منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

التكامل المنهجي في الخصائص

الدكتورة رشيدة مصلاحي

0

التكامل المنهجي في الخصائص

بقلم: الدكتورة رشيدة مصلاحي

يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:

 “اجتهادات ابن جني في أصول النحو في الخصائص”

المبحث الأوّل: أهميّة التّكامل المنهجي بين علوم العربية

وممّا لا شكّ فيه أنّ لكلّ علم فلسفة ومقوّمات منهجية لا يقوم إلا بها، والنحو العربي علم كباقي العلوم؛ إلّا أنّه لم يكن ذا منهج مستقلّ عن العلوم الإسلامية الأخرى، وتلك خاصيّة الدّرس اللّغوي القديم، وهي التّكامل المنهجي الذي أدّى إلى تأسيس علم خاصّ هو علم أصول النحو على غرار علم أصول الفقه.

لقد كان علماء الإسلام القدامى لا يتوانون عن توظيف مناهج العلوم المختلفة، واستثمارها من أجل مقاربة النّص الدّيني وفهمه، واعتُبِر النّص القرآني من أكثر النّصوص والخطابات التي تستلزم مقاربتها تنزيل فكرة التّكامل المعرفي والمنهجي؛ إذ كان الحفاظ على سلامته، والإبقاء على صفاء لغته من الهواجس التي راودت علماء المسلمين عامّة، وعلماء اللّغة بصفة خاصّة، و»كانت العناية الأولى باللّغة استجابة إلى ما توجبه المحافظة على القرآن الكريم وتفهم معانيه من حفظ مادته اللغوية وما ترمي إليه من دقيق الدلالة والمغزى وصحيح المبنى والمعنى»[1].

وقد تولّد عن محورية النّص القرآني في الثقافة العربية الإسلامية وحدة متكاملة من العلوم، من فقه وأصول وحديث وسنّة وتفسير وقراءات، وغيرها من علوم القرآن، بالإضافة إلى علوم العربية التي تُعرف بعلوم الآلة، من نحو وصرف وصوت ومعجم وفقه ولغة وبلاغة، وهي –في رأي ابن خلدون- عبارة عن وسائل في يد عالم الشريعة تساعده على التوفية بمقاصد الكلام، وتعينه على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص الدينية[2].

ويمكن تلخيص مرامي التّأليف في مجال علوم اللّسان العربي[3] في الحفاظ على اللّغة وتسهيل منالها على طالبيها؛ إذ في اكتساب ملكتها ومعرفة قواعدها وقوانينها، والعلم بأصولها وتقنياتها امتلاك لنواصي العلوم كلّها وعلى قمّتها علوم الشريعة والدّين.

ولعلّ هذا ما كان يعيه تمام الوعي سائر أسلافنا من العلماء؛ إذ كانوا يعتبرون كتاب سيبويه[4] -مثلاً- كتاباً في علوم العربية: نحواً ولغةً وبلاغةً ومنطقاً؛ كتاباً يُمكّن من استوعبه من الإمساك بمفاصل العلوم العربية كلّها.

ولقد بلغ من إعجاب الفقيه أبي عمر الجرمي (ت225هـ) بالكتاب أنّه كان يقول: «أنا مذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه»[5]؛ إذ كان كتاب سيبويه يُتعلَّم منه النظر والتفتيش[6]. قال المبرّد (ت285هـ) عن الجرمي: «كان صاحب حديث فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث؛ إذ كان كتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفسير»[7].

ويعلّق أبو إسحاق الشاطبي على كلام الجرمي الفقيه الذي كان يفتي النّاس في الفقه من كتاب سيبويه شارحاً السرّ في ذلك: «وكتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفتيش[8]. والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في النحو فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب وأنحاء تصرفها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أن الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك، بل هو يبين في كل باب ما يليق به حتى إنه احتوى على علم المعاني والبيان ووجوه تصرفات الألفاظ في المعاني»[9].

والكتاب يُتعلّم منه النّظر والتّفتيش، وهو مستغن في علمه عن غيره من الكتب، «وذلك أن الكتب المصنّفة في العلوم الأخرى مضطرة إلى غيرها وكتاب سيبويه لا يحتاج من فهمه إلى غيره..»[10]؛ بل احتاج غيره إليه بصفته كتاب نظر وتفسير، والمراد بالنظر والتفسير الارتقاء من حفظ النص إلى فقهه؛ لذلك قال أبو حيان النحوي: «فالكتاب هو المرقاة إلى فهم الكتاب إذ هو المطلع على علم الإعراب والمبدي من معالمه ما درس والمنطق من لسانه ما خرس..»[11].

