منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

المنهج البنيوي تعريفا ونقدا وتطبيقا

جهاد اسماعيلي

0

المنهج البنيوي تعريفا ونقدا وتطبيقا

جهاد اسماعيلي

 

مقدمة:

لما كان الدارسون للأدب ينطلقون من تصوراتٍ مختلفة ويحملون أيديولوجيات متعددة تعددت المناهج التي تدرس الأدب، ولعل من أهم هذه المناهج المنهج البنيوي الذي أرسى دعائمه الأولى “دو سوسير” كمنهج يدرس اللغة؛ فأسس بذلك للقطيعة مع المقاربات التقليدية للغة. والشكلانيين الروس الذين أسسوا لمقولة البحث عن أدبية النص. و”حلقة براغ” ونظرية التواصل. واكتمل تبلور هذا المنهج مع رواد البنيوية في الغرب، كرومان ياكوبسون وكلود ليفي ستراوس وجيرار جنيت وغريماس..، ثم ما لبث هذا المنهج أن أصبح منهجًا علميًا له قواعده وأصوله، فنقله النقاد واستثمروا مبادئه في دراسة الأدب. ويزعم أصحابه أنه المنهج الأفضل الذي يوصل إلى الكشف عن الحقيقة، وهو على حد قول “روبرت شولز” مشروع مذهب لم يكتمل بعد، كان قد تميز تميّزًا واضحًا عن طريق منهجه.

وقد حاول مجموعة من الباحثين تطبيق قواعد هذا المنهج على النص الشرعي، فأولوا القرآن وفقا له ولمعالمه؛ منطلقين من تصور جديد لكيفية قراءة النص الأدبي معتمدة أطرا مرجعية ومفاهيم ومصطلحات خاصة، متأثرة بمناهج النقد الغربية، فأصبح النص الشرعي المقدس موضع بحث علمي.

فجاء هذا البحث لدراسة إشكالية هامة للغاية قد ينساق معها كل متحمس للبحث والدراسة وفق مناهج حديثة، وكل ساع للتجديد في حقل التفسير وهي:

  • مدى إمكانية تطبيق المنهج اللغوي البنيوي على القرآن الكريم؟
  • وهل تطبيق هذا المنهج على النص الشرعي سيحفظ له قدسيته ومقصده؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة اعتمدت خطة بحث تعرج على التعريف والنقد والتطبيق:

المحور الأول: تعريف البنيوية وخصائص المنهج البنيوي.

المطلب الأول: تعريف البنيوية.

المطلب الثاني: خصائص المنهج البنيوي.

المطلب الثالث: منطلقات التحليل البنيوي.

المطلب الرابع: البعد النقدي للمنهج البنيوي.

المحور الثاني: تطبيق المنهج البنيوي على القرآن الكريم “سورة القدر” أنموذجا.

المطلب الأول: بنيوية الحروف.

المطلب الثاني: بنيوية التراكيب.

المطلب الثالث: بنيوية الدلالة.

 المحور الأول: تعريف البنيوية وخصائص المنهج البنيوي.

المطلب الأول: تعريف البنيوية

قبلَ الشروعِ في الحديثِ عن المنهجِ البنيويِّ كتيّارٍ فكريٍّ، لا بد لنا من تحديد مصطلح البنية لغة واصطلاحا.

أولا: الدلالة اللغوية لكلمة البنية:

تشتق كلمة بنية في اللغات الأوروبية من الأصل اللاتني “stuere” الذي يعني البناء أو الطريقة التي يقام بها مبنى ما.

ولا يبعد هذا كثيرا عن أصل الكلمة في الاستخدام العربي القديم للدلالة على التشييد والبناء والتركيب.[1] وتجدر الإشارة إلى أن القرآن الكريم قد استخدم هذا الأصل نيفا وعشرين مرة على صورة الفعل “بنى” أو الأسماء “بناء” و”بنيان” و”مبنى”. لكن لم ترد فيه كلمة “بنية”.[2] وقد تصوره اللغويون العرب على أنه الهيكل الثابت للشيء. وتضيف بعض المعاجم الأوروبية فكرة التضامن بين الأجزاء، لأن البناء ينهار إن لم يكن هناط تضامن بين أجزائه، وعلى هذا الأساس فإن البنية هي ما يكشف عنها التحليل الداخلي لكل ما، والعناصر والعلاقات القائمة بينها، ووضعها، والنظام الذي تتخذه.

وفي تعريف أبسط للبنية يتيح لنا التقدم في بيان المعنى الاصطلاحي وخصائصه، تكون البنية عموما هي: “كلٌّ مكونٌ من ظواهر متماسكة، يتوقف كل منها على ما عداه، ولا يمكنه أن يكون ما هو إلا بفضل علاقته بما عداه”.

ثانيا: الدلالة الاصطلاحية:

لقد واجه تحديدَ مصطلحِ البنيةِ مجموعةٌ من الاختلافاتِ الناجمةً عن تمظهرِها وتجليها في أشكالٍ متنوعةٍ لا تسمح بتقديمِ قاسمٍ مشتركٍ.

فنجد “لوسيان سيف” يرى أنَّ مفهومَ البنيةِ في أوسع معانيه يشير إلى “نظامٍ من علاقاتٍ داخليةٍ ثابتةٍ، يُحدد السماتِ الجوهريةَ لأيّ كيان، ويشكّل كلاً متكاملاً لا يمكن اختزاله إلى مجرّدِ حاصلِ مجموعِ عناصره، وبكلماتٍ أخرى يشير إلى نظامٍ يَحكُم هذه العناصرَ فيما يتعلّق بكيفيةِ وجودِها وقوانينِ تطوّرِها”[3].

