لا شك أن “حقوق الإنسان” هي أساس الديموقراطية ومضمونها، وهي صوت العصر ونداؤه ودينه.
فما موقف المسلمين منه؟ أمحايدون نحن في معركة حقوق الإنسان؟ أم متلقون مرغمون على تقبلها، تزيينا لصورتنا، حيث إن الإسلاميين إرهابيون، همجيون، قتلة كما يصورنا الغرب حين يصنعون لأنفسهم من أوهامهم ومن أخطاء بعض المسلمين أحكاما جاهزة، ويرموننا بكل أوصاف الشر والكراهية.
في الحقيقة إن الدفاع عن حقوق الإنسان يمثل لنا رسالة الإسلام الخالدة، حيث إن الإنسان خليفة الله العدل الحق في أرضه… إنها رسالة الإسلام السامية، وليست حمولة إيديولوجية يتخفف منها المرء متى غاب المراقب وسنحت الفرصة.
ونرى كيف أن الدول العظمى في عصرنا تتخذ المناداة بحقوق الإنسان ذريعة للتدخل في شؤون الدول المستضعفة، لاستغلالها واستنزاف خيراتها، وكيف أنها تجعل بعض البشر أعلى شأنا من بعض في ميزان الأرجوحة العالمية.
إن تكريم الإنسان وإنصافه وكشف الظلم عنه وتحريره من عبودية العباد لعبادة الله تعالى ديننا وعقيدتنا، يقول ربنا جل وعلا: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ). حق الآدمي أن يتمتع بمواساة إخوانه الآدميين، لما تجمعهم من رابطة الرحم الإنسانية، فيوصينا الشرع بضرورة إغاثة الملهوف والمنكوب، وإعانة المصاب والعاجز من أي ملة كان.
يدافع الضمير الإنساني المستيقظ عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وبالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية، وينادي بحق الإنسان في الحرية والعدل والكرامة، وبحق المرأة والطفل، وبحق الكسب والتعلم والصحة، وبحق المرضى والعجزة… كل ذلك مما نعتبره دينا إن قسناه بمقاصد شريعتنا، وعدل ميزاننا.
إن الانتصاب للدفاع عن المظلومين في بقاع الأرض مهمة خلقية رفيعة، يبذل فيها أصحاب المروءات من غير ديننا جهودا محمودة، ولا ينبغي أن نتردد في التعاون مع نداء الضمير الإنساني مادام لا يخالف أصلا من أصول الدين.
يرتفع نداء الضمير الإنساني ليطالب بحق الإنسانية في الحفاظ على كوكبنا نظيفا، حقا للأجيال المتعاقبة، مبتغى راق ينم عن السمو والتضحية.
وتقف هنا مطامح الضمير الإنساني لتبدأ مهمتنا لإسماع البلاغ الإلهي، لإخبار الإنسان، وتنبيه الإنسان، والعرض اللطيف على قلبه، أن من وراء الموت حياة، وبأن الإنسان ما خلق عبثا، وما جعله الله دابة خلقت للتمتع ثم الفناء.
فالدنيا بمقوماتها وخيراتها وعلاقاتها وعدلها وحرمانها وسياساتها… وسيلة ومطية للآخرة، دار المستقر والبقاء.
فحق الإنسان الأسمى والخالد أن يكون عبدا لله عز وجل، آملا في لقائه، مستجمعا همته لإرضائه، خائفا من عقابه وناره.
وكل حق يطالب به ما دون ذلك من حقوق الدنيا فهو حق شرعي له، ووسيلة ضرورية لتجنيبه الافتتان بآلام الظلم والتمييز وهم الرزق والحرمان، من أجل الانجماع على الله، وأداء دوره الحقيقي كخليفة لله في الأرض.
فمن حق الإنسانية جمعاء أن نسمعها كلمة الله الخالدة في عزة وشموخ، لا أن ننخنس مع الخانسين، ولا تجرفنا الدنيا فننساق مع تيارها ونتطبع مع منطقها….
فعندئذ لا قيمة لنا عند الناس، لأننا لم نبلغهم رسالة الله، ولا قيمة لنا عند الله، لأننا خنا أمانة الله.
قال الله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ).
موضوع رائع جدا ومكتوب بطريقة فريدة تجعلك تشعر بعظمة هذا الدين…
بارك الله فيك أختي على هذه التدوينة