منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة/ عبد الفتاح باوسار

0

فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

بقلم: عبد الفتاح باوسار

1 – مدخل

لا يمكن لأي متتبع للشأن السياسي الإسلامي، والإسلامي العربي على وجه الخصوص، في السنوات الأخيرة، إلا أن يلحظ تلك المواقف المشينة التي ما فتئ بعض من فقهاء وأئمة المسلمين، يعبرون عنها كلما جد جديد، وحيال قضايا عديدة لها علاقة بالمجتمع والسياسة، سواء كان ذلك على مستوى الدوائر الإقليمية القريبة، أو ما كان لها ارتباط بقضايا وهموم الأمة الإسلامية بشكل عام، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، الأمر الذي يضعنا أمام إشكالية المؤسسة الفقهية، الرسمية خاصة، والأدوار المنوطة بها، وكيف تحولت من حارس لحدود الله، مقوم وناصح للأمة، شعبا وحاكما، إلى تابعة لاختيارات غيرها، خادمة لرئيسها، أسيرة لاختياراته، أسيرة لقراءات فقهية وشواذ مذهبية متجاوزة.

صحيح أن الأمة عرفت وعبر تاريخها الطويل فقهاء/ علماء سطروا لنا بطولات كان من المفترض أن تكون المثل والديدن “لعلماء” هذا العصر وكل عصر، غير أنه في المجمل نجد الفقيه يميل ميل “ولي نعمته” عملا وعقيدة، وفي السنين الأخيرة: تصريحا وجراءة على أمرالله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

لكن المرء منا يجد نفسه، حقيقة، أمام أحاديث صحيحة عن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفقها مرصوصا وراجحا ومرجوحا… الأمر الذي جعل المسلم العادي ضالا بين التسليم لأمر الله ونبيه بالفهم الذي سطره “فقيه عصره، وخطيب مسجد حيه” أو ما تمليه العزة بالإيمان التي ينضح بها قلب المؤمن، بله ما يمليه النظر والحكمة البشريين .

لقد باتت مصطلحات مثل الفتنة وطاعة ولي الأمر، ثم حفظ بيضة الإسلام والكليات الخمس، سيفا مصلتا بل وفيصلا ممسكا بالكلمة العليا في هذا الباب، حتى بات الرجل منا يوثر الإدبار على الاقبال احترازا ومخافة.

من جهة أخرى أدت هذه الحالة الملتبسة التي أصبح عليها فقهاء الإسلام، إلى تشبيههم من طرف جهات عديدة برجال الدين لدى المجتمع الغربي المسيحي، الذين سجل التاريخ نكوسهم ووقوفهم مع الظلم وضد العلم، وهو ما جرعلى الأمصار الإسلامية تجادبات عديدة، كان أبرزها جدليتي: “الدين والسياسة” والأصالة والمعاصرة.

لقد أسالت هذه العلاقة وهذا التشبيه بين رجل الدين وفقهاء الإسلام أو علماء الدين مدادا كثيرا، ففي الوقت الذي يصر فيه علماء مسلمين على دفع صفة رجل الدين، والقول بأنها دخيلة على الفكر والحضارة الاسلاميين، واعتبارها إسقاطا لصفة كنائسية غربية بالأساس، لا تمت إلى العالم الإسلامي بأية صلة، في الوقت نفسه نجد الكثير من المفكرين، من دعاة التحديث والعلمانية، يقولون بتماهي الصفتين شرقا وغربا، معتمدين في ذلك على تقابلات عديدة في سلوكيات هؤلاء وهؤلاء، بحيث يصرون على القول بأن المتحدثين باسم الدين الإسلامي رجال دين يمارسون ما مارسه رجال الكنيسة في القرون الوسطى سواء على العلماء والعلم من جهة، أو السياسة و المجتمع من جهة أخرى، وبالنتيجة – على حد قولهم- ضرورة فصل الديني عن السياسي وإعمال القاعدة المشهورة “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”.

فماذا تعني الكلمتين وهل بينهما أوجه تشابه حتمت هذا الخلط؟

ثم، وهذا من الأهمية بمكان، كيف وصل فقهاؤنا إلى هذه المرتبة الدنية، وهل من أسباب ذاتية وموضوعية لذلك؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.