ويرى ليونارد جاكسون أن البنيويةَ هي: “القيامُ بدراسةِ ظواهرَ مختلفةٍ كالمجتمعاتِ، والعقولِ، واللغاتِ، والأساطيرِ، بوصفِ كلٍّ منها نظامًا تامًا، أو كلاً مترابطًا، أي بوصفِها بنياتٍ، فتتمُ دراستُها من حيثُ أنساقُ ترابِطها الداخليةُ، لا من حيثُ هي مجوعاتٌ من الوحداتِ أو العناصرِ المنعزلةِ، ولا من حيـثُ تعاقبُها التاريخي”[4].

وكان النقاد العرب -شأن النقاد البنيويين الغربيين- يعدّون النصّ بنيةٌ مغلقةٌ على ذاتِها ولا يسمحون بتغيرٍ يقع خارج علاقاتهِ ونظامه الداخلي[5].

فهذا عبد السلام المسدي يُعرِّف المنهج البنيوي بأنه “يعتزم الولوج إلى بنية النص الدلالية من خلال بنيته التركيبية”[6].

وكما ترى نبيلة إبراهيم أن المنهج البنيوي يعتمد في دراسة الأدب على النظر في العمل الأدبي في حد ذاته بوصفه بناءً متكاملاً بعيدًا عن أية عوامل أخرى أي أن أصحاب هذا المنهج يعكفون من خلال اللغة على استخلاص الوحدات الوظيفية الأساسية التي تحرك العمل الأدبي[7].

وهذا الباحث إبراهيم السعافين يذكر أن البنيوية ابنة حضارة معينة تنتمي إليها وتحاور منجزاتها المادية والروحية، إنها ذات صلة وثيقة بحركة الحداثة من جانب، وبالدراسات اللغوية الحديثة ومدرسة النقد الجديد من جانـب آخر[8].

بمعنى إن البنيوية في النقد الأدبي ثمرة من ثمرات التفكير الألسني وآثاره في العلوم الإنسانية المختلفة، مثلما أنّ صورتها الشكلية الأولى ذات قرابة واضحة بحق مدرسة النقد الحديث.

بناءً على ما سبق ذكره فالبنيوية منهج نقدي يعني بدراسة النصوص الأدبية من داخلها، أي يبدأ بالنص وينتهي به.[9]

المطلب الثاني: خصائص المنهج البنيوي

  • أنه تحليلي شمولي: أي أن المنهج في تصميمه يعتبر تحليليا وشموليا في الوقت نفسه، فهو يرفض أن يعالج العناصر التي يتكون منها كل ما على أنها وحدات مستقلة، فلا يمكن فهم أي عنصر في البنية خارج الوضع الذي يشغله في الشكل العام.[10]
  • يعتمد على القيم الخلافية: فالمنهج البنائي يتمثل أولا في الاعتراف بالفوارق بين المجموعات المنتظمة ومعرفة العلاقة فيما بينها، كما يتمثل ثانيا في تنظيمها حول محور دلالي دقيق يجعلها تبدو كتنويعات مختلفة ناجمة عن نوع من التوافق والائتلاف.[11]
  • يقتصر على التحليل المنبثق: ومعناه أن قاعدة الانبثاق تقتضي أن يتركز التحليل على دراسة العناصر المكونة للموضوع وطريقة قيامها بوظائفها، وأن يترك لمناهج علمية أخرى تناول العالم الخارجي والظروف المتشابكة التي تربط هذا الموضوع بغيره من الظواهر الإنسانية. ومثال ذلك: دراسة قضية أصل اللغات الإنسانية، فالباحث يعمد إلى تحليل العلاقة بين اللغة والإنسان، أو بين الخالق والعالم المادي، كما يستطيع أن يدرس وجهة النظر النفسية للفرد أو الجماعة، أو يركز في دراسته على اجتماعية اللغة من خلال تحليل الإحصاءات المجردة أوالعادات الصوتية وغيرها. لكن التحليل المنبثق يقتضي استبعاد كل ذلك، ويقتصر فقط على القوانين الداخلية التي تحكم قيام اللغة بوظائفها الدلالية.[12]
  • يتخذ قاعدة المناسبة: وتعني المناسبة، وجهة النظر التي يدرس منها الموضوع، ونمثل هنا بالشجرة، فالبنسبة لحامل المنشار لا يعنيه لون الأوراق ولا شكلها كما يعني الرسام مثلا. وهذا على بساطته هو أساس توزيع العلوم المختلفة، فكل علم يفترض احتضان وجهة نظر خاصة، فما يعني علم الرياضيات هو الأرقام وما يعني علم الهندسة هو الأشكال. وعلم اللغة فالعناصر المناسبة فيه هي تلك التي تزودنا بالمعلومات فحسب بمعزل عن الحقائق الصوتية والعضوية.
  • يمتد عمقا لا عرضا: فيؤكد “ليفي ستراوس” أن البحث البنائي يصبح عبثا إن لم يأخذ في اعتباره هذا المنهج، لأن دراسة حالات كثيرة بشكل سطحي لا تؤدي إلى أية نتائج ذات قيمة، وعلى العكس من ذلك فإن دراساة حالات قليلة بتحليل عميق يفضي إلى الكشف عن “ميكانيزم” الواقع وصياغة نماذجه الأصلية الشارحة. ومعنى هذا ان المنهج البنائي يتكئ على الاستنتاج والاستنباط أكثر من اعتماده على الاستقراء.[13]

المطلب الثالث: منطلقات التحليل البنيوي

لا بد لي في هذا المبحث من رسم بعض الخطوط الأساسية والعريضة التي يطرحها التحليل البنيوي على الصعيد الأدبي والنقدي والفكري وهي كالتالي:

أولاً: يهاجم البنيويون بعنف المناهج التي تُعنَي بدراسة إطار الأدب ومحيطه وأسبابه الخارجية، ويتهمونها بأنها تقع في شرك الشرح التعليلي، في سعيها إلى تفسير النصوص الأدبية في ضوء سياقها الاجتماعي والتاريخي؛ لأنها لا تصف الأثر الأدبي بالذات حين تلح على وصف العوامل الخارجية.

