في دعوة الأقارب والأطفال والنساء (4) الأربعون حديثا الدعوية
في دعوة الأقارب والأطفال والنساء (4) الأربعون حديثا الدعوية/ يعقوب زروق
في دعوة الأقارب والأطفال والنساء (4) الأربعون حديثا الدعوية
بقلم: يعقوب زروق
في الحث على الدعوة وبيان فضلها (1) الأربعون حديثا الدعوية
في التعاون على الدعوة(2) الأربعون حديثا الدعوية
في خدمة أهل الدعوة والصبر على الأذى(3) الأربعون حديثا الدعوية
الحديث العاشر:
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: لَمّا أنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤]، قال: أتى النَّبيُّ ﷺ الصَّفا، فصَعِدَ عليه، ثم نادى: يا صَباحاه. فاجتمَعَ النّاسُ إليه، بيْنَ رَجُلٍ يَجيءُ إليه، وبَينَ رَجُلٍ يَبعَثُ رَسولَه، فقال رَسولُ اللهِ ﷺ: يا بَني عَبدِ المُطَّلبِ، يا بَني فِهرٍ، يا بَني لُؤَيٍّ، يا بَني… أرأَيتُم لو أخبَرتُكم أنَّ خَيلًا بِسَفحِ هذا الجَبَلِ، تُريدُ أنْ تُغيرَ عليكم، صدَّقتُموني؟ قالوا: نَعَمْ. قال: فإنِّي نَذيرٌ لكم بيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ. فقال أبو لَهَبٍ: تَبًّا لك سائِرَ اليَومِ، أما دعَوتَنا إلّا لهذا؟ فأنزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: ١].[1]
” أرأَيتُم لو أخبَرتُكم أنَّ خَيلًا بِسَفحِ هذا الجَبَلِ، تُريدُ أنْ تُغيرَ عليكم، صدَّقتُموني؟ قالوا: نَعَمْ” وفي رواية أخرى: “ما جربنا عليك كذبا”. عندما يكون الداعية صادقا محبوبا في أهله وأقاربه، لا يسعهم إلا أن يسمعوا له ويصدقوه. فإن كان غير ذلك فإن أقرب الناس إليه سيكذبه وينفض عنه.
دعوة الأقارب هي البداية. وهي دعوة وصلة. ذاك أن المؤمن يصل رحمه بأن يحب لهم خير الآخرة. يحرص عليهم أن ينقذهم الله من النار على يده .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
[التحريم: 6]الحديث الحادي عشر:
عن علي كرم الله وجهه قال : أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا نَائِمٌ وَفَاطِمَةُ، وَذَلِكَ مِنَ السَّحَرِ، حَتَّى قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ : ” أَلَا تُصَلُّونَ ؟ ” فَقُلْتُ مُجِيبًا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا نُفُوسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. قَالَ : فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ الْكَلَامَ، فَسَمِعْتُهُ حِينَ وَلَّى يَقُولُ وَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِهِ : ” { وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } “.[2]“وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ”[طه: 132]
ليست الدعوة كلاما يقوله الداعية ويمضي. إنما هي حرص، وتحفيز، ومتابعة يومية وليلية, كما في الحديث. أيقظهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة القيام. ” ألا تصلون ؟” إنكار وتحريض. وقد كثرت الأحاديث التي تخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقف ببيت فاطمة ليلا ويوقظهم للصلاة تاليا قول الله تعالى:
“وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا”[الأحزاب: 33]
إنه فن الدعوة. يذكرهم بفضل الله عليهم. وما يريد الله بهم. يرفع هممهم لطلب معالي الأمور. صلى الله عليه وسلم وعلى آله المطهرين.
دعوة الأقارب هي رأسمال الدعوة. ودعوة الأطفال هي ضمان وأمان لمستقبل الدعوة.
الحديث الثاني عشر:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ : ” يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ “. [3]
خديجة رضي الله عنها وعلي كرم الله وجهه وأبو بكر رضي الله عنه. هؤلاء من أول من أسلم لله تعالى واتبع دعوة رسوله صلى الله عليه وسلم. امرأة وصبي وكهل. ومنذ هذا اليوم علم كل واحد دوره ومهمته. فراح يؤديها أحسن أداء.
لقد حرص صلى الله عليه وسلم على دعوة الأطفال أيما حرص. ثلة مباركة من الأطفال الذين رباهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته: علي، أنس، عبد الله بن عباس، زيد، أسامة، عمر بن أبي سلمة… رضي الله عنهم أجمعين. كل هؤلاء سيصبحون قريبا أئمة هدى يعلمون الناس دينهم.
في الحديث أعلاه تتجلى نوعية الدعوة التي يقصدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتجلى مقاصدها. إنه يعلمه مراقبة الله في كل حين وطلبة معية الله وولايته. واليقين في الله تعالى والتوكل عليه دون سواه. ويعلمه الرجولة والشجاعة في الحق فلا يخاف أحدا من المخلوقين. إنه يخاطبه باعتباره رجلا قادرا وليس صبيا صغيرا.
الحديث الثالث عشر:
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ « اجْتَمِعْنَ فِى يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا ». فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ « مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاَثَةً إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ اثْنَيْنِ قَالَ فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ «وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ ».[4]
حرصه صلى الله عليه وسلم على دعوة الأطفال لا يقل عنه حرصه على دعوة النساء وربما أشد فإن المرأة هي من تربي وتتعهد النشء. كانت تحرص هي على تلقي العلم من رسل الله صلى الله عليه وسلم كما يتلقاه الرجال. رضي الله عن الصحابيات المجاهدات، وأذكر هنا قصة أسماء بنت يزيد الأنصارية: ” أتت النبي ﷺ وهو بين أصحابه، فقالت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلاهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم.
وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا بالجمع والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله وإن الرجل إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مجاهدا، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، أفما نشارككم في هذا الأجر والخير؟ ! فالتفت النبي ﷺ إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: «هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟» فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي ﷺ إليها فقال: «افهمي أيتها المرأة، وأعلمي من خلفك من النساء، أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله». فانصرفت المرأة وهي تهلل.[5]
الحديث الرابع عشر:
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُهَا. فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ ؟ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَتْ : مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ مَعَهَا. [6]
أسماء بنت يزيد تأتي موفدة من النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. تحاج في أعمال الخير التي فضل بها الرجال. تتحدث بكلام حسن جميل ، أثنى عليه صلى الله عليه وسلم ” التفت إلى أصحابه بوجهه كله” وفي هذا الدرس البليغ. ثم يوجهها ومعها من وراءها من النساء إلى قيام الساعة إلى ما يعدل أعمال الرجال.
بعده صلى الله عليه وسلم يستمر اهنمام الصحابة بالنساء دعوة وتعليما. عائشة رضي الله عنها يأتيها الناس للفتوى والحديث. وحفصة رضي الله عنها تستأمن على صحف القرآن الكريم، وامرأة تجادل أمير المؤمنين في الصداق فيسمع لها ويعترف بصواب كلامها. والنماذج كثيرة.
الهوامش:
[1] – مسند أحمد – ومن مسند بني هاشم – الحديث: 2801
[2] – مسند أحمد – مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه – الحديث: 571
[3] – سنن الترمذي – أَبْوَابُ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الحديث: 2516
[4] – صحيح البخارى – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – الحديث: 7396
[5] – – أسد الغابة – أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد ، عز الدين ابن الأثير (ت 630) – تحقيق: علي محمد معوض – عادل أحمد عبد الموجود – دار الكتب العلمية. 1994 – ج: 7 . ص: 17
[6] – صحيح البخاري – فَضَائِلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ – الحديث: 2454