منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

المحفظة الطائرة (قصة قصيرة)

المحفظة الطائرة (قصة قصيرة)/ رشيد الفائز

0

المحفظة الطائرة (قصة قصيرة)

بقلم: رشيد الفائز

استكمل المهندس عمًار استعداداته للخروج صبيحة ذلك اليوم الذي طال انتظاره. فمنذ مدة وهو يعمل بتفان وشغف على تهييئ ورقات مؤتمر المهندسين حيث سيقدم ما وصل إليه من أبحاث. وضع حقيبته على الطاولة وشرع في عقد ربطة عنقه حين سمع قرعا غريبا على الباب. فهو لم يعتد على زيارة في هذا الوقت المبكر ولا على قوة وطريقة القرع هاته.

 

ذهبت الزوجة مسرعة لفتح الباب ظنا منها أن أحدا يستنجد أو به خطب ما. فما كان من الزائر أو الزوار “اللطفاء” إلا أن زجوها بعنفهم المعهود مقتحمين البيت وكأنهم يبحثون عن كنز مفقود. لم يستطع المهندس عمار أن يستبين ما يقع حتى فاجأه رجلان ضخما الجثتين يتطاير الشرر من عيونهما المليئة بحقد دفين.

 علم المهندس عمار أن الجهة التي قتلت زميله منذ مدة لم تتخل عن إصرارها على إقبار المشروع الذي ينافسها، حيث تصفي بالوكالة عالما بعد آخر، وترهب الباقين حتى لا ينخرطوا فيه. فتش هؤلاء الزبانية البيت قطعة قطعة وغرفة غرفة فلم يجدوا شيئا مما يبحثون عنه. فصرخ كبيرهم في وجه أحدهم: أنت خذ محفظته تلك وفتش مكتبه. أخذ الرجل الحقيبة وبدأ يفتش دواليب المكتب ورفوف المكتبة . حينها بدأ المهندس عمار بتلاوة سورة يس فحمل الرجل معه مجموعة من الكتب والجرائد والأوراق. لكن العجيب في الأمر أن الرجل نسي المحفظة تحت ضغط الأسفار التي يحملها بين ذراعيه.

 خرج الجميع وسط ذهول الجيران الذين وقفوا ينظرون من نوافذهم إلى هذا المشهد الغريب، وأبدت نظرات عيونهم تعاطفهم مع المهندس عمار، فهو ابن حيهم ويعرفونه حق المعرفة ويعرفون استقامته وجديته وبعده كل البعد عن عالم الإفساد والمفسدين. لكن أحدا لم يجرؤ على التدخل لعلمهم بشراسة انتقام الجهة المعلومة.

 وبقيت الزوجة المسكينة وأطفالها في حيرة مما وقع، فرغم خوفهم وقلقهم على مصير أبيهم، إلا أن الطفل الصغير صاح قائلا: هذه محفظة أبي فوضعت الزوجة يدها على فيه كيلا يكمل الكلام وأومأت إلى أخته أن أسرعي بحمل المحفظة إلى مكان آمن. لم تجد البنت مكانا يستوفي ما أمرتها به أمها فرمقت من النافذة صديقتها وهي تطل من النافذة المقابلة، فما كان منها إلا أن قذفت بالمحفظة نحوها فتلقفت الأخيرة المحفظة الطائرة ومعها كل الأسئلة حولها.

 اقتاد الرجلان الضخمان المهندس عمار إلى مكان مجهول حيث بدأوا في استنطاقه حول نتائج بحثه ومقالاته وكتبه وتقدم البحث الذي هو بصدده، فلم تشف أجوبة المهندس عمار غليل حقد كبيرهم فانهال عليه شتما وقذفا وضربا جنونيا حتى أفقده وعيه. ولبث المهندس عمار رهن قيدهم بضعة أيام رأوا أنه لا فائدة لا من قتله ولا من اختطافه فألقوا به في ضاحية البلدة مثخنا بجراحه لكن سعيدا بلقاء أحبابه ومعانقة أهله وجيرانه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.