في الحث على الدعوة وبيان فضلها (1) الأربعون حديثا الدعوية
في الحث على الدعوة وبيان فضلها (1) الأربعون حديثا الدعوية/ يعقوب زروق
في الحث على الدعوة وبيان فضلها (1) الأربعون حديثا الدعوية
بقلم: يعقوب زروق
مقدمة
“ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” ﴿١٢٥﴾ [النحل: 125] أمر إلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن اقتدى بهديه من بعده، بالدعوة إلى سبيل الله، وفق شروط حددتها الآية:
- الحكمة: والحكمة هي الصواب ووضع الأمور في موضعها المناسب. والدعوة بالحكمة قد تكون محاضرة أو تكون موقفا لنصرة مظلوم. قد تكون خطبة وقد تكون مواساة، قد تكون كلمة وقد تكون فنا.
- الموعظة الحسنة: نصيحة حسنة، تلامس القلوب. نابعة من قلب رحيم محب.
- الجدال بالحسنى: تقارع الحجة بالحجة. وتجادل الأغيار جدال دليل وبرهان لا جدال عناد ومراء.
بهذه الشروط تكون دعوة ناجحة. وقال سبحانه محفزا على الدعوة مبينا أن لا قول أفضل من دعوة الناس إلى الله.
“وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”[فصلت: 33] .
عمل صالحا في نفسه قبل أن يدعو غيره. تبدأ الدعوة بالنفس يدعوها صاحبها إلى العمل الصالح والاستقامة على طريق الحق. فالدعوة عمل شريف عظيم اصطفى الله لها أفضل خلقه أنبياءه ورسله. وندب عباده المؤمنين لها، اقتداء برسله ووراثة لهم.
في عصرنا حيث الفساد على أشده، وحيث الحرب على الإسلام بل على كل القيم الإنسانية. تتأكد فريضة الدعوة. وتكاد تصير فرض عين على كل مسلم علم آية أو حديثا. بيد أنه ثمة مبادئ دعوية يجب فهمها وثمة ضوابط شرعية ينبغى مراعاتها وثمة وسائل وتقنيات لا بد من اكتسابها.
لذلك جاءت هذه الأربعين الدعوية نبراسا تنير للداعية طريقه. منها يستخلص الداعية مبادئ الدعوة وضوابطها ووسائلها كذلك. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير داع ما ترك خيرا إلا دلنا عليه ولا شرا إلا حذرنا منه. ﭧ ﭨ
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا (46)}.[الأحزاب: 45-46].
الحديث الأول:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَغَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا [1]«.
نقف بداية مع لفظ ” في سبيل الله “ هذه الكلمة الدالة أساسا على إخلاص النية لله تعالى. النية هي أساس كل عمل فإن صلحت صلح العمل وإن فسدت فسد. {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162-163]
عن عمر بن الخطاب:رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّما الأعْمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى، فمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها، أوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيْهِ.[2]
إن خلصت نية الداعية في دعوته لا عجب أن تكون الغدوة أو الروحة الدعوية خيرا من الدنيا زما فيها كما في الحديث.
قد يفهم المتعجل الحديث على أنه حض على القتال. لكن الأمر غير ذلك، فإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو أو يرسل السرايا للدعوة في سبيل الله. ولا يكون القتال إلا عارضا لمن وقف في سبيل الدعوة وحاربها. فإن المقصد من الغدوة والروحة في سبيل الله إنما هو تبليغ رسالة الله للعالمين. لذلك كان الفضل عظيما فكانت خيرا من الدنيا وما فيها.
غدوة أو روحة للدعوة في سبيل الله جهاد وأي جهاد، جهاد للنفس المتثاقلة إلى الأرض، مؤثرة راحتها وراضية بحالها. وجهاد علمي إذ الدعوة تحتاج علما وبينة يتسلح بهما الداعية قبل خروجه. وجهاد للناس حين يهزؤون ويحقرون ويكذبون ويلمزون. وجهاد للأعداء المستكبرين إذ جيشوا كل جهد ومال لصد الناس عن سبيل الله.
غدوة أو روحة للدعوة يخالط فيها الداعية الناس في الواقع، أو يتواصل معهم في المواقع. مستعينا بما فتحه الله على الناس من وسائل وتقنيات حديثة.
الحديث الثاني:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ يَتَّبِعُهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ يَتَّبِعُهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ».[3]
غدوة أو روحة في سبيل الله يبتغي منها الداعية فضل الله الموعود به من دل على هدى فينال أجور من تبعوا دعوته. فإن فضل الله كبير، وعطاؤه غير محظور. ينافس بغدوته وروحته دعاة الضلال، يحرص أن ينقذ منهم عبدا أو أمة. فإنهم لا بفتؤون يضلون عن سبيل الله.
“وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ”[لقمان: 6]
من مستكبري قريش من كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس، يعقد إلى جنبه مجلسا ضرارا، يحدث فيه الناس عن أساطير كسرى ورستم. ومنهم من اشترى مغنيات من الجواري يلهي بغنائهن الناس عن سماع القرآن. ولمستكبرو عصرنا أشد اجتهادا في صد الناس عن دعوة الله. ما تركوا وسيلة إلا اتخذوها لهوا يضلون به الناس.
