منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

بنات الحاج الطاهر (قصة قصيرة)

بنات الحاج الطاهر (قصة قصيرة)/ الأستاذ مصطفى الشاح

0

بنات الحاج الطاهر (قصة قصيرة)

بقلم: الأستاذ مصطفى الشاح

ذات خميس من أيام الخريف وأنا خارج من حجرة الدرس وأهم بمغادرة المدرسة وكالعادة يستقبلني تلاميذ الفوج الموالي للسلام علي والتحية الطيبة ولعرض بعض الشكايات أو الأخبار من هنا وهناك. وأنا أمازح بعضهم أو أكافئ البعض الآخر بحلوى أو إشارة أو سلام خاص.
وفجأة توجه نحوي سبع فتيات تلميذات وبعد السلام.
قلن: نريد ياأستاذ أن نخبرك بأمر
قلت لهن: تفضلن على الرحب والسعة.
قلن: نريد أن نكتب مسرحية ونشخصها.
وبسرعة أجبتهن رغم التعجب والارتباك: هذه مبادرة طيبة وجميلة وما المطلوب مني؟
قلن بصوت واحد: نريدك ان تمثل معنا.
ازدادت فرحتي وازدادت دهشتي لكن حاولت تملك ملامحي وقلت: هذا شرف لي وفخر وأنا مستعد.
ثم دعوت الله لهن وشجعتهن وودعتهن لأقف على جانب الطريق أنتظر وسيلة نقل تقلني إلى بيتي.
وبعد دقائق معدودة شاهدت الممثلات التلميذات يتوجهن نحوي يجرين فرحات وكأنهن عثرن على كنز: يا أستاذ اتفقنا على عنوان للمسرحية.
سألتهن: وماهو؟
قلن: بنات الحاج الطاهر
قلت: عنوان جميل والأجمل بالنسبة لي أنه يحمل إسم والدي رحمه الله وتعجبت كثيرا من هذه الصدفة العجيبة.
ثم سألتهن: وما المحور الذي تدور حوله المسرحية
قلن: عائلة الحاج الطاهر تتكون من الزوج -الأستاذ- والزوجة وثلاث بنات، وثلاث أولاد عائلة فقيرة تعيش في خيمة متواضعة منع الفقر البنات من الذهاب للمدرسة والأبناء لم يستطيعوا متابعة الدراسة لبعد المسافة بين الدوار والإعدادية وعدم توفر وسيلة النقل، فهم الآن عالة على الوالد يعانين البطالة ويعشن الفراغ ويدمن البؤس، أما الفتيات فينتظرن الذي لا يأتي ويأملن اللأمل وكأنهن في انتظار گودو
Waiting for godot
سألتهن: وما هي القضايا التي تعالج في هذه المسرحية.
أجبن وقد كن يتكلمن بشكل جماعي من شدة الفرح حتى انه كان يصعب علي تلقف الجواب:
الامية؛الفقر؛ العلاقات الاسرية؛ بر الوالدين؛ استعمال الهاتف……. والبقية تأتي.
ومن الطرائف أن التلميذة صاحبة دور زوجة الحاج الطاهر قالت: نضيف موضوع الطلاق.
فعلقت عليها صاحبتها بالدارجة: *والحاجة مزال مدوزتي شهر العسل وبغيتي طلقي*
ضحك الجميع ورجعن إلى قاعة الدرس.
ووقفت أتابع بقلبي البنات وهن يجرين نحو القسم فرحات مبتهجات وكأنهن نجمات يتبخترن على البساط الأحمر اثناء حفل تتويج .
وحين ركبت سيارة الاجرة، وبدأ السائق يقطع بنا المسافات عبر سهول أولاد سعيد الخصبة بتربتها القاحلة. من المنجزات الفقيرة إلى أبسط الضروريات ومع ذلك فهي بلد الخير والكرم بطيبة أهلها وحسن عشرتهم.
عادت إلى ذهني صورة التلميذات الممثلات وهن في سن المراهقة والزهور بدأن يتطلعن إلى عالم أوسع من عالمهن الضيق المحدود ليعبرن عما يجول في خواطرهن من أحاسيس وأمنيات، وكذلك من آهات وآلام ولينقلن إلى الآخر صورة حية معبرة ورسالة احتجاج وبشكل فني ليفهم كل من يهمه الأمر أن طموح الفتيات الصغيرات يسمو ويتعدى حدود الجماعة القروية اللائي يعشن فيها وأن التهميش لن يقتل بذرة الأمل في نفوس الأجيال الصاعدة رغم مرارة الواقع، وأن تربة البلد ستنبث جيلا حيا طموحا ينشر عطر المحبة والسلام والأمن والأمان تحت شعار:
*من هنا البداية من هنا التغيير!!!!*
فمن يستمع لنبضهن؟ومن يتجاوب مع مطالبهن المطمورة في مسرحيتهن؟ ومن يمد يد العون والدعم ليتحقق مبتغاهن؟ ومن المسؤول عن السدود الممدودة بينهن وبين الأحلام والرغبات المشروعة؟ومن أحرق شوقهن ورغبتهن الجامحة للقضاء على الفقر والأمية والتهميش والإقصاء ؟ومن تهمم بأمرهن ليخرجن من فراغ المحيط وقسوة الجوار وبؤس المآل؟؟؟!!!
ومن ومن ومتى؟؟؟ .
اليوم ومع أستاذهن سيركبن خشبة الأمل ويلعبن دور البطولةوسيصرخن ويعبرن بكل حرية وسيتخيلن المستقبل الجميل الرحب الذي يتسع لكل طالب عز وحرية وعيش كريم وسيسافرن عبر الزمن إلى ليالي ألف حلم وحلم.
طاقات تبدد وتغيب وتهمش ويمر عمرهن كأنه لاشيئ ليجدن أنفسهن أمام الدور الحقيقي وعلى خشبة صلبةصماء ضيقة وبلا ستار ولا أضواء والمسامير تدمي أقدامهن اليانعة اللامعة والبرد القارس يجمد دماء الأمل في عروقهن. آه ثم آه ثم الف الف آه!!
ترى حين ألتقي بهن غدا هل ستكون المسرحية – الأمل جاهزة والإرادة متقدة والأدوار محفوظة والهمم شامخة والخشبة ممدودة على بساط: *إذا الشعب يوما أراد الحياة…فلابد ان يستجيب البلد*
أم هل ياترى ستمتد يد الغدر والخيانة كالعادة في جنح الظلام لتعبث بالحلم الجميل وتحرق لوعة الشوق في قلوب العاشقين وتتواطأ مع كل سكير وعربيد وأحمق ومجنون وفاسق وخائن باع خشبة الأحلام واسدل الستار وقبض الثمن في حوالة بعنوان:
*من هنا مر خائن الوطن والسلام*
أم أن لبنات الحاج الطاهر رأي آخر وكلمة صادقة وهمة عالية كجمرة حارقة تحول زرع الباطل إلى هشيم تذروه الرياح فيصبح الظالم الخائن يقلب كفيه على ما أنفق على شجرة الغذر والخيانة وهي خاوية على عروشها.
بنات الحاج الطاهر سيكتبن تاريخا جديدا يقطع مع عهود الظلم والبؤس والقهر والخيانة وسيفتح نافذة واسعة تطل على صفحة مشرقة من حياة أمة الخير أمة إقرأ أمة المجد والعز والابتكار أمة الرسالة النبيلة الى الانسانية جمعاء رسالة الحب والسلام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.