إن النظرة الغربية اللائكية إلى العلاقة بين الرجل بالمرأة قائمة أساسا على إزالة الفروق بين الجنسين، وهي نظرية تنطلق من مفهوم النوع أو الجندر بدل الجنس، هدفها فظ الارتباط البيولوجي والاجتماعي والديني بين الجنسين؛ حيث تلغى كل الفوارق بين الذكر والأنثى بما ينافي قوله تعالى:”وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ”[1]، من خلال عدم الاعتراف بالفوارق سواء كانت بيولوجية أو كل ما ينتج عن هذه الخصائص العضوية من توزيع لأدوار الحياة. وتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة وإلغاء كل القيم والمبادئ التي تعطل مفهوم ومعنى المساواة.
فتاريخ البشرية حسب هذا المفهوم أدخل الذكر والأنثى في صراع دائم تتمركز على الذات الذكر، على اعتبار أن ذاته أمر ضروري؛ مما من شأنه أن يذكي الصراع بين الجنسين ويهدد مؤسسة الأسرة. غاية هذا الصراع وضع نهاية للعالم الذكوري انطلاقا من برامج تنقلب على القيم والفطرة والموروث الثقافي لإعادة صياغة كل شيء؛ التاريخ واللغة والرموز والطبيعة البشرية نفسها، والخصوصية التداولية للنظام الأسري للوصول إلى مجتمع الجنس الواحد الذي تختفي فيها كل الفروق.
الإطار المفهومي للجندر:
مفهوم “الجندر”: يعني الجنس المتعلق بمكونات الذكورة والأنوثة بيولوجيا، أو الهوية الجنسية للفرد كذكر أو أنثى كما تحددها الثقافة والمجتمع، وعرفته الموسوعة البريطانية بأنه:” شعور الإنسان بنفسه ذكرا أو أنثى، والهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية”، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نمى الطفل[2].
وعرفته منظمة الصحة العالمية بأنه:”المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية لا علاقة لها بالاختلافات العضوية”، بمعنى أن كونك ذكر أو أنثى عضويا ليس له علاقة باختيارك لأي نشاط جنسي قد تمارسه، فالمرأة ليست امرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذاك الدور[3]، وبالتالي أصبح هذا المصطلح الذي فرضه النظام العالمي الجديد يعني إلغاء كل الفروق بين الرجل والمرأة وعدم الاعتراف بها، سواء كانت فروق بيولوجية من نتائج الطبيعة أو كل ما ينتج عن هذه الخصائص العضوية من توزيع الأدوار[4].
ومنهم من قسم مصطلح “الجندر” إلى مفهومين:
- النوع البيولوجي وهو المعنى اللغوي والموضوعي للذكورة والأنوثة، وهذا النوع هو الذي يمكن تمييز الرجل عن المرأة باختلاف الخواص البيولوجية لكل منهما؛
- والنوع الاجتماعي وهو الأدوار والوظائف الاجتماعية التي لا علاقة لها بالنوع البيولوجي، فبإمكان الرجل أن يقوم بجميع الأدوار الاجتماعية التي تقوم بها المرأة، والمرأة كذلك.
إن مضمون فلسفة النوع لا تعترف بكون الإنسان ذكرا أو أنثى وتؤمن أن التغييرات الجسمانية التي تفرق بين الرجل والمرأة ناجمة عن التنشئة الاجتماعية، فالإنسان يخلق صفحة بيضاء وما يطرأ عليه من تغيير إنما مصدره التنشئة، وعليه يمكن للمرأة أن تصبح رجلا ويمكن للرجل أن يصير امرأة إذا رغب[5]، وتخلص هذه النظرية أنه ينبغي فك الارتباط بين البيولوجي والاجتماعي، بمعنى أن الذكورة والأنوثة لا تفضيان إلى أدوار اجتماعية نمطية قارة للرجل والمرأة؛ وبالتالي من الممكن إحداث تغييرات في الأدوار الاجتماعية للنوعين في اتجاه المساواة[6].