المبحث الثاني: التكامل المنهجي بين العلوم خاصّية الدّرس اللّغوي القديم عامّة

ولقد كان الطّابع العام للعلوم العربية الإسلامية كلّها هو: وحدة المنهج؛ لذلك نجد السّماع والقياس والتّعليل وغيرها من الأدوات المنهجية التي مكّنتهم من تأصيل العلوم الإسلامية في الفقه والنّحو. وذلك لأنّ منهج النّحاة العرب لم يكن مستقلّاً عن المناهج الأخرى، ويكفي أن نعلم أن طرق الاستنباط عند الفقهاء تقارب إلى حدّ كبير طرق الاستنباط عند النّحاة، وتلك خاصّية الدّرس اللّغوي القديم وهي التكامل المنهجي بين العلوم.

ومما لا شكّ فيه أنّ تصوّر القدماء لعلم النّحو حدّدته طبيعة الإشكالية التي واجهت المجتمع العربي في عصر التدوين كإطار مرجعي للفكر العربي؛ لذلك فبالرجوع إلى القرن الثاني الهجري يمكن أن نهتدي إلى الخطوات المنهجية التي سلكها النّحّاة لتأسيس علم النّحو، والذي يشكّل مع العلوم الإسلامية الأخرى وحدة متكاملة، وقد جاءت هذه الوحدة كإجابة عن أسئلة العصر، وقد كان من بين هذه الأسئلة: تسهيل اللّغة على المُعْتنقين الجُدُد، وفهم النّص الدّيني، ودفع اللّحن..

ولا ريب أيضاً في كون فكرة وحدة العلوم أو قضية التكامل بين المعارف والمناهج قد أضحت ضرورة من ضرورات البحث العلمي في عصرنا الحديث، حتّى تنفتحَ العلوم على بعضها البعض، وتنتقلَ الأفكار من حقل علمي إلى آخر، سعياً إلى تحقيق رؤية شمولية وعميقة، ومن ثمّ استنتاج الحلول الممكنة لمعظم الإشكالات المطروحة في مختلف مجالات البحث العلمي ومشاريعه.

وهذا ابن الأنباري يؤكّد خاصّية التكامل المنهجي بين مختلف العلوم الإسلامية في حدّه لعلم أصول النّحو حين يقول: «أصول النحو أدلّة النحو التي تفرّعت منها فروعه وفصوله، كما أن أصول الفقه التي تنوّعت عنها جملته وتفصيله. وفائدته التعويل في إثبات الحكم على الحجّة والتعليل»[12].

ولعلّ هذا التكامل المنهجي بين العلوم هو الذي أدّى إلى تأسيس علم خاصّ، وهو علم أصول النّحو على غرار علم أصول الفقه. وأصول النّحو وأصول الفقه كلاهما ينحصر في دراسة الأدلّة؛ إلّا أنّ أصول الفقه يدرُس الأدلّة التي تمّ بها بناء علم الفقه؛ بينما يدرُس أصول النّحو الأدلّة التي تمّ بواسطتها تكوين النّظام النّحوي.

وقد كان ابن جني أوّل من ألّف في مجال أصول النّحو، وبذلك كان مؤسّس هذا العلم بتصنيف كتابه الخصائص، وهذا بخلاف ما قال به الدكتور محمود فهمي حجازي الذي صرّح -في كتابه علم اللغة العربية، مدخل تاريخي مقارن في ضوء التراث واللغات السامية-  بأنّ «ابن الأنباري أوّل من اعتبر «علم أصول النحو» أي مناهج البحث النحوي علماً قائماً بذاته، وقد ألّف فيه محتذياً حذْو المؤلّفين في علم أصول الفقه»[13].

ويمكن القول إنّ البحث –في هذا الباب- يحاول تسليط الأضواء على دور ابن جني الرّائد في تطوير آليات التكامل المنهجي بين علمي أصول النحو وأصول الفقه من خلال بلورته لمعظم الأصول وفي مقدّمتها السّماع والقياس والتعليل والإجماع والاستحسان.