فالداعية في تدافع مع هؤلاء، وفي جهاد ورباط.
الحديث الثالث:
عَنْ أَبِي صَالِحٍ – مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ – قَالَ : سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي كَتَمْتُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي، ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ لِيَخْتَارَ امْرُؤٌ لِنَفْسِهِ مَا بَدَا لَهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ »[4].
الرباط هو ربط النفس وحبسها على ما تكره. وهو القيام على ثغور الإسلام وحمايتها أن يأتي منها العدو. ولا ثغر أعظم من ثغر الدعوة، المستبيح في عصرنا. إذ هجمت علينا في عقر بيوتنا دعوات الضلال والفساد. فلا ريب أن يكون الرباط على هذا الثغر أعظم القربات إلى الله. رباط تربية للذرية حفظا لفطرتها المستهدفة من قوى الشر العالمية الجاهرة بذلك، ورباط تعليم للناس في مجالسهم وطرقاتهم. ورباط رد شبهات المشككين بالحجة الدامغة، ودفاع عن دين الله. ورباط تحبيب لدين الله للناس مسلميهم وكفارهم.
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”[آل عمران: 200] قال ابن كثير في تفسيرها: ” وَأَمَّا الْمُرَابَطَةُ فَهِيَ الْمُدَاوَمَةُ فِي مَكَانِ الْعِبَادَةِ وَالثَّبَاتِ.” فيكون أعظم الرباط الثبات في وجه دعاة الضلال. حراسة للمسلمين أن يغزوهم ويستبيحهم. ليس أرضهم فحسب وإنما يستبيح قلوبهم وعقولهم وأعمالهم. فيصيرهم إلى ما شاء من فتنة وضلال.
الحديث الرابع:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [5]
في رباطه ذاك وحراسته لدين الله لا ينسى نفسه.
عين بكت من خشية الله، في الغيب، في جوف الليل وثلثه الأخير حين يقوم المحسنون لا يهجعون، يتبتلون ويدعون ربهم، يقومون بين يديه اقتداء بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم ثلثي الليل ونصفه وثلثه. هذه العين الباكية من خشية الله هي الأجدر والأقدر على أن تبيت تحرس في سبيل الله.
تحرس دين الله أن يتلاعب به المتلاعبون، خاصة في زمن الإعلام. فأعظم الخير أن يفوز العبد بالحسنيين معا. قيام لله وحراسة في سبيل الله. بالأولى يستعين على الثانية. وامتثالا للأمرين القرآنيين في السورتين:
{يا أيُّها الْمُزّمِّلُ (1) قُمِ اللّيْل إِلاّ قلِيلا (2) نِصْفهُ أوِ انْقُصْ مِنْهُ قلِيلا (3) أوْ زِدْ عليْهِ ورتِّلِ القرآن ترْتِيلا (4)}[المزمل: 1-4]
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ قُمۡ فَأَنذِرۡ وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ فَذَٰلِكَ يَوۡمَئِذٖ يَوۡمٌ عَسِيرٌ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ غَيۡرُ يَسِيرٖ ذَرۡنِي وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِيدٗا [المدثر: 1-11]
فما أحوج الداعية لساعات في الليل يستمد خلالها أنوار الهداية ليشع بها في الناس إذ يدعوهم. فإنها تكون دعوة بتراء عرجاء إن انفصلت عن ناشئة الليل.
في سورة المزمل بشارة للمؤمنين بالأجر العظيم.
“إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٢٠﴾” [المزمل: 20
وكذلك الشأن في سورة المدثر بشارة ونذارة وبيان لمصير المعرضين عن الدعوة الواقفين في طريقها. تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ﭧ ﭨ ﱩ ﯰ ﯱ {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) [المدثر: 11-17]
الحديث الخامس:
عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:« تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَن جاهَدَ في سَبيلِهِ لا يُخْرِجُهُ مِن بَيْتِهِ إلّا الجِهادُ في سَبيلِهِ وتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ، أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، أوْ يَرُدَّهُ إلى مَسْكَنِهِ بما نالَ مِن أجْرٍ أوْ غَنِيمَةٍ.[6] «
وعد إلهي بإحدى الحسنيين للمجاهد في سبيل الله. إما الجنة أو الرجوع سالما غانما. هذا الوعد لمن حقق شرطان اثنان:
- الخروج من بيته لا لشيء إلا للجهاد. والجهاد هنا جهاد الدعوة وتبليغ رسالة الله للعالمين. فالأمر مخالطة للناس ومدافعة.
- تصديق كلمة الله. وكلمة الله ما فرضه الله من الجهاد والدعوة وما وعد به من إظهار الدين وما بشر به من جزاء لمن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين.
هناك أصحاب الأعذار، تمنعهم أعذارهم من الخروج في سبيل الله. لهؤلاء حظ من فضل الدعوة إن هم أعانوا عليها. بما أمكنهم.
الهوامش:
[1] – صحيح البخاري – كتاب الجهاد والسير– حديث: 2830
[2] – صحيح البخاري – باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – 1
[3] – سنن الترمذى – أبواب العلم – حديث: 2889
[4] – مسند أحمد – مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه- الحديث: 470
[5] – سنن الترمذي – أبواب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث: 1639
[6] – صحيح البخاري – كتاب التوحيد- الحديث: 7463