منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مقدمات الوصال النكد بين “الفقهاء” والحكام (6) فقهاء المنابر و الوظيفة الغائبة

عبد الفتاح باوسار

0

مقدمات الوصال النكد بين “الفقهاء” والحكام(6) فقهاء المنابر و الوظيفة الغائبة

بقلم: عبد الفتاح باوسار

فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

بين علماء الدين ورجال الدين(2) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

الانكسار التاريخي “الحدث” (3) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

الانكسار التاريخي”النتائج”(4) فقهاء المنابر و الوظيفة الغائبة

الانكسار التاريخي: “باب الفتنة”(5) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة

 

إذا ومنذ مقتل الحسين توالت محنة آل البيت، فقام زيد ابن الإمام علي زين العابدين ابن الحسين رضي الله عنهم جميعا، ضد هشام بن عبد الملك الأموي، وتضامن معه الإمام أبو حنيفة، وهو الذي خرج مع إمام آخر من آل البيت، هو محمد بن عبد الله النفس الزكية، وآزره في حربه ضد المنصور العباسي. وأفتى الإمام مالك بجواز الخروج مع محمد ” النفس الزكية”، بل وجاء الحديث على أن سبب محنتة الإمام مالك فتواه ببطلان طلاق المكره، وهي الفتوى التي اعتبرت تأسيسا منه رضي الله عنه لبطلان بيعة المكره، وبالنتيجة بطلان بيعة جعفر المنصور العباسي، مما حدى بهذا الأخير إلى جلد الإمام حتى كادت تنخلع كتفه.

لقد بقي الأمر هكذا حربا بين العلماء الأطهار خاصة من آل البيت النبوي الشريف، القائمين للحق طلبا لاسترداد ما ضاع من الأمة في مهدها من خلافة على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا أمراء بني أمية ثم بني العباس من بعدهم.

وما انتهى القرن الرابع الهجري حتى كانت قضية الاعتراف بحكم السيف الغالب مسألة فقهية مفروغا منها.. قال الماوردي الفقيه الشافعي في كتابه الأحكام السلطانية: “وأما إمارة الاستيلاء التي تعقد عن اضطرار، فهي أن يستولي الأمير بالقوة على بلاد يقلده الخليفة إمارتها… لوقوع الفرق بين المُكنة والعجز..”21. بل ومع شيخ الإسلام ابن تيمية في القرن السابع الهجري ستختفي مسألة الخلافة من مباحث الخطاب الفقهي في السياسة بشكل نهائي، إذ “لم يعد يهم الفقيه الحنبلي صاحب (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) سوى تطبيق الشرع مهما كانت هوية الحاكم ولو كان ذلك على حساب دولة الخلافة (وحدة الدولة)”22. وقد عقب د. محمد ظريف على هذا النص بالقول: ” وفي هذا السياق يلاحظ (هنري لاوس) بأنه لأول مرة في تاريخ السوسيولوجيا السياسية /الإسلامية سيتم تبرير تجزئة السلطة مع ابن تيمية”23.

إن هذا النص للعلامة ابن تيمية، وقبله ما ذهب إليه الإمام الغزالي من تغيير الموقف من شرط القرشية كأحد الشروط الجوهرية المطلوب توفرها في الخليفة، إلى “الشوكة”، وهي التي جعلها ابن جماعة الشرط الأول والأخير في انعقاد البيعة، ثم في الأخير ما نقله الفقيه القاضي أبو يعلى الحنبلي في كتاب “الأحكام السلطانية” من فتوى للإمام أحمد بلزوم الجماعة في كل حال ودون قيد أو شرط حيث قال : “من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمِّيَ أمير المومنين، فلا يحِل لأحد يومن بالله واليوم الآخر أن يَبيت ولا يراه إماما، بَرّاً كان أو فاجرا.
كان كل هذا انعكاسا لما وصلت إليه الحالة الإسلامية من تجزيئ، وذلك في شكل دويلات متناثرة لها أميرها الذي لا يربطه بالمركز إلا رموز وترتيبات مناسبتيه بسيطة، فحكم بلاد المسلمين أمراء مستولون من بني بويه وبني سلجوق، ومن شاهات وأتابكة، إلى أن هجم التتار وخربوا بغداد… إلى أن ظهر بنو عثمان الأتراك”.
فهل سيقف الأمر عند هذا الحد؟
قطعا لا، لكن قبل الاسترسال في ذلك ماذا عن الإرث النبوي وورثته؟
قال صلى الله عليه وسلم “وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر”24.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل دعوة ودولة، نبيا رسولا، مسددا بالوحي الرباني، الذاكر الفقيه، المحدث المفسر، العالم المفتي، المجاهد… وكانت معيته لصحابته وما سرى من قلبه الطاهر من مادة الإيمان إلى قلوبهم، علة تحقق رجولتهم وانبعاث الرحمة والمحبة في ذواتهم، وبوراثة هذه المعية/الصحبة وُرثت معالم الشخصية الإسلامية الكاملة”25.
“ثم كانت الخلافة الراشدة كما يقول المودودي: نيابة كاملة عن النبوة، أي إنها لم تكن ذات بعد سياسي فقط، وإنما حصل هذا التسيس لما تبدلت الخلافة إلى ملك”26.
“فنجم عن هذا أن اعتزل في زاويته من اعتزل، وحمل السيف من حمل، وأخذ كراسة البحث عن الحديث وجمعه من أخذ، وفاء غير هؤلاء إلى ظل السلطان.. فنشأ بهذا: الصوفي الذاكر، والمحدث الفقيه.. وتمزق الإرث النبوي مزقا مفتتة..” 27.
ثم “كان لهذا التشتت الذي مس الطليعة الوارثة، نتائج بعيدة في جسم الأمة، في عقلها، في سلوكها..؛ ومن ذلك تشتت الدين في الأفهام؛ فلم تعد القدرة على استيعاب معاني الوحدة الإيمانية العلمية، فنشبت صراعات بين المحدثين والمتصوفة، وبين هؤلاء والفقهاء وبين أهل العقل وأهل النقل، وبين السنة والشيعة… فتكونت الفروع المذهبية والفرق الدينية والتوجهات السياسية…كما أسلفنا.
هكذا تم الإعلان عن ٱستقالة العقل المسلم بٱستقالة ورثة الأنبياء وٱنكفائه منزويا، يبحث في فقه العبادات والمعاملات، أو مجادلا عن الدين ضد العقائد التي تسربت بدخول أقوام وأفكار جديدة على الإسلام والمسلمين.
ليفتح الباب أكثر فأكثر للسلاطين لتقريب وإبعاد هذا الفقيه أو ذاك بناء على موقفه منه، (أي السلطان)، ثم، ومع مرور الوقت، بناء على درجة اجتهاده في جعل ما علمه من فقه في خدمته.
هذا دون أن نغفل دوام وجود أئمة وعلماء بقوا على العهد وما بدلوا تبديلا.


المراجع:
21-الأحكام السلطانية للماوردي ص35.
22 – محمد ظريف/ تاريخ الفكر السياسي بالمغرب، الصفحة 29، الطبعة الثالثة 1990.
23- المرجع نفسه.
24- حديث رواه الترمذي .
25 – عبد السلام ياسين/ المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص 126، الطبعة الثالثة.
26 – عبد السلام ياسين/ الخلافة والملك، ص 51.
27 – مصطفى شكري/ الانكسار التاريخي وتمزق الشخصية الإسلامية، مقال منشور في موقع الجماعة بتاريخ 30 ماي 2005

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.