمة.

 

وأول أنواع الخيول العريقة الذي ظهرت في المغرب هو المعروف باسم الحصان البربري الذي يتميز بالرزانة والهدوء والتحكم في النفس، ويعد المغرب مسقط رأس الحصان البربري قبل أن يأتي العرب إلى المنطقة بسلالتهم الخاصة، أي الحصان العربي. وتتميز كلا السلالتين بالشجاعة التي جعلت الفرس والفارس يقاتلان جنبا إلى جنب وصنعا معا قوة لا تقهر في تاريخ الخيالة المغربية، أما الفرس العربي-البربري فقد جاء نتيجة تهجين جرى بين هاتين السلالتين الأوليين، وكلاهما لهما القدرة على التأقلم مع محيطهما الطبيعي، القاسي، الذي يقل فيه الكلأ. إنهما سلالتان سخيتان وصبورتان.

ومنه احتفظ المغاربة دائما للفرس بمكانة متميزة في فؤادهم. فالمغربي تعلق بالفرس من باب حب الزينة والمتعة الذاتية، وأيضا من باب الشغف الكبير لدى البعض… ومهما اختلفت طبيعة التعامل مع الفرس بين المغاربة، فقد ظل شعبيا بينهم من حيث أنه ارتبط عندهم بالأعياد والحفلات من قبيل حفلات ختان الأطفال، الزفاف، المواسم الشعبية، التبوريدة… إذ ظل الفرس يمثل للمغاربة شكلا من أشكال المرور من اليومي إلى المقدس.

وعلى مر الزمن، عرف المغاربة كيف يعتنون بالحصان ويطورون علاقتهم به. فالشغف به يتمظهر، أولا، من خلال التبوريدة، قبل أن يتطور شغفهم بسرعة إلى التعلق بسباقات الفروسية ورياضاتها.

 

التبوريدة ممارسة شعبية عريقة

ما إن يأتي فصل الصيف حتى ينكب المغاربة من كل فج ليشهدوا هذا العرس الثقافي المعروف ب فن التبوريدة الذي يمتزج بمجموعة من الطقوس والعادات ذات أصول ودلالات تراثية عريقة ويبقى هذا معروفا لدى الأجانب بلفظة الفانتازيا ذات الأصل اللاتيني التي تعني الترفيه.

ويطلق فن التبوريدة ويعرف كذلك ب الخيالة والباردية، على عروض فروسية تحاكي هجمات عسكرية يشنها فرسان متمرسين وماهرين بألبستهم التقليدية على صهوة جيادهم المنمقة بوسائل الزينة مطلقين لعيارات من البارود في السماء في جو احتفالي وفي شكل منظم تحت شروط العلام وسيرا مع هذه الحركات ترقص الخيول انسجاما مع نغمات العيطة وإيقاعات الطبول.

وعرف المغرب أولى استعراضات التبوريدة في القرن الخامس عشر، وكان تستعمل خلالها الأقواس والنبال، قبل أن تعوض ببنادق البارود، في القرن السادس عشر.

الآليات والعناصر المحركة لعملية التبوريدة.

للحديث عن فن التبوريدة باعتباره فن منظم ومحكم يجب علينا الوقوف أولا على شروط ممارسة هذا الفن والتي هي بمثابة تعاليم متأصلة ومتوارثة من جيل إلى آخر يلقنها الآباء لأبنائهم منذ نعومة أظفارهم حتى يشتد عودهم ويصبحون فرسانا مهرة ومن هذه الشروط ما يتعلق بالفرس وما يتعلق بالفارس ولباسه ثم المكان.

مواصفات فرس التبوريدة.

حتى يتسنى للفرس القيام والاستجابة لضوابط فن التبوريدة، يجب أن تتسم فيه مجموعة من الصفات نذكر منها: [1]

1-أن تكون الفرس حرة: بالمعنى ان تكون عزيزة النفس وان تتعفف ان تأكل من علف غيرها وتحرك أذنيها في اتجاهين مختلفين عند اقتراب شخص منها.

2- صغر السن: وهو شرط أساسي لدى من يرغبون في اقتناء الخيل وأن لا يكون قد حمل السرج قط حتى  يسهل ترويضه من طرف صاحبه الجديد.

3 – الطول: أن يكون طويلا حيث يعمد إلى قياس  المسافة بين ركبتيه وبين ملتقى الحافر والساق وإذا تجاوزت أربعين سنتمترا فهي مزية فيه لأنه خيل واف.