ثانيًا: هذه البنية العميقة أو هذه الشبكة من العلاقات المعقدة هي التي تجعل من العمل الأدبي عملاً أدبيًا، وهنا تكمن أدبية الأدب، وهم يرون بأن هذه البنية العميقة يمكن الكشف عنها من خلال التحليل المنهجي المنظم.

ثالثًا: يقف التحليل البنيوي عند حدود اكتشاف هذه البنية في النص الأدبي، فهو جوهرها، فبعضهم يسمي تلك البنية (نظام النص) أو (شبكة العلاقات) أو (بنية النص)، وحين التعرف عليها لا يهتم التحليل بدلالتها أو معناها، بقدر ما يهتم بالعلاقات القائمة بينها.
رابعًا: ينطلق البنيويون من مسلمة تقول بأن الأدب مستقل تمامًا عن أي شيء، إذ لا علاقة له بالحياة أو المجتمع أو الأفكار أو نفسية الأديب…الخ؛ لأن الأدب لا يقول شيئًا عن المجتمع أما موضوع الأدب فيكون هو الأدب نفسه.

خامسًا: للتوصل إلى بنية الأثر الأدبي ينبغي تخليص النص من الموضوع والأفكار والمعاني والبعدين الذاتي والاجتماعي، وبعد عملية التخليص أو الاختزال يتم التحليل البنيوي أو تحليل النص بنيويًا من خلال دراسة مستويات المنهج البنيوي، (وهي باختصار: المستوى الصوتي، المستوى الصرفي، المستوى المعجمي، المستوى النحوي، مستوى القول، وذلك لتحليل تراكيب الجمل الكبرى؛ لمعرفة خصائصها الأساسية والثانوية، المستوى الدلالي، والمستوى الرمزي).

سادسًا: ويتم التركيز لاكتشاف بنية النص على إظهار التشابه والتناظر والتعارض والتضاد والتوازي والتجاور والتقابل بين المستويات، فمثلاً يتم التحليل الصوتي من خلال إظهار الوقف، والنبر، والمقطع، أما تحليل التركيب فتتم دراسة طول الجملة وقصرها وهكذا مع كل مستوى أو تحليل.

سابعًا: إذا كانت البنيوية تختزل النص إلى هذا الحد ولا تهتم بالمعنى أو الموضوع أو الإطار الزماني أو المكاني أو البعدين الذاتي والاجتماعي، فما هو دور القارئ؟ فيجيب البنيويون أن النص يحاور نفسه، والقارئ هو الكاتب الفعلي للنص.

بمعنى أن البنيويين يرون بأن القارئ ليس ذاتًا، إنه مجموعة من المواصفات التي تشكلت من خلال قراءته السابقة وبالتالي فإن قراءته للنص ورد فعله إزاء النص تتحدد بتلك القراءات، وبما أن هناك قرّاءً عديدين فإن هناك قراءات متعددة للنص الواحد. ومعنى هذا أن هؤلاء القرّاء يقومون بترجمة النص حسب أفكارهم وثقافاتهم، لكن النص يبقى هو النص ولهذا فإنه يحاور نفسه[14].

المطلب الرابع: البعد النقدي للمنهج البنيوي

ينتقد المنهج البنيوي من زاويتين اثنتين: أولا: استبعاد عنصر صاحب النص، ثانيا: استبعاد عنصر المؤثرات والعوامل الخارجية المعينة على فهم النص، كالظروف الإجتماعية وغيرها.

وهما عنصرين هامين في التحليل الأدبي، وإغفالهما والابتعاد عنهما يجعل التحليل البنيوي بعيد عن العمل الأدبي المتكامل، لهذا نجد البعض يعتبره منهج صوري وصفي فقط.

ومن الأمور التي تسرّع فيها رواد البنيوية إعلان انفكاك النص عن صاحبه والتأكيد على انقطاع صلة الرحم بين الأدب وواضعه، مع ما رافق ذلك من تمجيد اسم الحداثة الذي جنى على المنهج البنيوي ولا سيما يوم أطلق رولان بارت ما يُسمى بـ (موت المؤلف).[15]

يقول بارت: “لقد اصبحنا نعلم أن الكتابة (ويقصد بها الأدب) لا يمكن أن تتفتح على المستقبل إلا بقلب الأسطورة التي تدعمها: فميلاد القارئ رهين بموت المؤلف[16]“.

يقول الاستاذ الدكتور علي صديقي في كتابه (إشكالية التحيز في النقد العربي المعاصر): “وهكذا تم القضاء على آخر سلطة مرجعية أو مركز ثابت يمكننا أن نحيل إليه، ونستمد منه الدلالة والمعنى، أو شرعية قراءاتنا وتفسيراتنا. إنها حقا لحظة تأسيسية لنمط جديد من النقد، إنه نقد موت المؤلف… ثم يقول: إن مقولة “موت المؤلف” ستؤدي إلى إعادة النظر في مجموعة من المفاهيم:

