الانكسار التاريخي “الحدث” (3) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة
بقلم: عبد الفتاح باوسار
فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة
بين علماء الدين ورجال الدين(2) فقهاء المنابر والوظيفة الغائبة
“لَتُنتَقَضَنَّ عُرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكُلَّما انتَقَضَت عُروةٌ تَشَبَّث النَّاسُ بالتي تليها، فأَوَّلُهن نَقضًا الحُكمُ، وآخِرُهنَّ الصَّلاةُ “أخرجه الامام أحمد.
‐—‐——————-‐——‐————
بداية ونحن نتحدث عن “الانكسار التاريخي”، وهي أولى الصدمات، ولعلها الأدهى والأمر، التي كان لها وقع وأثر على وفي كل جانب من حياة الأمة الإسلامية، حتى يومنا هذا، وجب التنبيه إلى أن نظرتنا إلى كل ما حدث، يجب أن تخرج عن أمرين: أولهما ذلك الموقف الذي وقفه نفر من علماء المسلمين، الذين حاولوا التخفيف من أمرها بِنِيّةِ دفع كل شائبة تشوب الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ولعلي بهم نسوا قول الله تعالى في سورة الحجرات “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما”6،فقد أثبت السميع العليم في الطائفتين المتقاتلين صفتين تترآى للناظر متناقضتين: هما: الإيمان والاقتتال.
أيضا وبعد توليه الخلافة خطب سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الناس، وكان مما قال: يا أيها الناس، لوددت أن هذا كفانيه غيري. ولئن أخذتموني بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما أطيقها، إن كان لمعصوما من الشيطان، وإن كان ليتنزل عليه الوحي من السماء 7. إشعارا بأن مقام النبوة والعصمة والوحي انتهى، وأنه ما بقي إلا التعامل مع بشر يجتهد، فيخطأ أو يصيب، وكذلك كان.
أما التنبيه الثاني فهو: السقوط في تلك النظرة العدائية التنقيصية، التي تبناها أقوام منا، خاصة ممن تأثروا بالفكر الغربي، فجعلوا ما حدث قدحا في مقام الصحابة الكرام رضي الله عنهم، بل قدحا في الدين الاسلامي وأهله إلى يوم الدين.
وهنا سأقف عند مشورة الحباب بن المنذر، قبيل غزوة بدر الكبرى، عندما اختار النبي صلى الله عليه وسلم مقام جيش المسلمين، والتي كان من دروسها وقوف أمر الدنيا، دون أمر الدين، على الحنكة البشرية واتخاذ الأسباب مهما علا شأن الزمان والمكان، والصاحب. .
قال ابن إسحاق: فحدثت عن رجال من بني سلمة، أنهم ذكروا: أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي.
أما بعد:
فـ”نقصد بالانكسار التاريخي الفتنة التي نشبت بعد وبمقتل عثمان ثالث الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم جميعا”.
فقد قتل ذو النورين عثمان بن عفان، رضي الله عنه، (سنة 35هـ) بعد أن حاصر بيته نفر من أعراب البصرة والكوفة ومصر، وقد أمر الخليفةُ الصحابةَ بِعَدم قتالهم، حقنا لدماء المسلمين ظنا منه أنهم سيعدلون عن قتله.
ثم قاتل الصحابيان: طلحة والزبير، عَلِياّ الخليفة الرابع، (36 هـ) بعد أن رفض قتال قتلة عثمان رضي الله عنهم جميعا – إلى حين – في ما سمي بمعركة الجمل التي قتل فيها نفر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بعد ذلك سيخرج سيدنا علي، لعزل والي الشام آنذاك: معاوية بن أبي سفيان الذي رفض البيعة قبل الثأر من قتلة سيدنا عثمان رضي الله عنه، واشترط تسليمه قتلة ابن عمه. فوقعت معركة صفين سنة 37 هـ.
وانتهت معركة صفين هذه بنازلة أخرى أشد هي مسألة التحكيم، حيث قَبِل سيدنا علي ايقاف المعركة وتحكيم بعض من الصحابة في خلافه مع معاوية، لكنه لما رجع إلى الكوفة عاب عليه قوم القبول بالتحكيم “فخرجوا” عليه (وسموا بالخوارج)، وادعو ألا حكم إلا لله، فقال فيهم قولته الشهيرة: كلمة حق أريد بها باطل، وبقوا على رأيهم وقاتلوه في معركة جديدة سميت بالنهراوين سنة 38هـ، وبعد سنتيتن تقريبا أي سنة 40 هـ سيقتل الخليفة الرابع.
بعد مقتل علي بن أبي طالب ولّى أهل الكوفة سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهم جميعا فرفض أهل الشام، بقيادة معاوية بن أبي سفيان، مرة أخرى البيعة، ولكنه آثر حقن دماء المسلمين فتنازل لمعاوية بعد ستة أشهر من توليه. وهي نهاية حقبة الخلافة الراشدة “الأولى”.
ثم في سنة 56 للهجرة، “سيأمر معاوية الناس أن يبايعوا لابنه يزيد من بعده، وهنا عدل معاوية عن طريقة من سبقه، فقيل لمعاوية إما ان تتركها كما كانت على زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو ما كان عليه أبو بكر الصديق واعط الخلافة لرجل ليس منك، أو ما كان عليه عمر لأنه جعلها في ستة ليسوا من أهل بيته، أو أن تترك الأمر للمسلمين يختارون، ولكن معاوية أبى إلى أن يكون الخليفة بعده يزيدا”8، وهو الذي قتل سيدنا الحسين رضي الله عنه شر قتلة ، وقبل ذلك أمر بقتل كل من رفض بيعته من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من جهة أخرى يمكن القول أن ما حدث كان تصديقا لمن لا ينطق عن الهوى، إذ سنجد أن الوحي ومن خلال أحاديث شتى للنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما سيحدث رجالا وزمنا:
أخرج الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه: “إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر (يشير إلى ما حدث في موقعة الجمل) فارفق بها، قال عليُ: فأنا أشقاهم يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: لا ولكن إذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها”.
وقال صلى الله عليه وسلم في سبطه الحسن: “ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين” 9.
والإشارة هنا كما أجمع العلماء على أنها تنازله عن الحكم لمعاوية بن أبي سفيان بعد أن رفض – الثاني – مبايعته وقد خرج لرده عن ذلك لكنه آثر التنازل حقنا لدماء المسلمين.
في حديث آخر ينبئنا النبي صلى الله عليه وسلم بوقت انتهاء الخلافة الراشدة “الأولى”، قال صلى الله عليه وسلم: “الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك” 10، وهي السنة التي تولى فيها معاوية بن أبي سفيان الحكم.
لقد كانت أحاديث تحذر هذا وتوجه ذاك، لكن وفي الوقت نفسه، تنبئنا بتحول سيغيّر مسار أمة خير الخلق، وجعلها تنحدر من سيء إلى أسوأ، حتى إن جل مصنفي الحديث جعلوا لها أبوابا أسموها أبواب الفتن.
المراجع:
6-الحجرات الآية 9.
7-رواه الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم.
8- د.عثمان الخميس” حقبة من التاريخ” ص123.
9-أخرجه البخاري في صحيحه.
10- حديث الترمذي عن سفينة.