المبحث الثالث: تأثّر ابن جني بالفقه وأصوله

يعتبر ابن جني من أوائل النحاة الذين استخدموا المصطلحات الفقهية في الدّرس اللّغوي، وإذا ما قمنا باستعراض أبواب الخصائص ألفينا مجموعة من الأبواب مستعارة من أبواب الفقه ومصطلحاته، إلاّ أنّ ابن جني يصرّح بأنّ ما قام به النّحويّون في مجال العلّة النّحوية فاقوا به علل المتفقّهين رغم أنّهم انتهجوا مناهجهم[14].

ويذكر ابن جني -في أماكن متناثرة من الخصائص- أنّ اللّغويين قد اقتفوا أثر الفقهاء في استخراج العلل والأقيسة، وذكر على وجه الخصوص محمد بن الحسن الشيباني (ت189هـ) صاحب أبي حنيفة، والذي كانت كتُبه مرجعاً أساسياً لأهل النحو، يقول ابن جني: «وكذلك كتب محمد بن الحسن رحمه الله ينتزع أصحابنا منها العلل، لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه، فيجمع بعضها إلى بعض بالملاطفـة والرفق»[15].

لقد أفاد ابن جني من جهود علماء اللّغة والفقه والكلام والحديث والمنطق في درسه اللّغوي المتميّز؛ فاستفاد من طُرُق بحثهم ومناهجهم، واستخدم مصطلحاتهم وطبّقها على الدّرس اللّغوي، وقد اعترف بهذا الأثر للمناهج المتّبعة في هذه العلوم كلّها في خطبة خصائصه، وأنّه تعرض فيه «لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه». كما أنّه صرّح غير ما مرّة بأنّه كان يضع مصطلحات فرعية لمسائل في اللّغة محاكاة لبعض فروع الفقه.

وهكذا كان ابن جني على وعيٍ كبيرٍ بمسألة ذات أهمية بليغة في الدّرس اللّغوي والنحوي قديماً وحديثاً، وهي: مسألة التّكامل المنهجي بين العلوم العربية، ولم يكن يتوانى عن توظيف مناهج العلوم المختلفة في درسه النّحوي واللّغوي، واستثمارها من أجل مقاربة النّصوص وفهمها؛ ففي نظره أنّ مقاربة أيّ نصّ تستلزم تفعيل فكرة التّكامل المنهجي؛ سواء تعلّق الأمر بنصوص القرآن أو الحديث أو كلام العرب شعره ونثره.

وبناء عليه؛ فأيّ نصّ –في نظر ابن جني- تتجاذبه معارف عديدة، وتتعاور مضامينه علوم مختلفة؛ لذلك اشترط على من رام فكّ مغاليق النّصوص وإدراك معانيها، والنّفاذ إلى مقاصدها ومراميها؛ الاستعانة بتلك العلوم كلّها؛ إذ تُعتَبر كلّها منارات ساطعة تُشعّ على جوانب النّص المظلمة، وتقوم بكشف خباياه المُبْهمة.

ثمّ إنّ هذه العلوم الموظّفة جميعها -في تفسيرات ابن جني في كتابه الخصائص-  تتكامل وتتعاون بهدف بناء معرفة صحيحة وشاملة تبنى من النّص نفسه، ويكون دورها هو التّحصين من التأويلات الخاطئة للنّص المقروء والمتناول بالتحليل. وبذلك حدث تعانق حميم بين مناهج العلوم المختلفة وبين معاني النصوص؛ بحيث يكون الفهم الصحيح لهذه المناهج هو الفهم الصحيح للأساس المعنوي الذي تقوم عليه النصوص.

كما أنّ أيّ عنصر في النّصوص يمثّل جزءاً أساسياً في بناء معناه، سواء أكان عنصراً صوتياً أم صرفياً أم نحوياً أم لغوياً أم دلالياً. فالتفسير المعنوي لكل نصّ يقوم على مفرداته المؤلّفة لجمله، والمعنى لا يمكن الوصول إليه من خلال الكلمات منفردة؛ لذلك صرّح ابن جني في مواطن كثيرة من كتابه الخصائص أنّ الفائدة «لا تُجْنى من الكلمة الواحدة، وإنما تجنى من الجمل ومدارج القول»[16].