  • أولها مفهوم “النص”: الذي سيتم قلبه رأسا على عقب –بتعبير بارت- إذ إنها ستمكن من رؤية النص في تناصه، أي باعتباه شبكة من النصوص المتداخلة، وتفاعلا بين نسيج من النصوص.
  • اما ثاني هذه المفاهيم، فهو مفهوم “القصدية”: يقول: إن انسحاب المؤلف سيؤدي حتما إلى انتفاء القصدية، فالاعتراف بوجود المؤلف، ونسبة النص إليه، إغلاق للنص وإيقاف لعملية التأويل، لأن ذلك يعني التسليم بوجود معنى نهائي، وهو ذاك الذي أراده المؤلف وقصد إليه. أما دور الناقد في هذه الحالة، فهو مجرد البحث عن هذا المعنى الثابت الذي يستقر في باطن النص. في حين أن انسحاب المؤلف وانتفاء القصدية، سيفسحان المجال أمام القارئ ليمارس حريته، وسيضحى النص بذلك، فضاء متعدد المعانيأ وهو ما سيفسح المجال أمام تعدد التأويلات، بل لا نهائيتها، لأنه يكون قد فقد مركزه المرجعي الذي يتحكم فيه.
  • أما ثالث هذه المفاهيم، فهو مفهوم “القارئ”: فحسب “بارت” لابد من قتل المؤلف للانفلات من سلطته وديكتاتوريته، لأن ميلاد القارئ –الذي لا يمكن للنص أن يوجد إلا بوجوده- رهين بموت المؤلف.[17] يقول صاحب المرايا د.عبد العزيز حمودة: “إنها نتيجة حتمية للفراغ الذي تركه غياب كل من النص والمؤلف وانتفاء القصدية، أن يكون الحضور الوحيد هو حضور القارئ، وينفتح النص أمام لا نهائية المعنى.. فما هو مركزي في قراءة ما يصبح هامشيا في القراءات الأخرى والعكس صحيح”[18].

وهكذا فالنص في سيرورته لا يتوقف أبدا عن التوالد والتكاثر، ويقع دائما تحت ضغط القراءة. [19]

وفي هذا السياق لابد من التنبيه إلى مسألة مهمة أشار إليها ذ.علي الصديقي في كتابه المذكور آنفا، وهي أن المنهج البنيوي وغيره من المناهج الغربية لا يمكن اعتبارها بشكل من الأشكال مجرد آليات للتحليل، لا صلة لها بأي عقائد فلسفية أو دينية، وأنها ذات طابع علمي إجرائي بحث. مع أن عددا من النقاد من البنيوية ينفون تحيزها، ويعتبرونها مجرد منهج للدراسة وطريقة للتحليل، وليست لها صلة بأي مضمون فلسفي. ويتم الدكتور علي الصديقي كلامه فيقول: “غير أن فريقا آخر من النقاد والباحثين يذهب إلى أن المناهج النقدية الغربية عامة، والبنيوية والتفكيكية خاصة، متحيزة إلى النموذج المعرفي الغربي المادي، وإلى التراث اللاهوتي المسيحي اليهودي”. ولا شك أن هذا التحيز سينقل إلينا أوبئته بالترجمة. وهو ما سنبسطه في المبحث الموالي.

المحور الثاني: تطبيق المنهج البنيوي على القرآن الكريم سورة القدر أنموذجا

فهذا أنموذج تطبيقي لدراسة “سورة القدر” ضمن “المنهج البنيوي”، حاول بعض الباحثين إخضاع مادتها للدرس البنيوي تعسفا.

نموذج: قوله تعالى: ﴿إنّا أنزَلنهُ في لَيلَةِ القَدْرِ، وما أدرَكَ ما لَيلَةُ القَدْرِ، لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِّن أَلفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ المَلَئِكَةُ والرُّوحُ فِيها بإذنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أمرٍ، سَلاَمٌ هي حَتَّى مَطلَعِ الفَجرِ﴾ (سورة القدر:1ـ5).

وقد تمت هاته الدراسة وفق المطالب الآتية:

  • بنيوية الحروف:

وتقسم هذه البنيوية على قسمين رئيسين هما:

  • بنيوية الحروف البنائية.
  • بنيوية حروف المعاني.

2- بنيوية التراكيب:

وتقسم بحسب التراكيب التي دخلت في هذه السورة بنيويّاً، وهي على قسمين رئيسين أيضاً، هما:

  • بنيوية المبتدأ والخبر.
  • البنيوية الفعلية.

3-بنيوية الدلالة:

وفيها قسمان رئيسان أيضاً، هما:

  • بنيوية ( القَدْر ).
  • بنيوية ( العدد ).

بنيوية الحروف:

للحروف بعد أكبر يتجاوز الدخول في أسّ الكلمة وتكوين الدلالة بالائتلاف مع الحروف الأُخر وإنما بدخوله في بنيوية، وما يمكن أن تحدثه هذه البنيوية من دلالة جديدة.

أ ـــ بنيوية الحروف البنائية:

الحروف البنائية:هي الحروف الأصلية في المفردة اللغوية، وليست الزائدة، والتي يحدث – بحذفها – بتر واضح بالمفردة ومعناها.

ب- بنيوية حروف المعاني:

إن دلالة حروف المعاني تشير إلى تلك الحروف التي لها دلالة معنوية كحروف الجر، وحروف العطف، وحروف النفي، والتي لها معنى في ذاتها قبل أن يكون لها معنى إعرابي.

وحينما جردنا حروف المعاني في سورة القدر، وجدناها بالشكل الآتي: (في، مِن، الباء، حتى).

أمّا لو حللنا هذه الحروف، فاننا سنجد ما يأتي:

  • في: حرف يفيد الظرفية إذا اتصل بظرف، ويفيد السببية إذا كان تعليلاً لشيء ما، ويأتي بمعنى (على) في نصوص معينة.

وجاءت (في) مرة ظرفية في هذه السورة، وذلك في قوله تعالي: ﴿إنّا أنزلنهُ في لَيلَةِ القدر﴾،وفي آية أخرى جاءت سببية، في قوله تعالى ﴿تنَزَّلُ المَلَئِكَةُ والرُّوحُ فيها بإذن رَبِّهِم مِنّ كلِّ أمرٍ﴾.

ففي الآية الأولى ظهرت (في) في ثنائية دلالية بين كونها حرف جرّ أفاد الظرفية في تقدير (في وقت ليلة القدر)، وفي الوقت نفسه، ارتكزت نظرية ليلة القدر على (في) الذي بدأ الوقت لحدوث ليلة القدر، أي أنّ الظرفية هنا تتضمن دلالة البداية، ودلالة الانطلاق نحو ليلة القدر.