4 -الهيئة من الخلف: من العالمات المميزة للفرس اتساع خاصرته وأن تكون عضلاته مفتولة وذيله قصيرا ينتهي بخصلة من الشعر الطويل وهذه هي ما يصطلح عليها السلهام

5 – الهيئة من الأمام : أن يكون واسع الصدر عريض الركبتين مرفوع الرأس.

6 -اللون: بحيث يفضل الفرس ذو اللون الأشقر الأدهم، والمذهب اللون، الأسود الداكن،

بعد ان تتحقق في الفرس المواصفات اعلاه تأتي مرحلة الترويض وتقتضي هذه العملية تدريب الفرس أولا على الرقص وهي من المراحل المتعبة التي يمر بها صاحبه بهدف حصول نوع من الألفة بين المهر وصاحبه، وفي مرحلة ثانية يوضع له اللجام رغم ما يواجهه من صعوبات في البداية لكن سرعان ما يعتاد عليه بوضعه في فمه، وبعدها تأتي مرحلة الركوب بشكل متقطع ولمسافات قصيرة حتى يشتد عوده.

 

أهم مكونات لباس الفارس و”أسنحة” الخيول التي تتزين بها.

  يرتدي الفارس زيا تقليديا خاصا ب التبوريدة ويكون موحدا بين أفراد السربة، ويتكون من جلباب أبيض رقيق تحته ” الفَرجية ” أو” التشامير” والسروال العربي الواسع في لون أبيض وفوق الكل ” برنوس ” رقيق أبيض كذلك.

  ويضع عمامة بيضاء ترصع رأسه ويستعمل أيضا” الحراف ” وهي عبارة عن حبال حريرية حمراء، وأحيانا يتمنطق الفارس ب ” الكُمِيَّة ” أوالخنجر او شكارة التي ب مجدول أحمر إلى كتفه.

أما حذاء الفارس فهو” التْماك ” مصنوع من جلد خفيف يصل إلى ما دون الركبة تربط فيه من جهة القدم “مهاميز” لنقر الخيل في حالة تقاعسها.

أما الفرس فهو كذلك بدروه يزين بزينة تقليدية تتجلى في:

السرج او السناح: لا تكتمل زينة خيول تبوريدة وفرسانها إلا بسروج تقليدية إشتهرت بحياكتها أياد مغربية حيث يزين الفرس بمجموعة من مظاهر التأنق والزينة قبيل ولوجه ساحة التبوريدة حيث يزين بسرج خاص على الطريقة التقليدية ويتكون من مكونات أساسية، وأخرى كمالية تستعمل تنميقا:

اللَّبد: وهو عبارة عن نسيج صوفي ناعم محلي الصنع يوضع على صهوة الفرس.

الطْرا َشَح: عبارة عن ستة سجاجيد من ” المَلْفْ ” وظيفتها حماية صهوة الفرس من الإحتكاك.

القربوس: وهو العنصر الأكثر أهمية في السرج ويربط هذا الأخير إلى الفرس من مقدمة البطن برباط محكم َ يسمى ” تَاكُسْت ” وبآخر من صدر الفرس ويدعى ” الدير”

وهناك بعض عناصر الزينة أخرى تعلق بها أجراس وهي عبارة عن خيوط صغيرة حريرية تربط إليها حبات ” المُوزون ” و ” أقْبِض ” وهو وشاح مذهب اللون في رقبة الخيل و” تِسْككِريت ” التي تربط الى اللجام في ناصية الفرس

  • الميدان وهو ما يعرف لدى العامة ب المطرك او المجبد او المحرك وهوالمكان الذي يحتضن ملتقيات ومجريات فن التبوريدة وعلى أرضيته يتم العرض والفرجة يتراوح طوله بين 151 و200 متر وعلى هوامش هذه المطارك تنصب الخيام والأقبية المعروفة بشساعة مساحتها ولونها الأبيض.
  • بندقية البارود أو ما يطلق عليها باسم (المكحلة) من مستلزمات الفروسية التقليدية (فن التبوريدة) الأساسية والضرورية، والتي تطورت صناعة وتزيينا وصلابة حيث يصل ثمنها إلى حدود 4 ملايين سنتيم، حسب جودة ونوعية المواد الفولاذية أو الخشبية للأجزاء المصنوع منها حسب الحرفي والصانع المتخصص في صناعة مكاحل التبوريدة المغربية[2]

  • السربة: وهي مجموعة الفرسان والخيول التي تعدو في التبوريدة، من 11 إلى 15 فارسا يصطفون على خط انطلاق واحد، ويترأسها “المقدم”، الذي يتخذ مكانه في وسط الفرقة وينسق حركات الرجال والخيل معا.

 

مشهد عملية التبوريدة.

