منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

إذا صح الحديث فهو مذهبي

الشيخ الحسن ولد الددو الشنقيطي / إذا صح الحديث فهو مذهبي

0

إذا صح الحديث فهو مذهبي

لفضيلة الشيخ الحسن ولد الددو الشنقيطي

نعم هذا كلام الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمة الله عليه و روي نظيره عن الأئمة المجتهدين، فقد قال أبو حنيفة رحمه الله: *إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أو عن أحد من أصحابه فعلى الرأس و العين، فإن لم يأت إلا عن عبيدة و زر بن حبيش و طارق بن شهاب فهم رجال و نحن رجال، و كذلك قال مالك: *ما منا أحد إلا راد و مردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه و سلم*، و قال مالك رحمه الله: *كلٌّ يؤخذ من قوله و يرد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم*، و كذلك قال أحمد بن حنبل رحمه الله : *إذا وجدتم قولا لي يخالف قول رسول الله صلى الله عليه و سلم فارموا بقولي عرض الحائط*. فكلهم كذلك يجب عليهم أن يقولوا هذا و قد قالوه، و يجب علينا نحن ألا نقيس رسول الله صلى الله عليه و سلم بأي أحد و لا نعادله بأي أحد من الناس، فالله يقول:لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا*، فرسول الله صلى الله عليه و سلم هو الرسول الذي ارتضاه الله لنا و نحن رضينا به رسولا و نبيا.

أما المجتهدون فهم يخطئون و يصيبون و ما بأيدهم جميعا إنما يستنبطونه من هذا الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقد يفوت بعضَهم بعضُه، لا يصل إليهم أصلا و قد يصل إليهم و لكنهم لا يفهمونه، و قد يصل إليهم ضعيفا لا يصل إلى مستوى الاحتجاج لدى بعضهم، و قد يأتيهم ما ظاهره التعارض أو يخفى عليهم دلالته، و قد يفهمونه على مقتضى واقعهم و زمانهم و يتغير الواقع، لذلك لا بد أن نعلم أن اجتهادات المجتهدين تُنزّل في نصابها و لا تتعدى ذلك، و ليس لذلك مستوى من العلم محددا أو من الدراسة محددا، فالسائل يسأل لو درس خمس عشرة سنة، بعض الناس لو درس مئة سنة ما وصل إلى هذا المقام و بعضهم يدرس مدة يسيرة و يفتح الله له فيصل إلى هذا المستوى. فالقضية قضية تزكية، فأهل العلم الراسخون فيه هم الذين يزكون الناس و يعرفون من هو أهل لذلك، كما قال مالك: *ما تكلمت في هذا الأمر حتى شهد لي سبعون محنكا أني أهل لذلك. و إذا صدروا أحدا للفتوى أو جعلوه مرجعا و نصبوه للناس فهذا يعتمد على تزكية الآخرين و ينطلق من ذلك. و قد يدرس الإنسان الآن علوما كثيرة و مع ذلك يبقى محتاجا إلى فهم كثير من ظروف النصوص، قد توسعت العلوم في زماننا أكثر من زمان المتقدمين، فالمتقدمون مثلا في أول تدوين العلم كانت العلوم محصورة في علم واحد هو علم السنة، كان شاملا للعقائد و التفسير و الفقه و غير ذلك ثم بعد ذلك تفرعت العلوم و أصبح لدينا اليوم علوم كثيرة و تخصصات كبيرة ، يكفي أنه في مؤسسة واحدة و هي مركز تكوين العلماء يدرس ثلاثة و ستون علما من العلوم الشرعية، و هذا يدلنا على كثرة العلوم الشرعية و تشعبها في زمننا هذا و أن على الإنسان أن يعلم أن كل ما لدينا من العلم إنما هو نقطة لا تساوي شيئا في بحر علم الله تعالى كما قال الخضر لموسى عليهما السلام عندما نزل طائر على طرف السفينة فنقر نقرتين أو نقر نقرة أو نقرتين من البحر، قال الخضر لموسى: *أترى هذا الطائر ما نقص علمي و علمك من علم الله إلا ما نقص هذا الطائرمن البحر*.

وبذلك يدرك الإنسان أنه دائما محتاج إلى الازدياد من العلم، و لا شك أنه إذا وصل إلى مستوى يفهم به النصوص و استطاع أن يبدل جهده حتى أيقن أنه لا يستطيع بذل أكثر من ذلك و اطلع على أدلة المجتهدين و عرف مآخذهم و من أين أتوا فإنه حينئذ يستطيع الترجيح و لو لنفسه فقط، فقد لا يحسم الخلاف، فلو اختلف مالك و الشافعي مثلا في مسألة فجاء أحد اليوم و قال الراجح كذا فقد ازداد أحد القولين بصوت واحد.

وقد ذكرت أن بعض طلاب العلم المبتدئين قد يخيل إليه أنه بمجرد أن يعرف هو صحة حديث أو إخبار أحد من أهل العلم بتصحيح حديث أن المسألة حسمت و أن المسألة لم يعد فيها خلاف أصلا و يتعصب لذلك الذي ترجح لديه، و لا شك أن هذا قصور في الفهم فلابد أن يصح الحديث نعم، لابد من صحة الحديث و لابد أيضا من وضوح دلالته و مقتضاه و لا بد كذلك من الجزم بعدم وجود المعارض كتابا أو سنة، و لابد أيضا من البحث في النسخ و التخصيص و لابد من البحث في التعارض و التعادل و الترجيح، فإذا كان الإنسان قادرا على ذلك في الأصول و في الأدلة و الحديث و عرف أقوال أهل العلم و عرف مواقع الإجماع، نعم هذا فعلا له الحق في أن يرجح خلاف مذهب إمامه و أن يبين أن هذا هو مذهب إمامه لأنه موافق لقواعده و لأنه على مقتضى قوله إذا صح الحديث فهو مذهبي و إلا فليس الحال كذلك، لا يمكن أن يكون هذا القول الذي قاله الإمام الفلاني، الشافعي مثلا، ليس مذهبه لأن الحديث صح على خلافه. هل صح هذا الحديث بمعنى كل هذه الشروط أو صح فقط صناعة حديثية و لم تجزم بأن له معارض و لم تجزم بأنه غير منسوخ و أنه ليس فيه دلالة خفية أو أنه سالم من العلة أو أنه لا يوجد ما يقتضي العدول عنه لدليل آخر… إلخ، فهذه أمور يحتاج إليها المتبصر و هي تأخذ وقتا و جهدا و كثير من طلاب العلم المبتدئين يضيقون ذرعا بها و لا يستطيعون الوصول إليها.

*عن برنامج ليتفقهوا في الدين*

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.