واللاّفت للنّظر أنّ ابن جني قد وظّف -في الخصائص- مجموعة من الأدوات الإجرائية ذات الطبيعة المنهجية والصورية؛ إذ قام بتسليط ضوئها على النّصوص قصد النّفاذ إلى عمق معناها والإمساك بمرامي دلالتها. وإذا تأمّلنا طبيعة هذه الأدوات تراءى لنا طابعها الإجرائي التأويلي، وألفيناها تنتمي إلى مجموعة من العلوم والحقول المعرفية المختلفة في مقدّمتها علم أصول النحو وعلم أصول الكلام والفقه.

ويُلاحظ المتفحّص للخصائص أنّ ثقافة صاحبه كانت موزّعة بين لغة ونحو وفقه وأدب، وقد تلاقحت هذه العلوم لتخلق من ابن جني عالماً متمكّناً من العربية وعلومها. ومن خلال استقراء نصوص الخصائص انكشف جانب مهم من شخصية صاحبه ألا هو إحاطته بعلوم عصره، وعمق درايته بخمس اختصاصات متميّزة وهي: علم الكلام والفقه والفلسفة والنحو والأدب.

ومن ثمّ جمع أبو الفتح في كتابه الخصائص مادّة خصبة من علوم العربية؛ إذ استفاد من العلوم التي وقع عليها الإقبال في عصره، واعتبر نفسه رائداً في هذا الأمر؛ لأنّ أحداً من النّحويين واللّغويين لم يقم بهذا العمل المتميّز قبله[17].

ويبقى الموضوع الأساس لكتاب الخصائص هو البحث في أصول النحو على غرار البحث في أصول الكلام والفقه، «وهو بحث فلسفي في اللغة وأصولها واشتقاقها وأحكامها ومصادرها وما يجوز القياس فيه»[18]. ويمكن الإشارة إلى أنّ ابن جني يعترف أنّ الخصائص ليس كتاباً في النحو؛ إذ نجده يقول: «وليكون هذا الكتاب ذاهبا في جهات النظر؛ إذ ليس غرضنا فيه الرفع، والنصب، والجر، والجزم؛ لأن هذا أمر قد فرغ في أكثر الكتب المصنّفة فيه منه»[19].

ويلاحظ قارئ الخصائص أنّ ابن جني لا يتناول المسائل النحوية إلا وهي مقترنة بالبلاغة والعروض والصّرف وغيرها، ولا نحسب ابن جني إلّا رائداً في هذا المجال، بالإضافة إلى محاولته المتميّزة في إبراز العلاقة القائمة بين أصول النحو وأصول الفقه، وذلك حين عقد باباً سمّاه الاستحسان[20]، ويؤكّد شوقي ضيف أنّ ابن جني يطبّق قاعدة الاستحسان في الفقه الحنفي على بعض الأبنية.

وكذلك نستشفّ أثر المباحث الفقهية حين يتحدّث ابن جني عن حمل الفرع على الأصل والعكس؛ إذ يصرّح بأنّه يستضيء بأبي حنيفة في حديثه عن الدّور والوقوف منه على أوّل رُتْبة[21]، والحمل على الظّاهر، وغلبة الفروع على الأصول، واختلاف اللّغات وكلّها حجّة على نحو ما يختلف الفقهاء، ويعود مراراً إلى مراجعة الأصول والفروع، ويدلّ ذلك على تأثّر ابن جني بأصول الفقهاء والمتكلّمين وغيرهم[22].

ولا يهمّ معرفة تأثّر ابن جني بالأصوليين بقدْر ما يهمّ أنّ معرفة أيّة أصول سواء كانت للفقه أم للنحو أم للأدب أم لأي فن آخر؛ ما هي إلّا مناهج وأصول بحث تقوم عليها أحكام ذلك الفن وقضاياه. من أجل ذلك ينبغي أن تكون أصول البحث في مرتبة سابقة أو موازية للبحث أو المبحوث فيه، وهذه طبيعة كلّ أساس يُراد البناء عليه.

والمُلاحظ أنّ اللغويات العربية القديمة قد ارتبطت بجملة أصول وأسس نظريّة؛ غالباً ما لا يتمّ الكشف عنها والتّصريح بها[23]. يقول الإمام جلال الدين السيوطي: «النحو بعضه مأخوذ من كلام العرب (الوصف)، وبعضه مستنبط من الفكر والروية (وهو التعليلات أي التفسير)، وبعضه مأخوذ من صناعات أخرى (يقاطع العلوم الأخرى من فقه وعلم كلام ومنطق)»[24].

