منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

بين علماء الدين ورجال الدين (2) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

عبد الفتاح باوسار

0

بين علماء الدين ورجال الدين(2) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

بقلم: عبد الفتاح باوسار

 

فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

2- بين علماء الدين ورجال الدين

نستطيع القول أن في الاسلام علماء وليس رجال دين، والفرق بينهما أن الأول يفيد كل من توافرت فيه شروط الاجتهاد ليكون عالم دين، في حين يفيد الثاني انفراد شخص أو فئة بالسلطة الدينية دون الجماعة وهو ما اصطلح عليه لاحقا بالكهنوتية، وقد رفضها الإسلام جملة وتفصيلا، لأنها تعني – مما تعنيه – إحداث وسيط بين الإنسان وخالقه، وقد قال المفسرون في قوله تعالى “واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله” أنهم لم يعتقدوا فيهم الألوهية بل لأنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم.

صحيح أن الاسلام ما فتئ يجعل من علمائه طليعة المجتمع والناس ، قال تعالى: ” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات”1.
لكن هل يقف هذا الاصطفاء على كسب العلم وحفظ المتون ؟

إن مضمون “الدور الطليعي للعلماء في المجتمع المسلم هو: الموقف النقدي القائم على بيان أوجه الصواب (المعروف)، والخطأ (المنكر) في المجتمع، بمعنى أخذ وقول الصواب، ورد ورفض الخطأ، ويتضمن نقد السلطة وتقويمها والكشف عن أوجه قصورها في أداء دورها كنائب ووكيل للجماعة” التي لها حق تعيينها ومراقبتها. وقد جعل المفسرون صفة الخشية التي خص الله بها هؤلاء العلماء في قوله ” إنما يخشى الله من عباده العلماء” مرتبطة أشد ما يكون الارتباط بمعرفتهم بربهم الموصلة إلى خشيته، من جهة، ثم ما ستثمره هذه الخشية وهذه المعرفة من قوة في الحق وشكيمة في الذود عن حدود الله في السر والعلن، وعند الغضب والرضا، من جهة ثانية.

لقد حاول علماء مسلمون كُثر، ومن كل العصور الإسلامية تمثل هذا الدور النقدي الناصح رغم ما كابدوه من محن من أجل ذلك، ولنا في التاريخ أمثلة عديدة.
أكثر من ذلك سنجد مجموعة من الكتابات في شكل نصائح من وإلى العلماء بقطع أية علاقة سياسية كانت أو إدارية أو وظيفية أو نفعية ما، مع العامة والحكام على حد سواء، احترازا من فقدان القدرة على القيام بهذه الوظيفة النقدية التقويمية، العصيبة.

يمكن القول إذا: أن صفة عالم الدين هذه ليست مطلقة لكل من اكتسب العلم والمعرفة في مجال من مجالات الشريعة فحسب، بل لها شروط أولها اكتساب درجة معتبرة في العلم بداية، والإلمام بأحوال الناس وعيشه وطباعه، ثم تمثل الوظيفة الطليعية النقدية، علاوة على الاتصاف بصفات أخلاقية مميزة جعل لها علماء الحديث رحمة الله عليهم في كتبهم أبوابا كاملة كالورع والثقة والاجتهاد في الذكر والعبادة، الشيء الذي عرف بـ “الربانية”، قال تعالى: “ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون”2.

قال القرطبي: الربانيون واحدهم رباني منسوب إلى الرب. والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره؛وكأنه يقتدي بالرب في تيسير الأمور3.
إذن ومن خلال استقراء السطور أعلاه نجد أن بين عالم الدين ورجل الدين رتق وفتق، إذ أنه كلما ابتعد عن الشروط والأدوار التي سيجه بها الإسلام يكون أقرب الى رجل دين منه إلى عالم دين، وهكذا جيئة وذهابا.

