بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
عش بصلاة الاستخارة مستقبلا سعيدا خال من الخوف والقلق والاضطراب.
المحاور
– موقف الإنسان قديما وحديثا تجاه المستقبل المجهول.
– هل حققت الوسائل التي طلبها الإنسان أمنيته في الكشف عن مستقبله المجهول؟.
– تحريم الإسلام لكل وسائل التكهن وإعطائه البديل.
– المحروم من حرم أسباب السعادة.
– العلاقة بين الاستخارة ومكاشفة النفس.
– العلاقة بين صلاة الاستخارة وثمار أعمال القلوب المرتبطة بالسعادة.
– المؤمن الحق لا يستغني عن صلاة الاستخارة.
– صلاة الاستخارة والنجاة من كيد الشيطان.
موقف الإنسان قديما وحديثا تجاه المستقبل المجهول:
كل إنسان على وجه الأرض إلا ويعيش بين ثلاثة أيام: يوم مضى لا يعود إليك، ويوم أنت فيه لا يدوم عليك، ويوم مستقبل لا تدري مَن أهله، والكل يتوجس خيفة من المستقبل المجهول، ويدفعه الفضول وحب الاستطلاع إلى معرفة شيء عنه ليطمئن على حياته المستقبلية، وكيف ستكون، والكل يريد أن يعيش في أيامه المقبلة سعيدا مطمئنا، وهذا الفضول يدفعه لسلوك طرق غير شرعية، ولا أساس لها من الصحة والتأثير، ففي الجاهلية قبل الإسلام لجأ الإنسان إلى التكهن والكهانة[1]، والتنجيم[2]، وضرب الحصى[3]، والطيرة[4]، والسانح والبارح[5] واختيار الطالع والغارب[6]، والاستقسام بالأزلام وهو بمعنى طلب القسم أي ما يقسم للإنسان[7].
هل حققت الوسائل التي طلبها الإنسان أمنيته في الكشف عن مستقبله المجهول؟
التكهن والكهانة، والتنجيم، وضرب الحصى، والطيرة، والسانح والبارح، واختيار الطالع والغارب، والاستقسام بالأزلام، والأبراج، وغيرها… هي وسائل، وظيفتها كلها هو التكهن والكهانة والتنجيم، فيطلبون بها معرفة الخير والشر، والأمر والنهي، والإقدام والإحجام، كالسفر والتجارة والنصر أو الهزيمة في الحرب، واستنباط الماء، ومعرفة النسب. ومعرفة ما يتعلق بالزواج، وهكذا شؤون الحياة، وهذه الطرق رغم ما عرفه إنسان القرن الواحد والعشرين من تقدم تكنولوجي فإنه لا زال متمسكا ببعضها للاطلاع على أحوال مستقبله المجهول والذي لن يستطيع معرفته إلا الله تعالى، قال تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ)[8]، ويقول سبحانه: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)[9].
تحريم الإسلام لكل وسائل التكهن وإعطائه البديل:
قطع الله هذه الوسائل التكهنية بكل أشكالها وألوانها قديمها وحديثها بالإسلام، وحكم عليها بأنها من طوالع الشرك والشقاء، وفراغ النفس من توحيد الله تعالى، ولا يحرم الإسلام شيئا إلا ويعطي عنه البديل، ومن البديل عن التكهنات، الاستخارة الشرعية في الصلاة، وهي ركعتان مع الدعاء، وأنها من طالع التوحيد، وعنوان السعادة والتوفيق، والتعلق بالله العليم الخبير الذي لا يأتي بالخير إلا هو، ولا يصرف السوء إلا هو.
المحروم من حرم أسباب السعادة:
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ كَثْرَةُ اسْتِخَارَتِهِ اللَّهَ، وَرِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَمِنْ شَقَاوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ، وَسُخْطُهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ»[10]، وَلَفْظُ الْحَاكِمِ: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ كَثْرَةُ اسْتِخَارَتِهِ اللَّهَ، وَمِنْ شِقْوَتِهِ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ»[11]، وَفِي الصِّحَاحِ: الشِّقْوَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ لُغَةً الشَّقَاوَةُ.
وَفِي شأن الاستخارة عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ، وَلَا عَال مَنِ اقْتَصَدَ»[12].
العلاقة بين الاستخارة ومكاشفة النفس:
مكاشفة النفس، تتمثل في معرفة حقيقة النفس البشرية، بأن الإنسان ضعيف، وظلوم ، وجهول ، وقنوط … ولا حول له ولا قوة إلا بالله. ومما يغفل عنه كثير من الناس، معرفة العلاقة بين كثرة الاستخارة ومكاشفة النفس.