ومن ناحية أخرى، مَن ينعم النظر في الآية ﴿إنّا أنزَلنهُ في لَيلَةِ القَدْرِ﴾ سيرى أنّ ( في) قد شغلت موقع (الوسط ) بين كلمتين في اليمين ( إنّا أنزَلنهُ) وكلمتين في اليسار (لَيلَةِ القَدرِ)، أي أنّ (الوسط) دقيق تماماً، وفي الوسط معانٍ كثيرة؛ أشهرها أنّه رمز من رموز التوازن، أو الميزان، أو العدالة،﴿والسَّمَاءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الميزَانَ، ألاَّ تَطغَوا في المِيزَانِ﴾، كما أنّه (الوسط) فلسفة الإسلام، ﴿كذلِكَ جَعَلنكُم أمةً وَسَطا﴾ وقال الرسول ( عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام) ((خيرُ الأمورِ أوسطها))، لذا نرى أنّ (في) تتضمن معنى العدالة هنا، والقطب الذي ترتكز عليه ليلة القدر، في دلالة من دلالاتها مثلاً.

أمّا الآية الأخرى: ﴿تَنَزَّلُ المَلَئِكَةُ والرُّوحُ فيها بإِذنِ رَبِّهِم مِنّ كُلِّ أمر﴾، فقد ارتبطت (في) بالضمير (ها) أي أنّها شكلت ثنائية مع (ها)، مما أدّى ذلك الى توليد تركيب هو (فيها)، وكونها سببية، نراها قد تحولت هنا الى فلسفة ليلة القدر، بعد أنْ كانت في الآية السابقة منطلق هذه الليلة، فنعود مرة أخرى الى أهمية (في) بادارة احداث ليلة القدر، ولمّا كنا قد توصلنا الى دلالة للوسيطة الشكلية للآية السابقة، على وصف أنّ (في) هي أساس الوسط فقط، نرى أنّ الوسطية لاتكون متوازنة اذا ارتكزنا على (في) فقط؛ وذلك لأنّ الآية ستشهد ثلاث مفردات على اليمين ﴿تَنَزَّلُ المَلَئِكَةُ والروحُ﴾، وخمس مفردات على اليسار ﴿يإِذنِ رَبِّهِم مِنّ كًلِّ أمرٍ﴾، فضلاً عن أنَّ (في) بذاتها – إذا ما أخذناها بهذه الصورة من دون الضمير (ها) – ستبتر تركيباً أيضاً.

من ذلك كله، نتوصل الى أنّ (في) حققت بعداً بنيويًّا فعّالاً تجاوز المسار الضيق الذي تمثلته بكونها حرف جر مرة،أو معنى خاصًّا داخل الجر مرة ثانية.

  • بنيوية التراكيب:

قامت سورة القدر على مجموعة من التراكيب التي لم تتصف بسمات الدلالة النحوية فقط، وإنما تجاوزت ذلك إلى بنيويات متعددة أيضاً؛ وتأسست السورة – عموما – على بنيويتين كبيرتين فقط؛ هما:

أ- بنيوية المبتدأ والخبر.

ب- البنيوية الفعلية.

  • بنيوية المبتدأ و الخبر:

امتلأت سورة القدر – باستثناء آية واحدة فقط- بتركيب المبتدأ والخبر، وقد انقسم هذا التركيب في سورة القدر على ثلاثة أقسام، هي:

1- المبتدأ والخبر غير المباشرين.

2- المبتدأ والخبر المباشران.

3- المبتدأ المباشر والخبر غير المباشر.

1- المبتدأ والخبر غير المباشرين: ونقصد أنّ المبتدأ والخبر لايأتيان بصورة الاسم المباشر، وإنّما ما ينوب عنه كالضمير وغيره، وحام هذا العنوان في آيتين، هما ﴿إنَّا أنزَلنهُ في لَيلَةِ القَدرِ﴾، و ﴿وَمَا أدرَكَ ما لَيلَةُ القَدرِ﴾.

فالآية الأولى ﴿إنّا أنزَلنهُ في لَيلَةِ القَدرِ﴾، جاء الاسم فيها بصورة (إنّا) التي نابت عن اسم الجلالة، أو احدى صفاته (سبحانه وتعالى)، حيث تفيد التفخيم، كما تفيد – كما نعتقد- الاشارة غير المباشرة والشديدة – بوصف المشار اليه هو الله (تعالى) الذي لايحتاج الى اسم الاشارة المباشر، لأنه أقل من مستوى الله (تعالى)، كما تفيد التوكيد الشديد أيضاً، من خلال وجود (إنّ)، وأما (الألف) – في نهايتها – فيفيد مدّ هذا التوكيد بصفاء، وقوة، واستقامة، كما تجسد صورة كون الله ( تعالى) قد تبنى – جملة وتفصيلاً – قضية إنزال القرآن الكريم في ليلة القدر من دون الاشارة الى غيره.

أمّا الخبر (أنزلناه)، فهو قبل كونه خبراً – كما هو معروف – جملة فعلية مثالية (فعل، فاعل، مفعول به)، كما أنّ هذا التركيب الفعلي فيه خصوصية الإنزال في ليلة القدر تحديداً، فضلاً عن تحول الزمن الماضي لهذه الجملة الى الزمن المستمر، حينما تتكرر الذكرى – عمليًّا – في رمضان، ولمّا كان الله (سبحانه وتعالى) قد تبنّى إنزال القرآن في وقت معين، فلا بدّ من أنّ هذا الوقت كناية عن كل ما خلق الله (تعالى) من ابداع، أو أرقى من كل ابداع، وبما أنّ الوقت هو (ليلة)، فلا بد من أن تكون هذه الليلة ممتلئة بالقداسة، والبركات؛ لأنها حينئذٍ ستكون رمزاً من رموز الاسلام الأُول.