ويتّضح أنّ اللّغويين العرب قد وضعوا مفاهيم نظرية، وحاولوا من خلالها إقامة دراساتهم للّغة[25]، وهذه المفاهيم النظرية لم يصرّحوا بها في مقدّمات أعمالهم، ربّما لأنّ طبيعة عصورهم لم تكن تحتاج إلى مثل هذه المقدّمات بقصد توضيح غاياتهم وموضوعات دراستهم ومناهجها؛ أو ربّما عدُّوا هذا الأمر من البدهيات؛ إذ كانوا يفترضون في القارئ درايةً وعلماً بالأمور؛ غير أنّ أقوالهم وتحاليلهم تكشف عن رؤية واضحة، ومقدّمات منهجية ومعرفية تفسّر أعمالهم؛ ممّا يجعلنا نظنّ أنّ الأعمال اللّغوية العربية تسمح بأكبر قدر ممكن من النّظر والتأمّل والتدبّر والاستنتاج.


[1]مقدمة الصحاح: عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت-لبنان، الطبعة الثانية: 1979، ص: 35.

[2]مقدمة ابن خلدون تأليف: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق: عبد الواحد وافي، دار النهضة بمصر، الفجالة-القاهرة، الطبعة: الثالثة، الجزء الأول، ص: 753.

[3] – حدّد ابن خلدون علوم اللّسان العربي في أربعة علوم: علم النّحو وعلم اللّغة وعلم البيان وعلم الأدب، وهو يصرّح أنّ معرفة علم اللغة «ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الأحكام الشرعية كلها من الكتاب والسنة وهي بلغة العرب (…- فلا بد من معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد الشريعة». انظر مقدمة ابن خلدون، الجزء الأول، ص: 753.

[4] – ولقد عُرِف مؤلَّف سيبويه باسم الكتاب، ولقد سماه الناس «قرآن النحو». ومن طريف ما يروى أن أحد نحاة الأندلس وهو عبد الله بن محمد عيسى «كان يختم كتاب سيبويه في كل خمسة عشر يوما»، كأنما يتلوه تلاوة القرآن. انظر كتاب سيبويه لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تحقيق وشرح: الأستاذ عبد السلام محمد هارون، عالم الكتب- بيروت الطبعة الثالثة: 1403ه/1983م، 1/23.

[5] – انظر مقدمة الكتاب: 1/5- 6.

[6] – الكتاب: 1/23. قال أبو جعفر الطبري: فحدثت به محمد بن يزيد على وجه التعجب والإنكار فقال: أنا سمعت الجرمي يقول هذا –وأومأ بيديه إلى أذنيه- وذلك أن أبا عمر الجرمي كان صاحب حديث، فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث.

[7]الأساس المعرفي للغويات العربية: عبد الرحمن بودرع، بحث في بعض المقدمات الكلامية والأصولية للنحو العربي في اتجاه وضع أساس إبستمولوجي للغويات العربية، تطوان: 1999م، هامش ص: 75.

[8] – لقد جرت العادة على اعتبار كتاب سيبويه كتاباً في النّحو، ولكن لا النّحو كما نفهمه نحن اليوم، وكما هو معروف في اللّغات الأجنبية بوصفه: «مجموع القواعد التي تمكن من اتبعها من نطق لغة ما وكتابتها بصورة صحيحة»، فالنّحو العربي كما نقرأه في مرجعه الأول: الكتاب، ليس مجرد قواعد لتعليم النطق السليم، والكتابة الصحيحة باللغة العربية، بل هو أكثر من ذلك قوانين للفكر داخل هذه اللغة، وبعبارة بعض النحاة القدماء: «النحو منطق العربية». انظر كتاب بنية العقل العربي، دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية للدكتور محمد عابد الجابري، كلية الآداب-الرباط، ص: 40، بتصرّف. ولقد أكّد الدكتور شوقي ضيف الفكرة نفسها حين اعترف بأنّ «كتاب سيبويه لا يعلم العربية وقواعدها فحسب، بل يعلم أيضاً أساليبها ودقائقها التعبيرية (…- فهو لا يسجل القواعد فقط، وإنما يفكر في العبارات ويلاحظ ويتأمل ويستنبط خواصها ومعانيها بحسه الدقيق المرهف (…- وبهذا الحس المرهف وما سنده من ملكات عقلية باهرة رسم سيبويه أصول العربية وصاغ لها قوانينها الإعرابية والصرفية». انظر المدارس النحوية للدكتور شوقي ضيف، دار المعارف- مصر، الطبعة الرابعة، بدون تاريخ، ص: 77-93.

