منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

الفقهاء بين تهمة الفتنة وقانون الطاعة (7)فقهاء المنابر والوظيفة المغيبة

عبد الفتاح باوسار

0

الفقهاء بين تهمة الفتنة وقانون الطاعة (7)فقهاء المنابر والوظيفة المغيبة

بقلم: عبد الفتاح باوسار

 

فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

بين علماء الدين ورجال الدين(2) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

الانكسار التاريخي “الحدث” (3) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

الانكسار التاريخي”النتائج”(4) فقهاء المنابر و الوظيفة الغائبة

الانكسار التاريخي: “باب الفتنة”(5) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

مقدمات الوصال النكد بين “الفقهاء” والحكام(6) فقهاء المنابر و الوظيفة الغائبة

 

انتهينا إلى سقوط “الخلافة” العباسية في بغداد، وظهور دول الممالك، ثم انفتاح باب الحكم لكل من غلب لينتصب أميرا على هذا الجزء أو ذاك من دار الإسلام التي باتت أكثر شساعة بفعل الفتوحات الإسلامية شرقا وغربا، فماذا كان من نقباء الأمة؟.

أمام هذا التدهور الذي كان يؤذن بذهاب بيضة الاسلام، وذيوع البدع و الأهواء…سينتقل الفقيه المسلم وهو يروم تحصين العقيدة من الأهواء والحفاظ على هذه بيضة الإسلام، من نقاش “شكل” الحكم و”مبناه” (الخلافة– الشورى) في الاسلام، إلى نقاش الغاية (تطبيق شرع الله) من جهة، ثم أداة تثبيت هذا الحكم (قانون الطاعة) من جهة أخرى.

لقد غدا تطبيق الشرع لدى المفكر الإسلامي، الفقيه، “مطابقا لمفهوم العدالة، فالحاكم العادل هو الذي يسهر على تطبيق الشريعة، ويصبح الحاكم الذي يسهر على تطبيق الشريعة مستحقا للقب الخليفة”.

لكن ماذا يحدث لو تم الإخلال حتى بغاية الحكم هذه: تطبيق الشرع؟

هنا “سيتبلور مفهوم الطاعة كقانون مطلق… هاته الطاعة يجب التقيد بها حتى حيال أمير جاهل وغير عادل كما يذهب إلى ذلك الإمام الغزالي”…
“لتصبح هذه الطاعة في الفكر السياسي الإسلامي، قانونا حديديا يحمي به الحاكم إطلاقيته، وعوض أن تفهم عدم الطاعة بالرفض السياسي لجور الحاكم، تغدوا مفهومة على أساس أنها معادلة للفتنة”.27.

إن الحمولة القدحية التي ترسخت في اللاوعي اتجاه هذه الكلمة: الفتنة (باعتبار حجم الصدمة الأولى، وكذا ما جاء فيها من أحاديث نبوية محذرة) وأيضا ما وصل إليه المجتمع الإسلامي من تشتت وتنازع حول السلطة والسلطان، جعلها أقوى سلاح يمكن أن يواجه به الحاكم معارضيه، ذلك أنها بقدر ما تستدعيه من خوف وإحساس بالذنب اتجاه ما كان وما قد يأتي، ما كان من قتال بين الصحابة الكرام وضياع لأولى عرى الإسلام، ثم ما قد يحدث من هرج ومرج إذا ما أعيدت الكرة وقام أحدهم ضد السلطان.
بالقدر نفسه الذي كانت تستطيع تجيش العامة ضد المعارضين.

لقد تحول الإحساس بالذنب والمهانة من مجتمع الأمة الإسلامية اتجاه مقتل الصحابة وخذلان السبط الحسين، إلى مايشبه التوجس بقرب حصول العذاب، بل بوجوده فعلا بين ظهران العالم الإسلامي، كثيرا ماكان يعبر عنه بالقول بأن “الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”. إنها نائمة ليس إلا.

قد لا يسعنا المقام للحديث عن مفهوم ومصطلح الفتنة، لكن نستطيع القول أنه على الأقل لم يحتفظ بذلك التمايز الذي أشار إليه سيدنا عمر الخليفة عند سؤاله للصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنهم جميعا، إذ ميز بين فتنة الأهل والمال والولد، والتي يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، وبين فتنة الأمة جمعاء في دينها وعراها.

هذا التداخل الذي أفرز انكفاء الفقيه والعالم المسلم بالبحث في فقه المعاملات والعبادات، إرغاما أو اختيارا، وابتعاده شيئا فشيئا عن السياسة والسياسيين، إلا من باب الوعظ والنصيحة المغلفة بالكثير من الحذر (الحذر من غضبة السلطان وذهاب بيضة الاسلام ) سيجعل مفهوم الفتنة يعرف تداخلا كبيرا بين معنياه الأول الخاص، والثاني العام.

من هذا المنطلق يمكن فهم تحول كل شيء إلى فتنة، فالنهي عن المنكر فتنة وإبداء الرأي المخالف فتنة، والفتوى غير المرغوب فيها فتنة، ومكانة العلماء فتنة، ثم البحث في تجديد الدين فتنة …. وترك سنة من سنن الوضوء فتنة… ، بل والمرأة أيضا فتنة.

ليس هذا فحسب بل باتت الشريعة في ارتباطها بالسياسة، وكأن لها بابان، أحدهما يضيق إلى حد العدم ، موجه للرعية، وآخر واسع جدا موجه للحاكم. الأمر الذي حذا بأحد الباحثين في مؤلفات الأحكام السلطانية بالقول: “أصبح جلباب الشرع واسعا جدا، ولكل سلطان مقاسه (..) ولكل سلوك سياسي سند شرعي… وإن تعذر هذا السند يجب خلقه وهذه مهمة الفقهاء”28.

لقد بات الفقه بين تصورين للمجال السياسي: تصور يرى أن الدولة أداة لتحقيق الشرع وآخر يرى أن الشرع أداة لتحقيق استقرار الدولة، هذا التداخل للتصورين في ذهن الفقيه بعدما عاناه الأئمة العظام من محن جعل الفقهاء بعدهم يؤمنون بالأول لكنهم يعملون للثاني.

إن صدور مثل هذا السلوك من كبار علماء المسلمين كان له ما يبرره على مستوى الزمان والمكان. لكنه كان – حقيقة – تأسيسا لفقه تجزيئي أبعد مسألة الحكم من ساحة البحث نهائيا بل جعل الفكر السياسي الإسلامي لا يتعدى أسوار القصور، وهو ما تبرزه لنا مؤلفات الآداب السلطانية بشكل جلي.


المراجع:
27-د.محمد ظريف/ تاريخ الفكر السياسي بالمغرب، مرجع سابق.
28- عز الدين العلام/ الآداب السلطانية، دراسة في بنية وثوابت الخطاب السياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.