أمّا الآية الثانية ﴿وما أدرَك ما لَيلَةُ القَدر﴾، فالمبتدأ والخبر فيهما بنيتان مختلفتان، إذ إن البنية الأولى (وما ادراك) استفهام مع جملة فعلية متعدية، والثانية (ما ليلة القدر) استفهام مع جملة اسمية، وبذلك فالبنية الأولى شكلت الاستفهام الزمني – إنْ صحّ التعبير -، والبنية الثانية شكلت الاستفهام الاسمي – إنْ صحّ التعبير أيضاً – وارتباط الدلالة الزمنية مع الدلالة الاسمية ينتج بنية واحدة هي الاستفهام الزمني الخالد لماهية ليلة القدر.

وبجمع بنيات الآية الأولى – لهذا القسم – مع الآية الثانية، نحصل على بنية الخطاب القرآني المتعلق بليلة القدر، من خلال الحوار الفلسفي بين دلالة الأعلى – الله (سبحانه وتعالى) -، ودلالة الأدنى – الرسول ( عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ) – باسلوبية النص الإلهي.

2- المبتدأ والخبر المباشران: ونقصد بهما المبتدأ الاسم، والخبر الاسم أيضاً، وقد شغلت هذا النوع آية واحدة فقط في السورة، وهي قوله تعالى ﴿لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِّن ألفِ شَهرٍ﴾.

وهذه الآية حملت المبتدأ – المركب – من الاسم الظاهر مع الاضافة، وكأنّ المبتدأ يتألف من موضوعين في آن معاً: الاسم المفروع – ليلة – ( المبتدأ ) مع الاسم المجرور – المضاف – بمعنى أنّ المبتدأ أوّلاً: هو ثنائية بحدّ ذاته على مستوى الشكل، أما العمق فهو تخصص الليلة بالقدر، وتخصص القدر بالليلة.

أمّا الخبر – خير – فهو من أسماء التفضيل، ولكنه لم يأتِ على الوزن المباشر – أفعل – وإنّما جاء بهذا الوصف – خير – لكي يجمع هذا الوصف بين التفضيل الايجابي، ودلالة الخير كله، ومن ثم كانت عبارة – من ألف شهر – دلالة أخرى ترتبط مع(خير) نفسها.

3- المبتدأ المباشر والخبر غير المباشر: وشغلت هذا النوع آية واحدة، هي ﴿سَلَمٌ هِيَ حَتّى مَطلَعِ الفَجرِ﴾.

 في التركيب النحوي العربي لايجوز الابتداء بالنكرة ما لم تفد، ومَن ينتبه الى (سلامٌ) يجد أنّها نكرة، ولكن هذه النكرة أفادت؛ لأنها مرتبطة بسوابق في هذه السورة تتعلق بليلة القدر، وحينها ستكون (سلامٌ) مبتدأ، وما بعدها سيكون خبراً، وثمة رأي آخر قد يندرج في هذا التركيب ليكون ثنائية مع الرأي الأول، أَلاَ وهو أنّ (سلامٌ)خبر لمبتدأ محذوف يفسره ما بعده، والتقدير – والله ( تعالى) أعلم- ( هي سلامٌ هي)، و (هي) توكيد لما يتمثلها من ضمير، أو أن تكون (سلامٌ) مبتدأ ثانياً للمبتدأ الأول المحذوف (هي)، و تكون ( هي) الثانية – خبراً للمبتدأ الثاني، وعبارة ( سلام هي) خبر للمبتدأ الاول المحذوف.

وعبارة (سلامٌ هي) تأكيد لمكانة ليلة القدر، والمعروف من خلال تتبع (السلام) في القرآن الكريم أنّه لم يأتِ لغير الانسان، أمّا في هذه السورة فقد ارتبط السلام بـ (ليلة القدر)، وبالتالي فهذا السلام كناية عن السلام العائد على البشر؛ لأنّ الذي يحييها البشر، وليست الليلة.

وبهذا فالجملة الاسمية في سورة القدر جملة مكتنزة بالدلالات الثنائية التي تصب لخدمة مكانة ليلة القدر مرة، ولوهب القدسية للبشر الذين يحيونها مرة ثانية.

ب- البنيوية الفعلية:

بنيوية الدلالة:

عرّف المختصّون الدلالة بأنّها المعنى العميق، أو المعنى القريب والبعيد في آن معاً، أو المعنى الذي يستشف من هالة من المعاني، أو هي معنى المعنى.

وحملت سورة القدر طاقات ثرة من الدلالات البنيوية التي وجدنا أنها لم تخرج عن أكثر من موضوعين رئيسين، هما:

أ- بنيوية (القَدر).

ب- بنيوية (العدد).

أ ــــ بنيوية ( القدر):

إن مفردة (القَدْر) تكررت ثلاث مرات في السورة كلها، وقد شغلت فاصلة الآية الأولى، والثانية، وجاءت في أثناء الآية الثالثة، ولو أردنا استشراف دلالة هذه المفردة، فإننا نجد أنّ المعجم يشير الى أنّ مفردة (قَدْر) تعني (المكانة)، كما تعني (الكمية)؛ أمّا في الاصطلاح، فقد أخذت معاني كثيرة، منها: الليلة التي تظهر مكانة المؤمنين فيها، كما أنّها أساس شهر رمضان.

 ب ــــ بنيوية العدد:

وفي سورة القدر كان للعدد حضور بنيوي واسع جداً على مستوى الظاهر، وعلى مستوى غير الظاهر، وكالآتي:

1- بنيوية العدد الظاهر: ظهر العدد (ألف ) في سورة القدر في الآية الثالثة، في قوله تعالى: ﴿لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِّن أَلفِ شَهرٍ﴾، علماً أنّ هذا العدد قد ورد بكثرة في القرآن الكريم، وذلك لأنّ العرب كانوا يخفون هذا العدد فلم يظهر في أحاديثهم كثيراً، لذا ارتبط بالخطاب القرآني في موضوعات روحانية أكثر منها دنيوية.

