﴿…ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا…﴾
أُخَيَّ الكريم السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
السلام عليك ما دام قلبك بحب المومنين عامرا، وبالصفاء والمودة زاخرا.
أُخَيَّ اللبيب هل خطر لك يوما أن تكون ممن يحبهم الله عز وجل من العباد؟ هل تختار يوما أن تكون من أهل الوداد أم من أهل البعاد؟ هل تغمر أعطاف قلبك أشواق علوية؟ هل تهب في معطف روحك نسائم قدسية؟ هل شعرت يوما وأنت أمام مصحفك أن كلمات الله تغمرك تعظيما لما تتلوه وإجلالا أم يتسلل شيطان الهوى والغفلة والحقد فيجد عندك مقيلا ومجالا؟
إن صفاء قلبك عليه مدار سعادتك إن لقيت الله عز وجل بقلب سليم ولم تربض في أكناف ذاتك خيالات الأرجاس وخبالات الأدناس.
من الناس من لا ينبعث طائر فهمهم أعلى من مسالك وهمهم، ومنهم من يظل بصره عن آفاق السمو الروحي كليلا فيُخلِد إلى الأرض كسيحا عليلا لا يجد لشفاء دائه سبيلا.
هلم أُخَي إلى مجالس المومنين لتقيم على أبواب قلبك من يقظة الضمير حراسا وتنتظم مع الأحباب فقد وجدت على الخير أعوانا وجلاسا علَّ مجالستهم تنير في جوانب خيامك الباطنية نبراسا. أم تراك تفضل بخسا من البضاعة وإفلاسا!
إن صفاء القلب وسلامته مطلب يُلفِت إليه طلاب الكمال الروحي أعناقهم ويصوبون إليه عقولهم وأحداقهم. فإن مس أحدهم طائف من الشيطان استعاذوا منه بالله وتذكروا أن مهمتهم الأولى في هذه الدنيا هي حب الله وحب من يحبهم الله ليحشروا يوم القيامة مع أحباب الله.
إن كان غيرك من خاملي الهمة يسبح في ظلمات الدياجر فكن أنت ممن يتقربون إلى المولى عز وجل بقيام الليل وظمإ الهواجر ليستنير قلبك ويكتسب كيانك نضارة العرفان ويكتسيَ وجهك بِشرَ طيِّبي الوجدان.
لا تُحِر أخي لشيطان سوء الظن الذي يقرع أبواب قلبك ليلا ونهارا جوابا ولا تفتح له مصراعا أو تُشرِع له بابا.
ابدأ بمسح ما عساه عَلِق بثياب روحك من كُناسَات الماضي الغابر واصبر لترويض نفسك على أخلاق الرجولة وثابر.
أليس قرأت ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي ضمضم الذي كان يتصدق بعرضه على المسلمين كلَّ صباح فتظَلَّ وقد غُسِلَت أوضَارُ حزازاتِ النفس من ذوي الوجوه النيرة المِلاح.
ما لي أراك تحمل ضغينة لبعض من سمعت منهم ملاما أو أسر إليك بعضهم عنه وسوسة وكلاما. سبقك في المضمار صاحب الأشعار الذي قال:
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب ولا ينـال العلا من طبعه الغضب
ومن أراد العـلا عفوا بلا تعب قضى ولم يقض من آرابه أرب
وأنت يا أخي لست من أهل الدنية والهوان بل يرجى أن يكون لك على منابر الدعوة إن صفا قلبك من الأكدار كلمات مشهورة وفي أيدي الناس ومكتبات العلم كتب منشورة.
هلم حِبي ننهل الصفاء من حوض الحبيب صلى الله عليه وسلم ومن سار على أثره، الذين صافوه فصفوا فأصبحوا منبع الصفاء للخلق وموردا للسالكين طالبي الحق.
هلم إلى إخوتك لا يثبطك عنهم من أقدامه في أوحال الريبة غائصة ولا يعرقل نهضتك إليهم ذوو النيات الناقصة.
اضرب صفحا على ما مضى من أكدار بينك وبين إخوتك وجدد معهم ما اندثر من صلتك فالعزة لله ولرسوله وللمومنين، وسناء المجادة الأخروية وتاج الكرامة إنما أعد لمن اهتدى بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلك سبل أهل الصفاء أهل حضرته القريري العين بقربه ومشاهدته.
أخي إن أشرقت في قلبك ومضات من أنوار الإخلاص فابحث عن أهدى طريق يحملك لسبل الخلاص قبل أن لات حين مناص.
وإليك أخي بعض صُوى الطريق وملامح السبيل، أعاننا الله الوهاب جميعا على سلوكها، كيف لا وإلى مدارج القرب بجميل مَنِّه تشرئب أعناقنا وإلى مقامات الأنس تهفو أرواحنا.
لنلتمس حِبي مجالس الأذكار المحفوفة بالملائكة الأبرار والسكينة والرحمة والأنوار فإنها خير ما نملأ به الأوقات وأجمل ما يقينا من الغل والآفات.
والمحبة عماد الطريق، ورأس المصافاة حسن الظن بالخلق والتماس الأعذار إلى سبعين فأزيد اقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم وبصحبه الكرام رضي الله عنهم الذين تربوا في حجره الطاهر وشربوا من معين صدقه ورحيق قربه. المحبة ما كانت قط كلمة لفظية حالمة وما ينبغي لها أن تكون، إنما هي حبل وداد ممدود بين المومنين من سبق منهم ومن لحق موصول بين قلوبهم، لا تقطعه الأكدار ولا يعكر صفوه الأغيار. محبة تنتج عطاء لا ينفد وبذلا لا ينقطع دعما للدعوة وفداء للحق.
ثم إن تعظيم المومنين حتم لازم، والتماس خيرهم مطلب جازم، والاعتراف لأهل الفضل بالفضل – ولكل مومن فضل – واجب عازم.
المحبة والاحترام والتعظيم في حدود الشريعة هو ما يليق بواجب الأخوة، هو قرب من الله تعالى وأدب مع الصالحين من خلقه علمناه الله الرحيم الكريم في صيغة دعاء لهم يثمر ثوابا ويفتح لخير الدارين بابا: “ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم”.
دامت إخوتي مودتكم وأشرقت بأنوار الصفاء مجالسكم.