في التعاون على الدعوة(2) الأربعون حديثا الدعوية
في التعاون على الدعوة(2) الأربعون حديثا الدعوية / الأستاذ يعقوب زروق
في التعاون على الدعوة(2) الأربعون حديثا الدعوية
بقلم: الأستاذ يعقوب زروق
الحديث السادس:
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ أَظَلَّ رَأْسَ غَازٍ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا حَتَّى يَسْتَقِلَّ بِجَهَازِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ »[1].
التعاون على الدعوة مطلب ملح. فإن الناس أصناف. فضل الله بعضهم على بعض. ورفع بعضهم درجات. منهم من يملك فصاحة اللسان وملكة الحجاج والجدال، وتعوزه كسب العلاقات مع الناس. ومنهم من قد يكون أميا بسيطا، بيد أنه قريب من الناس سهل محبوب. فيحتاج هذا لفصاحة ذاك ويحتاج ذاك لعلاقات هذا. والمؤمن لا يحقر من المعروف شيئا.
نماذج مشرقة للدعاة، أنبياء الله ورسله وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحضر الداعية تعاونهم. هذا أبو بكر رضي الله عنه أسلم على يديه في أول يوم من أيام الدعوة ثلة من المبشرين بالجنة، وهذا مصعب رضي الله عنه أسلم على يديه جل أهل المدينة. وذاك الغلام الذي بذل نفسه ليسلم الناس فكان له ما أراد، – تأتي قصته لاحقا – . إلى غير ذلك من النماذج الدعوية التي لسنا نحن إلا تمرات لها، ندعو لهم كل حين ونترضى عنهم، بما حملوا لنا هذا الدين وحفظوه وأوصلوه لنا كما أنزل. رضي الله عنهم أجمعين.
الحديث السابع:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ! فُقِدْتَ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِكَ، وَاتَّهَمُوكَ بِالْعَيْبِ لِآبَائِهَا وأديانها! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَدْعُو إِلَى اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ»، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ كَلَامِهِ، أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَانْطَلَقَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَا بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ أَحَدٌ أَكْثَرَ سُرُورًا مِنْهُ بِإِسْلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَمَضَى أَبُو بَكْرٍ فرَاحَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَأَسْلَمُوا، وجَاءَ الْغَدَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَأَبو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَالْأَرقمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ، فَأَسْلَمُوا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ[2] «
أيد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بصديقه أبي بكر رضي الله عنه . استثمر أبو بكر مكانته بين الناس فكانت حصيلة اليوم الأول من أيام دعوته ثلة من كبار السابقين الذين أبلوا البلاء الحسن منذ إسلامهم رضي الله عنهم. كان رضي الله عنه يختار أطيب الناس معدنا وأنفعهم للدعوة. أتى بأشجع الناس: الزبير وطلحة وسعد. وأغناهم: عثمان وعبد الرحمن بن عوف. وأتى بالأرقم بن أبي الأرقم من صارت داره مقرا للدعوة. كان رضي الله عنه حكيما في دعوته خبيرا بمعادن الناس. فضل أبي بكر على هذه الأمة لا يضاهى. فرضي الله تعالى عنه وجزاه عنا خير الجزاء. وقد لقي في سبيل الله ما لقي من أذى المشركين. استصغر كل ذلك بما رزقه في قلبه من محبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن هشام ما لحق أبا بكر عندما قام يدعو إلى الله وإلى رسوله، وثار المشركون عليه فوطىء، وضرب ضربا شديدا قال: “وحملت بنو تيم أبا بكر، وهم لا يشكّون في موته، وتكلّم آخر النهار، فقال: ما فعل رسول الله ﷺ فمسّوا منه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئا، أو تسقيه إياه، فلمّا خلت به ألحّت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله ﷺ؟ فقالت: والله مالي علم بصاحبك…قال: فإنّ لله عليّ ألا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله ﷺ، فأمهلتا، حتى إذا هدأت الرّجل، وسكن الناس، خرجتا به يتّكىء عليهما، حتى أدخلتاه، ورقّ له رسول الله ﷺ رقة شديدة فقال أبو بكر: بأبي وأمّي يا رسول الله ليس بي بأس إلا ما نال مني الفاسق من وجهي، وهذه أمّي برة بولدها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع لها عسى أن يستنقذها بك من النار، فدعا رسول الله ﷺ لأمّه، ودعاها إلى الله، فأسلمت”[3]
صبر أبي بكر درس وعبرة لكل داعية. فإن طريق الدعوة طريق ابتلاء وأذى وتمحيص. يحتاج تكاثف جهود الدعاة لقيام بالواجب. ومن التعاون تهييء الظروف للداعية.
الهوامش:
[1] – مسند أحمد – مُسْنَدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – الحديث: 376
[2] – أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ج: 46/ ص: 30. رقم: 5392
[3] – السيرة النبوية لابن هشام- عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري ) ت 213 ) تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي – ج 1 – ص 289