منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مصطلحات الاجتماع السياسي الإسلامي(1): الأمة

0

الأمــة

• التعريف اللغوي:

قال الراغب الأصبهاني: “والأمة: كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، وجمعها: أمم.”
وقال اسماعيل بن حماد الجوهري:” والأُمَّةُ: الجماعةُ. قال الأخفش: هو في اللفظ واحدٌ وفي المعنى جمعٌ. وكلُّ جنس من الحيوان أُمَّة… والأُمَّةُ: الطريقةُ والدينُ. يقال: فلانٌ لا أُمَّةَ له، أي لا دينَ له ولا نِحْلَةَ له. قال الشاعر: وهل يستوي ذو أُمَّةٍ وكَفورُ.
والأُمَّةُ: الحينُ قال تعالى: “وادَّكَرَ بعد أُمَّةٍ “( سورة يوسف- الآية 45)… والإمَّةُ أيضاً: لغةٌ في الأُمّةِ، وهي الطريقةُ والدينُ. والأَمُّ بالفتح: القصدُ. وأَمَمْتُ القومَ في الصلاة إمامَةً. وائْتَمَّ به: اقتدى به. وأَمَّتِ المرأةُ: صارت أُمَّاً. والإمامُ: خشبةُ البَنَّاءِ التي يُسَوَّى عليها البِناء. والإمامُ:الطريقُ. والإمامُ: الذي يُقْتَدى به. قال ابن السكيت: الأَمَمُ بين القريب والبعيد، وهو من المقارَبَة.”

• الأمة في الكتاب والسنة:

وردت لفظة أمة في القرآن مفردة تسعا وأربعين مرة، ووردت مضافة ” أمتكم” مرتين، وفي حالة الجمع “أمم” ثلاث عشرة مرة. من ذلك قوله تعالى: “وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً” [البقرة : 143].
وقول الله عز وجل: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [آل عمران : 104].
وقوله عز من قائل: “ولَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” [هود : 118] وقوله سبحانه: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ” [الأنبياء : 92] وجاءت بمعاني الجماعة من الناس، والفترة من الزمن، والقدوة من الناس والطريقة.
قال صاحب التحرير والتنوير: “والأمة الجماعة والطائفة كقوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38]. وأصل الأمة من كلام العرب الطائفة من الناس التي تؤم قصدا واحدا: من نسب أو موطن أو دين، أو مجموع ذلك، ويتعين ما يجمعها بالإضافة أو الوصف كقولهم: أمة العرب وأمة غسان وأمة النصارى.”
“والأمة بضمة الهمزة: اسم للجماعة الذين أمرهم واحد، مشتقة من الأم بفتح الهمزة وهو القصد أي يؤمون غاية واحدة، وإنما تكون الجماعة أمة إذا اتفقوا في الموطن أو الدين أو اللغة أو في جميعها.”
وفي السنّة وردت لفظة “أمة” في نص صحيفة المدينة الذي كتبه صلى الله عليه وسلم مقدمه يثرب في هجرته، بين المهاجرين والأنصار ووادع فيه يهود.
“هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بَيْنَ الْمؤْمِنِينَ وَالْمسْلِمِينَ مِنْ قرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ. إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ. “
ونجد ذكرا لمصطلح أمة في حديث الافتراق على ثلاث وسبعين فرقة المشهور عند علماء الملل والنحل: فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « افْتَرَقَتِ الْيَهودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ».
وسيكون لنا وقفة مع هذا الحديث في المبحث الموالي حين مدارسة موضوع الفرقة الناجية.
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: “إنّ الأمّة في التّصوّر الإيماني؛ هي الجماعة التي تنتسب إلى عقيدة واحدة من كلّ جنس، ومن كلّ أرض، وليست هي الجماعة الّتي تنتسب إلى جنس واحد أو أرض واحدة.
وهذا هو التّصوّر اللّائق بالإنسان؛ الّذي يستمدّ إنسانيّته من نفخة الرّوح العلويّة؛ لا من التصاقات الطّين الأرضيّة”.
وقال في موطن آخر: “فالأمّة في التّعريف الإسلاميّ هي مجموعة النّاس الّتي تدين بعقيدة واحدة، وتصوّر واحد، وتدين لقيادة واحدة؛ وليست كما هي في المفهوم الجاهليّ القديم أو الحديث: مجموعة النّاس الّتي تسكن في إقليم واحد من الأرض وتحكمها دولة واحدة! فهذا مفهوم لا يعرفه الإسلام، إنما هي مصطلحات الجاهلية القديمة والحديثة.”
نلمس من خلال ما سبق، التأكيد الملحّ من قبل الشهيد قطب على ارتباط مفهوم الأمة بالعقيدة، بخلاف ما يذهب إليه فقهاء القانون العام في تعريفهم للأمة (nation) بأنها: “مجموعة بشرية تكون تآلفها وتجانسها القومي عبر مراحل تاريخية تحققت خلالها لغة مشتركة وتاريخ وتراث ثقافي ومعنوي وتكوين نفسي مشترك والعيش على أرض واحدة ومصالح اقتصادية مشتركة مما يؤدي إحساس بشخصية قومية، وتطلعات ومصالح قومية، موحدة ومستقلة.”
نجد ارتباط العقيدة بالأمة أيضا عند د.لؤي صافي حين يقول:” الرابطة العقدية التي تجمع بين أفراد الجماعة هي الأساس الذي يقوم عليه مفهوم الأمة في نصوص الوحي. فالأمة تجمع بشري ناجم عن التفاعل بين الإنسان والرسالة المنزلة، وهو لذلك تجمع عقدي فكري يتميز عن أي تجمع طبيعي عضوي يقوم على آصرة الدم والنسب، كالأسرة أو القبيلة أو القوم.”
بيد أن العناصر المادية للأمة من أرض وشعب وقيادة لها أهمية كبرى لا تقل أهمية عن عنصر العقيدة، ولهذا فإن الله عز وجل وصف الأنصار بقوله:“وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ” [الحشر : 9]، جمع الدار مع الإيمان. والمقصود بالدار، المدينة بما هي وطن سيجمع عدة مكونات قلبها النابض “أمة من دون الناس” هم الأنصار والمهاجرون ومن لحق بهم، تجمع بينهم رابطة العقيدة، بينما تجمعهم بالمكونات الأخرى أحلاف ومعاهدات ومصالح مشتركة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.