تطور مصطلح الجندر:
إن المتتبع لتطور مصطلح النوع من خلال المؤتمرات والاتفاقات الدولية يجد أن هذا المصطلح بدأ بمصطلح المساواة، فقد اعتبرت الأمم المتحدة سنة 1975م سنة دولية للمرأة، وكان شعار هذه السنة هو المساواة والتنمية والسلم وبهذا صار هذا الشعار هو الموجه لروح المؤتمرات التي عقدت حول المرأة، وفي نفس السنة عقد مؤتمر الميكسيك، وكان من نتائجه إعلان المساواة بين الرجال والنساء من حيث «عدم التفرقة بين الجنسين في كرامة الإنسان وقيمته»، وفي مؤتمر كوبنهاغن 1980م تم التأكيد على المساواة بين الرجل والمرأة في الجانب المهني, أما مؤتمر نيروبي عام 1985م فجديده هو ترسيخ الإجراءات الاجتماعية المحققة لهذه المساواة، وفي مؤتمر السكان والتنمية بالقاهرة سنة 1994م حيث ورد مصطلح “الجندر” في خمسين (50) موضعا بديلا عن كلمة “الجنسين” إلا أن توظيفه كان في إطار المناداة بإلغاء الفروق واللامساواة، ثم تمت ترجمته على أنه إزالة التمييز بين الجنسين لا على أنه مساواة بين الجنسين[7]، ولم يكن مؤتمر القاهرة إلا مرحلة من مراحل التقدم التاريخي والتدريجي لهذا المصطلح، وبعد عام انعقد مؤتمر بيكين سنة 1995م تحت شعار “إعادة صياغة المجتمع عن طريقة رؤية العالم من خلال عيون النساء” وقد وردت كلمة “جندر” في وثيقة هذا المؤتمر حوالي 233 مرة، ولوحظ أنها تأتي لتعبر عن أكثر من معنى فهي تارة تشير إلى المرأة فقط وتارة للتعبير عن الأدوار المنوطة بالجنسين، وهكذا توسع المعنى وتمدد ليشمل معاني كلها تحتشد تحت لواء لفظة “الجندر”، ليستقر معناها على حق المرأة في أن تتساوى مع الرجل في نوعه وألا تكون نوعا منفصلا عنه ورفضت الفروق البيولوجية، فتختار المرأة الجنس الذي تحب أن تتعامل على أساسه[8].
مرتكزات فلسفة الجندر:
- الفردانية : وتعني التعامل مع المرأة على أنها فرد من المجتمع بمعزل عن الطفل والزوج والأسرة وذلك بإخراجها من سياقها الأسري والاجتماعي على أنه كيان منفرد في الإدارة والنظام الحياتي والأهداف[9]. إن هذه النظرة التفكيكية والتجزيئية ليست إلا خطوة أولى لتفكيك المجتمع وذلك بتحويله إلى أفراد غير مرتبطين ولا تترتب حياة الواحد منهم على حياة الآخر، ولا تلتقي معها ولا تحسب لها أي حساب.
- المساواة : إن منطق التماثل والمساواة مبني على نفي الفروقات بين الرجال والنساء، مما يقتضي تقرير حقوق المرأة ذات الطابع السياسي والاجتماعي على قدم المساواة مع الرجل. تقول فاطمة المرنيسي: «لم أكن أبدا امرأة لكن دوما إنسانا، إن الآخرين هم الذين يريدون أن أكون امرأة لكن أنا لا أتجزأ، أنا أنظر إلى العالم كإنسان والمشكل يأتي من المجتمع الذي ينظر إلي كأجزاء يمزقني ويختزلني في ما يسميه بامرأة»[10]. هكذا ترى أن تقسيم الجنسين إلى ذكر وأنثى يرجع إلى نظرة المجتمع وإلى العوامل الثقافية وهي الخلفية المركزية في اللامساواة بين الجنسين، وبذلك يسعى منظروا الجندر إلى تقويض كل دليل يدل على وجود عنصر خلقي يميز الرجل والمرأة.