تمر عملية التبوريدة عبر مرحلتين اساسيتين[3]

المرحلة الأولى: وتسمى الهدة او التحية حيث تصطف جميع السريات الواحدة وراء الأخرى متبادلين التحايا مع الجمهور وطالبين التسليم من رجال البلاد اي الشرفاء والصالحين وما يميز هذه المرحلة عن التالية هو أن الفرسان لا يطلقون فيها البارود أي عبارة عن خرجة استعدادية وتآلفية مع المحرك.

المرحلة الثانية : ويطلق عليها الخرجة او الطلقة و فيها تنتظر السربات دورها في بداية المحرك حيث يحمل كل فارس بندقيته معمرة بالبارود وحينما يصل دور السربة يتجه العلام إلى نقطة الانطلاق بشكل  منفرد ثم يلتحق به أعضاء السربة الذين يصطفون في صف واحد مع احترام تراتبية الأقديمة حيث نجد الفرسان القدماء يصطفون بجوار العالم الذي يقوم  بمراقبة موكب سربته ثم تشرع الخيول في التحرك ببطء. فيعطي العلام إشارة الإنطلاق مرددا عبارة ” والحافظ لله ” فيقف الفرسان على الخيول ويشرعون في عملية ترقيص الخيول وهي مهارة يظهر الفارس من خلالها ما استطاع ترويض الفرس عليه، بعد قطع مسافة في المحرك يصيح العلام و ” المكاحل ” وهي عبارة تدل على الاستعداد لاستعمال المكاحل اي البنادق وهنا يضع الفرسان بنادقهم فوق أكتافهم اليمنى ثم يقومون بتحريك البنادق الى الأمام ويرجعونها وبعد قليل يصيح العلام ” أرو الخيل ” وهنا تركض الخيل بأقصى سرعتها وخلال هذه المرحلة يحاول الفرسان الحفاظ على توازيهم. وعلى طول مسافة المحرك و بسرعة فائقة يقوم الفرسان بحركات بالبندقية وفق إشارات صوتية من العلام حيث يقومون بوضع البندقية باليد اليمنى ويضعونها الى اليد اليسرى ويمررونها نحو الخلف في اتجاه الأرض وتدعى الخرطة ثم يعيدون البندقية نحو الصدر و تسمى بالتجنيحة ثم يقوم كل فارس بوضع سبابته على زناد منتظرا إشارة العلام لإطلاق البارود في جو السماء او في اتجاه الارض كما تفعل السربة الصحراوية و السربة صاحبة الطلقة الموحدة المنسجمة هي التي تكون موفقة في حركتها بعدها نتطلق زغاريد النساء و ترديد الجمهور لعبارة الله عطيك الصحة و العز.

وبين الجولة و الأخرى يقوم الفرسان بالرجوع عند العمار و مناولته البنادق ويخلدون للراحة وشرب الشاي في انتظار دورهم حيث يقوم العمار بدوره بتعميرها بالبارود حيث يتم سد مكبس ” القرص ” حتى لا يتدفق البارود من الأسفل ثم تملأ جعبة البندقية بالبارود حوالي نصف حفنة أي » نصف مُد ويقوم بعدها بعملية دك البارود داخل الجعبة بواسطة قضيب يكون معلقا في البندقية بالتوازي مع الجعبة. بعد ذلك يتم فتح مكبس القرص والتأكد من أن البارود موجود في القناة التي تمرر شرارة النار إلى البارود عن طريق الحبة التي تعتبر هي الموقد للشرارة وحرصا على سالمة البنادق فإن الموقد أي الحبة لا توضع إلا في وقت إنطلاق عملية الخرجة.

خاتمة:

يُعد فن “التبوريدة” من أقدم وأعرق الفنون المغربية التي توارثتها الأجيال منذ قرون، إذ حرص المغاربة على مر العصور على تعليم وتدريب أبنائهم على الفروسية والقتال، الذي تطور إلى إطلاق النيران أثناء العدو بالخيل والذي عُرف باسم التبوريدة.

هذا ولا تقتصر لعبة الفروسية هذه على الرجال فقط بل أصبحنا نجد بعض السربات تضم في صفوفها النساء أي بنات شابات ينحدرن في أغلبية الأحيان من أسر تهتم بالخيل ولعبة التبوريدة وغالبا ما نصادف هذا ضمن سربات منطقة الشاوية.

 


[1] – أصالة الفروسية بالمغرب، علال ركوك العدد 10 ص 50

[2] – موقع أنفاس بريس، مقالة حول ” مكاحل البارود: سلاح يربط بين المقاومة والفرح في محرك التبوريدة المغربية ”

[3] – أصالة الفروسية بالمغرب، علال ركوك العدد 10 ص 52

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.