وفي هذه الآية – التي وردت في سورة القدر- جعل الله (سبحانه وتعالى) فيها ليلة القدر أفضل من ألف شهر، وقضية ( الألف شهر) تحتاج الى وقفة، فلماذا ( ألف شهر)؟

من المعروف أننا حين نتحدث عن ليلة القدر، انّما نتحدث عن يوم بعينه، وإنْ لم يكن هذا اليوم مقرراً بشرياً، حينها يكون الشهر – كما هو معروف- ثلاثين يوماً، ولو ضربنا هذا العدد بالعدد الف (1000) لحصلنا على العدد (30000) ثلاثين ألفاً، أي ( ثلاثون ألف يوم)، وهو عدد ليس بالقليل، إذ إنّ الثلاثين تضاعفت ألف مرة بقدرة الله (عزّوجلّ)، وقد وردت المضاعفة الإلهية، ولكن بصورة أقلّ من هذا، في موضع آخر من القرآن الكريم(106)، فإذا كانت هذه المضاعفة هي النتيجة الأولى لأحد قطبي المعادلة العددية لـ (الألف)، فان النتيجة التالية هي أنّنا لو قسّمنا الناتج (30000) ثلاثين ألفاً على العدد (365) خمسة وستين وثلاثمائة – عدد أيام السنة – فاننا سنحصل – تقريباً – على العدد (83) ثلاثة وثمانين، وذلك بتحويل الكسور الى عدد صحيح، وهذا العدد قد لايكون له قيمة بالنسبة لنا نحن البشر الضعفاء، إلاّ أنّ له دلالات من أهمها أنّ أكثر الناس على مرّ العصور – من بعد نزول القرآن الكريم والى يومنا هذا – في حال عدم اصابتهم بأيّ مرض خطير- يعمّرون الى سن الثمانين أو أكثر بقليل، لذا كانت الآية تشير الى أنّ ( ليلة القدر) تساوي عمر الانسان عموماً، وأيّ انسان؟ الانسان العابد، والمتقي، والمؤمن.

وبذلك حمل العدد(ألف) امتداداً زمنياً في حياة البشر، لتكون هذه الليلة – معه – خيراً منه حينما يقترب بالشهر.

2– بنيوية العدد غير الظاهر: في هذه السورة كلّ شيء عظيم، وفي داخلها عوالم أعظم فأعظم وهكذا دواليك، والمعجز أنّ العظيم الفرعي – أحياناً- قد يكون أرقى من الرئيس، وليس العكس كما هو مشهود في واقعنا.

وتحرك العدد غير الظاهر – في هذه السورة- كما تحرك العدد الظاهر، فالسورة مؤلفة من (5) خمس آيات، وللعدد ( خمسة ) مكانة في القرآن الكريم (107) كما أن(4) أربع سور في القرآن الكريم – في الجزء الثلاثين – كان عدد آياتها خمساً (108).

ويوجد – في داخل السورة – حضور للعدد (خمسة)، إذ إنّ السورة مكونة من خمس آيات، والآية الثالثة في السورة فيها (20) عشرون حرفاً (109)، بمعنى ان هذا العدد هو من مضاعفات العدد خمسة، وتحتضن السورة (30) ثلاثين كلمة (110)، وهذا العدد من مضاعفات العدد خمسة، حيث اقترنت الآية الاولى والثانية والخامسة بخمس كلمات لكل آية (111)، واقترن ناتج جمع الكلمات في الآية الثالثة والآية الرابعة بالعدد (15) خمسة عشر (112)، وهو من مضاعفات العدد خمسة، وكانت الأسماء – في هذه السورة – اكثر المفردات كلها، اذ بلغت (20) عشرين اسماً (113)، وهذا العدد من مضاعفات العدد خمسة ايضاً، كما ان عدد الضمائر مع عدد الحروف كان (15) خمسة عشر (114)، وهو من مضاعفات العدد خمسة، وعدد الضمائر مع عدد الافعال كان (10) عشرة (115)، وهو من مضاعفات العدد خمسة، وعدد الأسماء مع عدد الضمائر والحروف كان (35) خمسة وثلاثين(116)، وهو من مضاعفات العدد خمسة.

من ذلك كله نفهم كيف أنّ عدداً كهذا استطاع أنْ يستحضر كثيراً من الدلالات، ناهيك عن أنّه يتناغم مع القرآن الكريم عن طريق عدد أجزائه وعدد أحزابه(117)، كما أنّ كثيراً من أعداد آيات سور القرآن الكريم من مضاعفات العدد خمسة(118).[20]

ونختم بما جاء في كتاب “الإسلام والقومية العلمانية” منطلقا من قول الإمام الشافعي -رحمه الله-: “”ما جهل الناس وما اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب وميلهم إلى لسان أرسطوطاليس” يقول: لا شك أن ما قصده الإمام بلسان أرسطوطاليس ليس اللغة اليونانية في حد ذاتها، لكن منطق الفلاسفة ومذهبهم، بيد أن مداخلة لسان أعجمي في مضمون كفري لا تلبث أن تجر المثقف إلى تشرب روح تلك الثقافة الكافرة. إذ لا يمكن هنا الفصل بين اللغة وما تحمله وتتضمنه من رسالة. فاللغة المادية الإلحادية “جزء ماهية” الكفر[21]… ثم يسترسل بعد ذلك بالقول: فيصير القرآن عندهم نصا من النصوص بحاجة الى أن “يعيدوا قراءته” مستندين إلى المناهج اللسانية البنيوية التي تؤسس لهم فهما تشكيكيا عدميا”[22].

الخاتمة:

وخلاصة القول أن المنهج البنيوي قد يكون مصيبا في التعامل مع النصوص البشرية، لكن النص الشرعي يتنزه عن هذا المنهج ويعلو عنه علوا كبيرا.