إن فكرة الطبيعي لا تعبر عن قيمة إنسانية ذات بال لأن الإنسانية بدأت في تخطي الطبيعة، فلن نحتاج بعد اليوم إلى تبرير التمييز الطبقي بين الجنسين على الأساس الطبيعي[11]، ولن نعود مرة أخرى لفكرة القدر البيولوجي وحتمية تحصر المرأة داخل صفات متعلقة بجنسها وبجسدها، لذلك يجب استخدام كلمة جندر بدل الجنسين. إن فكرة المساواة تنطلق من نفي القدر البيولوجي والطبيعي لإثبات المساواة المثلية بين الرجل والمرأة.
- المثلية : هذا المرتكز الذي تؤكده المرجعية الكونية يتضمن اعترافا رسميا بالشذوذ الجنسي وإدراج حرية وجودهم ضمن حقوق الإنسان، كما تقر بحرية أن يقوم كل فرد باختيار وتحديد النوعية التي يود الانتماء إليها والنوعية التي يود معاشرتها، والإطار الذي يمكن لتلك المعاشرة أن تدور في حدوده داخل قيود الزواج أو خارجه[12]، وهكذا إذن يصبح مفهوم الأسرة التقليدي متجاوزا، بل أصبح يدل على أشكال أخرى تحت مظلة المرجعية الكونية والشرعية الدولية فأصبح التحدي الكبير من خلال عدسة الجندر هو تنوع وضع المرأة بما فيه ميولها الجنسية[13]، فكلمة “الميول الجنسية” أكثر دلالة ومعنى من الهوية الجنسية، فالأمر غير محدود بالميل الطبيعي بين الرجل والمرأة، بناء على إلغاء جميع الفروقات بين الجنسين ولكن هناك هويات أخرى مما يفتح الباب لشرعنة المثلية الجنسية، ولذلك فتأمين هذا المطلب واعتباره حقا من حقوق الإنسان هو من أولويات فلسفة الجندر.
لقد استطاع أنصار الجندر إثبات هذا الحق بالاعتراف بالشواذ في وثيقة بيكين في البند الستين (60) … وفي وثيقة مؤتمر الطفل البند الخامس عشر (15)، عندما أكدت أن الأسرة هي المحضن الطبيعي للطفل مع الأخذ في الاعتبار أن الأسرة تأخذ أشكالا متعددة[14]. فهذا التعريف يشمل جميع أنواع الأسر كما أصبحت عليه اليوم سواء المركب من ذكرين أو أنثيين بينهما علاقة حب ومودة أو ما تألف من ذكر وأنثى ولهما بنت أو ولد لم ينحدر من صلبهما كأطفال الأنابيب والأطفال المنجبين من جينات لا تعرف أصولها، وخصوصا أن مفهوم الطفل لم يعد يعني فقط المولود من رحم أمه بعلاقة زوجية حسب المفاهيم المتولدة عن الثقافة الكونية لحقوق الإنسان.
نتائج الجندر ومخاطره:
1.العلاقة الزوجية : أصبحت حرية المعاشرات والممارسات الجنسية غير مقيدة بنظام الزواج باعتبارها حرية فردية لا محدودة.
- اختلاف جنسي الزوجين: إن الميول الجنسية التي ضلت عبر قرون طويلة قارة وما خرج عنها يعتبر نشازا ومنافيا للقيم والنظام العام أصبح في الغرب مشروعا أن يميل شخص إلى شخص من نفس جنسه، والقوانين تكرس هذا الواقع فأباحت المعاشرات المثلية.
- النسب: هو رابطة ولحمة الدم وهو هوية الشخص وانتماؤه الأسري، النسب الذي أصبح في التشريعات الغربية يقر لكل أب أو أم بالحق في اختيار اسم الطفل دون تقييده بضوابط النسب ورخصت له بحق إلحاقه بنسب أي شخص يقع عليه الاختيار.