لكن حتما لم يكن هذا الانتقال/الردة من هذه الصفة إلى تلك، ضربة لازب بقدر ما كان إفرازا طبيعيا لتلك الردة المطردة التي لم يعرفها العالم المسلم فقط، بل العالم والمجتمع والدين والحضارة بشكل عام، فهل من أسباب لذلك؟

إن افتقاد العالم المسلم والفقيه، بل وكل من اعتلى منبرا من منابر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمقومات الشخصية القيادية القائمة للحق الناصحة والناقدة، وارتماءه في أحضان أهواء السلاطين وشواذ المذاهب، مشكلا بذلك ومع مرور الوقت ما قد نسميه “ؤسسة” دخيلة على الدين الاسلامي، (تلتقي إلى حد ما ومؤسسة رجال الدين) تتحدد أدوارها في تبرير عمل السلطان أولا وأخيرا… لم يكن ذلك، كما أسلفنا، ضربة لازب، بل كان إفرازا موضوعيا وطبيعيا لحدثين عظيمين عرفتهما الأمة الإسلامية ككل. يقول الأستاذ ياسين:

صدمتين في تاريخنا كان لهما الأثر البالغ في نفوس المسلمين،توارثته الأجيال..أما الصدمة الأولى فانكسار الوحدة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه،(وقد سماه الانكسارالتاريخي)، وما نتج عن تلك الفتنة المؤلمة من قتال بين الصحابة وما تلا ذلك من تمزق الجماعة، أما الصدمة الثانية فهي: الاستعمار الغربي4.
هكذا إذن تحدث الأستاذ ياسين واضعا الإصبع على سببين محوريين في تبدل حال الأمة ككل وليس فقط علماؤها، لكننا ونحن نتحدث عن العالم والفقيه المسلم على وجه الخصوص سنضيف سببا/ نتيجة آخر سيبرز لنا كيف استطاعت الصدمتان أعلاه إخراج “العالم” من ساحة المصلحة الكبرى للأمة نهائيا، وهو ما قد نسميه بزواج “الفقه والفقهاء” بالسلطة، (على غرار ما يعرف بزواج السلطة بالمال)، لنكون بذلك أمام ثلاثة أسباب نعتبرها موضوعية: الانكسار التاريخي، الاستعمار الغربي، ثم وصال أهل العلم/الفقه بآل السيف.

سنضيف لهذه الثلاثة سببين آخرين نعتبرهما ذاتيين، تدحرج لهما نقيب الأمة بوعي أو بدونه وهو يعاين فتنا تهز الجبال هزا، كان أولهما قرار الانعزال “التصوف” والخلوة طلبا للخلاص الفردي، دونما أية إلتفاتة لهَم الأمة… أما الثاني فافتقاد مورد القوة ومناط القدرة على الذود عن أمر الله حتى ولو كان الثمن النفس والنفيس، والاكتفاء بحفظ المتون وبلسان الوعظ، وقد نكث ناكث الوهن في القلب نكثته السوداء.

وبه نكون أمام خمسة أسباب: الانكسار التاريخي، والاستعمار الغربي، ووصال آل السلطة بآل الفقه، ثم الانعزال وطلب الخلاص الفردي، وافتقاد صفة الربانية؛ لانحدار الشخصية الإسلامية الشاهدة بالقسط، متخلية عن مهمتها ومناط خيريتها بين العباد، قال تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تآمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله”5. وهي التي سنعمل على جعلها عناوين مقالاتنا القادمة، إضافة إلى عناوين ذات بعد تفصيلي لقضايا ذات صلة فيما نحن بصدده، وهي:

– الانكسار التاريخي(الحدث)

– الانكسار التاريخي(النتائج)

– الانكسار التاريخي( باب الفتنة).

– مقدمات الوصال النكد بين الفقه والسلطان.

– الفقهاء بين قانون الطاعة وجناية الفتنة.

-الآداب السلطانية.

– الاستعمار الغربي ونتائجه.

– السياسة والشريعة.

– تأهيل الحقل الديني.

– الربانية صفة العلماء العاملين.

فلله قصد السبيل وبه التوفيق ولا حول ولا قوة إلا به .


المراجع:

1- العنكبوت الآية 13.

2- آل عمران الآية 79.

3- من تفسير القرطبي الصفحة 6″ على صفحة الانترنيت.

4- عبد السلام ياسين “الإسلام والقومية العلمانية ” ص27\

5-آل عمران الآية 110. الآية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.