منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

” ليس الذكر كالأنثى”

حفيظة فرشاشي/" ليس الذكر كالأنثى"

0

وسلام على سيدنا عيسى وسلام على سيدتنا مريم

في القرآن الكريم قصة عظيمة، من بين ما تكلمت عنه ميلاد سيدنا المسيح عليه السلام ومن قبله ميلاد سيدتنا مريم عليها سلام الله.

يروي القرآن الكريم قصة سيدة كانت حكايتها نسيجا وحده من بدايتها، ولدت بعد أن كانت أمها نذرت ما في بطنها لخدمة المعبد ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾أرادته أمها ذكرا وأراده الله أنثى “وليس الذكر كالأنثى“، وأكرمها الله بسابغ عطاياه وجميل كراماته، ولم تمنعها أنوثتها من أن تكون من الكاملات وكانوا يظنون معرفة الله وطلب ما عنده من الكمالات حكرا على الرجال ومقام لن تطوله النساء، فكانت سيدتنا مريم مثالا في خدمة المعبد والتفرغ للعبادة والتبتل حتى لقبت بالبتول بل كانت كرامات المولى بادية عليها يشهد لها بها من حولها فيسألونها في اندهاش وانبهار “يا مريم أنى لك هذا...” فتجيب جواب العارف بربه المستشعر لحضوره والمقر بفضله “هو من عند الله…” جواب جازم قاصد لمن يعبد الله كأنه يراه، فتحققت بذلك نية أمها سليلة بيت آل عمران في أن ينال نسلها شرف خدمة البيت المقدس بغض النظر عن جنسه.

ولم يقف كرم المولى لسيدتنا مريم ومن ورائها آل عمران عند هذا الحد، ولو وقف عنده لكفى به عطاءا ربانيا لا يناله إلا الخلص من العباد الذين اصطفاهم المولى، بل أفاض عليها من فيوضات القرب ما لم تنله امرأة قبلها ولا بعدها، وطريق القرب من المولى مفروش بالابتلاءات لكنها محن في طياتها منح لا تعد ولا تحصى. وهكذا قدر الله وما شاء فعل، فبعد أن رأت من فضل الله عليها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت وقر قرارها في أرض العبودية وأن ليس لها إلا خالقها ومولاها فكيف لمن عرف ربه أن يلتفت للبشر ولكلامهم وأحكامهم، فكان اختبار المولى لها في درجة إخباتها له وإنابتها إليه وتجردها ممن سواه أن حملت وهي عذراء بسيدنا المسيح روحا من عنده ولم يمسسها بشر في معجزة إلهية وخرق للنواميس التي جعلها الله قانونا لهذا الكون. معجزة لم ير فيها قومها إلا فضيحة وخيبة في من اعتقدوها من العابدات المنقطعات عن الدنيا فإذا بها تجيء قومها برضيع تحمله ولم يعرفوا لها زوجا ولم تشفع لها عندهم سابق معرفتهم بطهرها فأشبعوها استنكارا وردعا وتبكيتا “يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء وما كانت أمك بغيا” موقف مهول لا تحسد عليه لكنها كانت في مستوى الاختبار وزيادة لم تتزحزح ثقتها في ربها قيد أنملة ولم ينل منها ما نعثه بها قومها من منكر الأوصاف وقبيح الفعال ولم تمنعها أنوثتها بأن تكون في مقام التكليف من المقدمات على هذا الخطب بثقة ويقين بأن الله ما كان ليخذلها، وما كان ليكفيها كل كلام الأرض ليقتنع قومها وما معها من شفيع يحول بينها وبينهم فما كان أمامها إلا أن تلوذ بالصمت ففي موقف كهذا ما عاد للكلمات معنى، وحده هبة الله وكلمته التي ألقاها إليها من بيده أن يخلصها من ورطتها وكان جوابها “فأشارت إليه“. اعتبروه رجزا من الشيطان حاشى لله وكان عملها الذي أكرمها الله به فتحدث نيابة عنها ف”قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا...” طفل في المهد يتحدث، معجزة أخرست الألسن وإشارة لطيفة من سيدة كفتها عناء التفسير وما كان الله عز وجل ليخذلها.

نقف مع قصة سيدتنا مريم لنكتشف أن الأنوثة ما أرادها الله نقصا ولا الذكورة كمالا لذاتهما بل قانون المرء وما كسبت يداه تسري على الجميع وكل حسب طبيعته وليس الرجل أصلا لكي تحاكيه المرأة ولا هي نسخة معدلة منه ولا مقارنة مع وجود الفارق، فارق لا يجعل الرجل مقياسا نزن به قيمة المرأة ولا أراد منها أن تكون مثله لا في عبادتها ولا في مسلكها ولا حتى في طريقة تعاملها فلكل خصوصياته وما حباها الله به هو طريقها للكمال. وها هي سيدتنا مريم عليها السلام يضرب بها الله عز وجل مثلا حيا للدلالة على هذه المعاني، مثل لو تأملناه لأيقنا أن الميز ضد المرأة والحيف الواقع عليها باسم الدين هو محض افتراء على دين الله وقراءة ذكورية للنصوص الشرعية تسقط عن المرأة الفضائل وتجعلها في مرتبة دونية والأدهى والأمر حين تحرم من حقها في معرفة الله تعالى وهو أوجب الحقوق وكأن الكمال اختص به الله تعالى الرجال دون النساء وما قصة سيدتنا مريم إلا تفنيد لذلك، أنثى تنال أعظم الدرجات بل وكانت أنوثتها طريقها للكمالات فلو كانت ذكرا ما استقامت قصتها ولكان لزاما لبلوغه الكمال طريقا آخر بعيدا عن مسلكها، ومن مقتضيات أنوثتها الأمومة وهي شرف وتشريف من المولى وليست كما يراد تصويرها نقص وتنقيص للمرأة وعبأ عليها في طريقها بل الأمومة شرف المهنة وطريق سالكة بالمرأة لكمالها الإنساني لو أتقنت مهنتها.

تراكمات التنقيص والدونية التي تعيشها المرأة المسلمة تستدعي قراءة متجددة للنصوص الإسلامية تصالحها مع فطرتها كأنثى وتعيد لها الثقة بربها وبنفسها لتضطلع بأدوارها الحقيقية في المجتمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.