- الإنجاب: فالحرية الجنسية وما يترتيب عليها من آثار كرست مفهوم “الحرية الإنجابية”، فأبيح إنجاب الاستبضاع، والتلقيح بنطف مانح أجنبي، والإنجاب من رجل آخر، وتأجير البطون وتكاثر بنوك النطف والخلايا التناسلية، وفسحت حرية التعامل معها بدون قيود.
- الصراع والتنافس بين أفراد الأسرة: يعتبر الصراع والتنافس أساس العلاقات الأسرية في الغرب، وذلك بإنشاء أجهزة مساعدة لحل مشاكل الأسرة وتحول هذا الأمر إلى وسائط لتأليب الأبناء على أبنائهم والزوجات على أزواجهن.
- الجندر وتفكيك الأسر : أدت المقاربات السالفة إلى انعكاسات خطيرة على الأسرة نذكر منها؛ – العزوف عن الزواج لحساب العلاقات الخارج عن نطاق الزواج، إذ أن الزواج في جل الدول الأوروبية لم يعد يشكل نسبة تقل عن النصف، وفي المدن الكبرى عن الثلث.
- تراجع معدل الخصوبة علما أن عددا هاما من المواليد يزدادون خارج إطار الزواج من لدن أمهات عازبات أو الأسر الأمومية تفتقد الرجل في مكوناتها.
- تنامي العزوبة، فالعزوف عن الزواج وكثرة تغيير الشركاء والأخدان وانفصال الشباب عن آبائهم منذ سن مبكرة كل ذلك ساهم في رفع نسبة العزوبة، واستفحال ظاهرة )الأمهات العازبات).
- كثرة الأسر الأحادية، فنسبة هائلة من الساكنة الغربية المتراوحة يعيشون فرادى وذلك بسبب العزوف عن الزواج والتصارع الأسري، واستحكام الفردية والأنانية وتنامي ظاهرة استقلال الأبناء عن آبائهم منذ سن مبكرة.
- اضطرابات خطيرة في سلوكيات الأطفال والشباب، وذلك بظهور عدة أعراض عليهم كالقلق والانهيار العصبي والاضطرابات العقلية والانتحار وانحرافات الأحداث وجنوحهم إلى الإجرام.
- شيخوخة الساكنة لعدم الإقبال على الزواج وقلة نسبة الإنجاب مما أدى إلى ارتفاع المسنين وانكماش عدد الشباب.
- إضافة إلى تعالي دعاوى المساواة بين الجنسين في حق القوامة والمساواة في الإرث والمساواة في الإمامة في بلدان إسلامية…
[1] – سور آل عمران، من الآية:36
[2]– مدونة الأحوال الشخصية ومطالب التغيير وإشكالية المرجعية، بحث دبلوم الدرسات العليا المعمقة في كلية الشريعة سلمان أسكاو، ص: 36.
[3] – الجندر مطية الشذوذ الجنسي ، نزار محمد عثمان، ص:120.
[4] – تحرير المرأة العربية، أماني أبو الفضل، ص: 524.
[5]– قراءة في وثيقة بيكين – نقلا عن مطالب التغيير، ص: 32.
[6]– تحرير المرأة العربية،ص، 528.
[7]– خلفيات مؤتمر بيكين، نور الهدى، ص: 10.
[8]– مدونة الأحوال الشخصية ومطالب التغيير، ص 29.
[9] – المجلة المغاربية: 4/70.
[10] – الجنس كهندسة جندرية ، فاطمة المنريسي، ص 520.
[11]– تحرير المرأة العربية،ص:531.
[12] – النظام العالمي والمرأة، زينب عبد العزيز، جامعة الصحوة. 2/273.
[13]– الجندر وتقويض المرأة، ص: 73.
[14]– تحرير المرأة المسلمة، ص: 534.