فإذا عرف العبد هذه الحقيقة وكاشف نفسه بها وعمل على تعويض هذا النقص بعلم الله وقدرته وحوله وقوته؛ نجح بإذن الله في الدنيا والآخرة.
العلاقة بين صلاة الاستخارة وثمار أعمال القلوب المرتبطة بالسعادة:
هناك علاقة قوية بين صلاة الاستخارة وثمار أعمال القلوب المرتبطة بالسعادة، كالرضا والطمأنينة والسكينة وصلاح البال. والرضا بقضاء الله وقدره من أعظم أعمال القلوب التي تقرب العبد إلى المولى سبحانه وتعالى، وله أثر عظيم مباشر وغير مباشر على عمل الجوارح؛ ولأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلابد من تفصيل عندما يتعلق الأمر بترجيح أحد الخيرين، ويمكن تلخيصه بالآتي:
1 – من حيث العموم، فالذي شرع صلاة الاستخارة يعلم ما يَصلح للعبد ويُصْلحه؛ والاستخارة فيها هذان الأمران .
2 – صلاة الاستخارة فيها تقوية لأعمال القلوب الأخرى، كالتوكل والصبر، وكلما قويت الأعمال القلبية، كان لها أثر أكبر على عمل الجوارح.
3 – صلاة الاستخارة فيها طلب للخيرة، والذي يطلب الخيرة سيكون أكثر رضا من غيره، بل يلزمه ذلك، فالإيمان قيد المؤمن، والمؤمن من قيَّد نفسه بالطاعة.
4 – صلاة الاستخارة فيها توكيل وتوكل، ومن كان عنده ذلك سيكون أكثر رضا باختيار الوكيل سبحانه وتعالى.
5 – صلاة الاستخارة فيها رضا مسبق قبل أن ينجلِيَ قضاء الله واختياره، بينما الآخر يكون الرضا عنده بعد قضاء الأمر من المولى.
المؤمن الحق لا يستغني عن صلاة الاستخارة:
يحتاج المؤمن إلى استخارة الله في أمور حياته، و التوكل عليه في شئونه كلها، لأن الله وحده يعلم الغيب، و يعلم بباطن الأمور، و يعلم الخير و الشر لنا، لذا فمَن أفضل من الله تبارك وتعالى نلجأ إليه للمشورة في كل أمورنا وشئوننا ؟
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا أبالي أصبحت على ما أحب أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب أو فيما أكره) . وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ( إن الرجل ليستخير الله فيختار له، فيسخط على ربه، فلا يلبث أن ينظر في العاقبة فإذا هو قد خار له ). وقال ابن تيمية رحمه الله: “ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره”. وقال ابن القيم رحمه الله: “فالمقدور يكتنفه أمران: الاستخارة قبله، والرضا بعده”.
لهذا فالمؤمن لا يكره النقمات الواقعة والبلايا الحادثة، فلرُب أمر يكرهه فيه نجاته، ولرب أمر يؤثره فيه عطبه، قال سبحانه وتعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[13].
صلاة الاستخارة والنجاة من كيد الشيطان:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا بكر لو أراد الله أن لا يُعصى ما خلق إبليس)[14]، وقال جل شأنه: ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[15]، وعند تأمل كتاب الله سنجد معظم الآيات التي ذُكر فيها (الَّذِينَ آمَنُواْ) مقترنة بالعمل الصالح؛ أما في هذه الآية من سورة النحل فذكر فيه التوكل دون العمل، وفي ذلك إشارة واضحة إلى وجود علاقة بين التوكل وتسلط الشيطان، وهذه العلاقة لها شأن عظيم على بقية أعمال القلب والجوارح، فلهذا مَنْ أراد أن يتخلص من تسلط الشيطان وكيده الضعيف؛ عليه أن يقوي درجة توكله، وصلاة الاستخارة من أهم الأعمال التي تساعد على ذلك؛ لأن الاحتياج إليها دائم ومتكرر، وهذا يقوي التوكل لأنها مبنية عليه، ولكن بعد مراجعة التصديق ومكاشفة النفس بدرجة اعتقادها بأن الاستخارة سبب في جلب خير أو دفع مضرة. قال ابن تيمية رحمه الله:(والاستخارة أخذ للنجح من جميع طرقـه، فإن الله يعلم الخيرة، فإما أن يشرح صدر الإنسان وييسر الأسباب، أو يعسرها ويصرفه عن ذلك) [16].