وهذا المنهج ينتقد من جهة استبعاده لعنصر صاحب النص، بينما في تفسير القرآن الكريم لابد من استحضار أن القائل هو الله عز وجل لتعظيم الآيات والتعامل معها معاملة خاصة تحفظ لها قدسيتها، معاملة تتميز بالتسليم والإذعان والطاعة والاحتراس في التأويل.

ومن جهة أخرى ينتقد هذا المنهج من باب استبعاده لعنصر المؤثرات الخارجية المعينة على فهم النص، وهذا يتنافى والفهم السليم للقرآن الكريم الذي يلزم فيه معرفة سبب النزول والاستعانة بأحاديث النبي × لبيانها وتفصيلها، ومثاله الصلاة؛ قال تعالى: ﴿وأقيموا الصلاة﴾ وجاءت السنة النبوية لبيان كيفية الإقامة. وغيرها من الأمثلة التي لا يسع المقام لذكرها.

وعليه ففي إخضاع النص القرآني للمنهج البنيوي نوع من التعسف؛ الذي يخرج بالنص الشرعي عن مقصده ورسالته وغايته.

ومنه نستنتج أن:

  • أن المنهج البنيوي منهج يصلح للنصوص البشرية لا المقدسة.
  • أن المنهج البنيوي يحمل حمولة غربية وذلك راجع لأصوله.
  • أن المنهج البنيوي يتكئ على الاستنتاج والاستنباط أكثر من اعتماده على الاستقراء.
  • أن القرآن الكريم هو الذي يفرض مناهج لتفسيره “كالمنهج الاجتماعي وغيره” لا المناهج هي التي تؤطر النص الشرعي.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا البحث يولد به سلسلة بحوث في المناهج التي طُبقت على القرآن الكريم.

لائحة المصادر والمراجع:

1-المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، 1378.

2-قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر، سمير حجازي مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1990م.

3-نظرية الأدب، شكري عزيز الماضي، دار الحداثة، بيروت، الطبعة الأولى، 1986م.

4-بين الفلسفة والنقد، شكري محمد عياد، منشورات أصدقاء الكتاب، د.ط، 1990م.

5-مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل، دار الأفاق العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997م.

6-نظرية البنائية في النقد الأدبي، صلاح فضل، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، الطبعة الثالثة، 1987م.

7-دائرة المنهج (قراءات نقدية)، عمر حسن القيم منشورات أمانة عمان الكبرى، عمان، الطبعة الأولى، 2005م.

8-بحث المنهج البنيوي (دراسة نظرية) ثامر إبراهيم المصاروة، 10/13/2013. 04:48 MP، ملتقى شذرات الإلكتروني.

9-درس السيميولوجيا، رولان بارت، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 1993

10-إشكالية التحيز في النقد العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية، دار طنوز المعرفة، عمان ـ الأردن.

11-المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية، عبد العزيز حمودة، عالم المعرفة، الكويت، طبعة 1998.

12-التقنيات البنيوية في سورة القدر، لثائر سمير حسن الشمري و حسن عبد الهادي الدجيلي، مجلة جامعة بابل/ العلوم الإنسانية، المجلد 18، العدد1. 2010.

13-الإسلام والقومية العلمانية، لعبد السلام ياسين، الطبعة الثانية 1995، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، شركة الندى للتجهيزات الفنية، الايداع القانوني: 94/11569. الترقيم الدولي 6ـ97ـ5065ـ977


[1] نظرية البنائية في النقد الأدبي. د.صلاح فضل. ص 120.

[2] المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، لمحمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، 1378. ص136.

[3] انظر قاموس مصطلحات النقد الأدبي المعاصر، سمير حجازي مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1990م.

[4] انظر في نظرية الأدب، شكري عزيز الماضي، دار الحداثة، بيروت، الطبعة الأولى، 1986م.

[5] انظر بين الفلسفة والنقد، شكري محمد عياد، منشورات أصدقاء الكتاب، د.ط، 1990م. 

[6] انظر مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل، دار الأفاق العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997م.

[7] انظر نظرية البنائية في النقد الأدبي، صلاح فضل، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، الطبعة الثالثة، 1987م.

[8] انظر في دائرة المنهج (قراءات نقدية)، عمر حسن القيم منشورات أمانة عمان الكبرى، عمان، الطبعة الأولى، 2005م.

[9] بحث المنهج البنيوي (دراسة نظرية) ثامر إبراهيم المصاروة، 10/13/2013. 04:48 MP، ملتقى شذرات الإلكتروني.

[10] نظرية البنائية في النقد العربي. د. صلاح فضل. ص133.

[11] نفسه. ص 134.

[12] نظرية البنائية في النقد العربي. د. صلاح فضل. ص135ـ136.

[13] نفسه. ص137. 138.

[14] بحث المنهج البنيوي (دراسة نظرية) ثامر إبراهيم المصاروة، 10/13/2013. 04:48 MP، ملتقى شذرات الإلكتروني.

[15] نفسه.

[16] انظر: درس السيميولوجيا، رولان بارت، ترجمة: عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 1993، ص87.

[17] إشكالية التحيز في النقد العربي المعاصر دراسة تحليلية نقدية، دار طنوز المعرفة، عمان ـ الأردن، ص 81ـ83.

[18] المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيكية، عبد العزيز حمودة، عالم المعرفة، الكويت، طبعة 1998، ص55.

[19] إشكالية التحيز، ص84.

[20] التقنيات البنيوية في سورة القدر، لثائر سمير حسن الشمري و حسن عبد الهادي الدجيلي، مجلة جامعة بابل/ العلوم الإنسانية، المجلد 18، العدد1. 2010.

[21] الإسلام والقومية العلمانية، لعبد السلام ياسين، الطبعة الثانية 1995، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، شركة الندى للتجهيزات الفنية، الايداع القانوني: 94/11569. الترقيم الدولي 6ـ97ـ5065ـ977. ص14.

[22] نفسه. ص19.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.