وهكذا، فقد اتّفق السلف والخلف قديما وحديثا على إمامة سيبويه وسبقه في تأسيس علم النحو، وتفوّقه في تأصيل وضبط قواعد وقوانين علوم اللسان العربي من لغة ونحو وبيان وأدب. وقد عني العلماء واهتم الدارسون والباحثون بكتابه، وتركّزت جهودهم حوله رواية وتدريساً، وشرحاً وتعليقاً.

[9] – الموافقات: أبو إسحاق الشاطبي، تحقيق أبو عبيدة بن حسن ال سلمان، دار ابن عفان الطبعة الأولى: 1997م، 5/54.

[10] – الأساس المعرفي للغويات العربية، مرجع سابق، ص: 75.

[11] – الأساس المعرفي للغويات العربية، مرجع سابق، ص: 75.

[12]أبو البركات عبد الرحمان كمال الدين بن محمد الأنباري: رسالتان لابن الأنباري: الإغراب في جدل الإعراب، ولمع الأدلة في أصول النحو، تحقيق: سعيد الأفغاني، مطبعة الجامعة السورية/1957م، ص: 80.

[13]محمود فهمي حجازي: علم اللغة العربية، مدخل تاريخي مقارن في ضوء التراث واللغات السامية، وكالة المطبوعات- الكويت، ص: 69.

[14] – الخصائص: 1/145.

[15] – الخصائص: 1/163.

[16] – الخصائص: 2/331.

[17] – يقول ابن جني: «وذلك أنا لم نر أحداً من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه..». انظر النص كاملاً في خطبة الخصائص.

[18]شذى جرار: إبرام الحكم النحوي عند ابن جني، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان الأردن، الطبعة العربية: 2006، ص: 33.

[19] – الخصائص: 1/32.

[20] – انظر الخصائص: 1/133-144.

[21] – «الدور: أن تؤدي الصنعة إلى حكم ما، فإن أنت غيرت صرت إلى مراجعة مثل ما منه هربت، فإذا حصلت على هذا وجب أن نقيم على أول رتبة:

رأى الأمر يفضي إلى آخر *** فـصـيـر آخـره أولا». انظر الخصائص: 1/208-209.

[22]شوقي ضيف: المدارس النحوية، مرجع سابق، ص: 268.

[23] – وتصرّح الدكتورة منى إلياس: «على يدي الخليل تكامل منهج البحث، وتحدّدت أدواته ومذاهب التحقيق فيه، إلا أنّه لم يتناول هذا المنهج ببسط يبين عن جزئياته وكل أداة من أدواته. انظر القياس في النحو لمنى إلياس، ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر، الطبعة الأولى: 1985م، ص: 26.

[24] – الإمام جلال الدين السيوطي: الاقتراح في علم أصول النحو، مصدر سابق، ص: 45.

[25] – تتحدّد الأصول أو الأسس التي يقوم عليها علم من العلوم أو فن من الفنون في نوعين: أصول يصرّح بها صاحب العمل، وأصول ضمنية تستكشف استكشافا. ثمّ إنّ ابن جني كان يسعى إلى إنشاء علم أصول النحو، لذلك كان بحثه في الخصائص منصبّاً على الأسس النظرية والأدوات الإجرائية التي قام عليها تفكير اللّغويين والنحاة، وقامت عليها خلافاتهم المنهجية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ التوجّهات العلمية –حديثا وقديما- قد قامت على تصورين اثنين في العلم: تصور يقوم على التجريب أي على الملاحظة والاستقراء وعدم تهميش الواقع، وتصور يعتبر الوقائع غالباً ما تكون خادعة في ظاهرها. وبالتالي سيؤدي مجرد وصفها واستقرائها إلى نتائج غير موضوعية. وإذا كان هذا الإشكال قائما اليوم في اللغويات الحديثة؛ فإننا نعتبر أن ما حرّك الاستدلالات النحوية العربية -ومن بينها استدلالات ابن جني في الخصائص- لا يشدّ عن هذا الإشكال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.