تقرأ السيرة النبوية المطهرة، والأحاديث الشريفة فتطالعنا أخبار عن صحابيات هن رمز لعلو الهمة وصدق الإيمان، من أمثال خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، وسمية أول شهيدة في الإسلام، ونماذج من صحابيات مجاهدات وصحابيات مهاجرات، وأخريات ناصرات آويات….
ثم لا يلبث التاريخ أن يمدنا بأخبار الجواري في القصور، والحرائر المعزولات في البيوت.
من أطفأ ذلك النور؟ من أوقف ذلك الفيض؟ من حط بالمرأة من المعاني السامية، الحياة النابضة بالقوة، السخية بالعطاء إلى حضيض واقع الجواري بالقصور، واقع مهين نزلت إليه المرأة، حين تقاعس الرجل عن إرادة وجه الله إلى التعلق بالمتع الدنيوية، وإتباع الملذات والشهوات.
وحين جعل الفقه المنحبس المرأة في خانة الصغير وفاقد الأهلية، إلا من فقهاء نور الله عقولهم وبصائرهم، فدافعوا عن حق المرأة، واعترفوا بأتميتها وعقلها.
تعلقنا بعهد التنزيل، وبمثال الصحابة والصحابيات ليس تعلقا بتاريخ أسطوري جمله خيالنا وحنيننا إلى المثال الرفيع، ونحن نعاني من الأزمات والهزائم كما يصوره لنا المشككون في الدين، وإنما هو تعلق بالقدوة الحية، ومثال جعل للاحتذاء والاهتداء.
لذلك فهو مشع بنورانيته وتفوقه، دون تجاوز للنقائص البشرية، حيث جادت علينا المصادر الموثوقة بوقائع الأخطاء والمعاناة التي عالجها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المحيطين به من الأفراد والقبائل بصبر وحكمة وتدرج.
أمثلة حية من واقع الصحابيات المومنات الصادقات اللاتي عشن الحياة وخضن غمارها بثبات وجهاد، ناضلن عن حقوقهن، ونازعن حتى أنزل الله قرآنا ينصفهن، ويرد حقهن، شاركن في بناء الأمة، وكانت الصحابيات رضوان الله عليهن نعم السند للرجل، معينات على الحق ورباطة الجأش، فنلن أوسمة الشرف والعزة في الدنيا، متطلعات إلى ما عند الله تعالى، وما عند الله خير وأبقى.
ونلتفت اليوم إلى واقع المسلمين والمسلمات في عصرنا الحالي، فماذا نرى؟
نساء غارقات في كدر الحياة، حيث المعاناة مع الفقر والقلة وأزمة السكن، وعمل المرأة بأجور زهيدة، وتعسف الرجل الذي يطلق على هواه، ويشتت الأم والعيال، والعنوسة منتشرة، والإعلام المهيج المفسد، والبغاء السري والعلني، والتردي الأخلاقي، وترف المترفات يلعنه بؤس البائسات….
كيف يمكن للمؤمنات أن يفككن أسر الهموم المعاشية، ويكسرن قيود المظلومية والفقر ليلتحقن بالنموذج الأسمى؟
إن من طبيعة هذا الدين التعاون على البر والتقوى، فلابد للمسلمين من وحدة تمكنهم من الصمود وسط الإعصار.
ولابد للنساء من تربية إيمانية قلبية، تهون معها العقبات والتحديات، وترفع همتهن لإرادة ما عند الله، وصبر النفس على الاستقامة وطاعة الله عز وجل.
على المؤمنات جهاد لاقتحام عقبات النفس والأنانيات وعقبات التقاعس والتخلف..
وعلى المؤمنات جهاد لاكتساب العلم، يعلين به الحق، ويرددن به سماسرة الباطل الذين يروجون لنا أن الانسلاخ عن ديننا هو شرط لانتشال أنفسنا من مستنقع التخلف والجهل والفقر.
وعليهن الانخراط في إطار حل شامل يشاركن فيه الرجال لمناهضة الظلم وتفقير الشعوب والذوذ عن الإسلام وأهله، متمسكات بالمنهج الرباني الذي كرمهن في الدنيا، وضمن لهن الفلاح في الآخرة. والله ولي حميد.