منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

 هل تعلم يا أبي؟ (قصة قصيرة)

 هل تعلم يا أبي؟ (قصة قصيرة)/ رشيد الفائز

0

 هل تعلم يا أبي؟ (قصة قصيرة)

رشيد الفائز

كان الأب في مسامرة مع زوجته حين جاءت طفلتهما تمشي على استرخاء، وكان النوم يداعب أجفانها، فالطفلة ذات الإثني عشر ربيعا لاتريد أن تنام قبل سماع حكاية المساء من في أبيها ذي النبرة اللطيفة. فكلما سمعته يقص عليها القصص، إلا وأحست أن العواصف التي تميد بروحها تهدأ شيئا فشيئا، وأن جروح نفسها المتعبة طوال اليوم تندمل بشكل عجيب فتخلد إلى النوم لاستقبال يوم جديد.
لكن هذه الليلة كانت مختلفة عن المعتاد، فقد بادرت البنت بالكلام وهي ممددة على فراشها والأب يصغي بكل اهتمام:

– هل تعلم يا أبي أنني اتصلت بصديقتي العزيزة عفاف وسمعت منها أخبارا غير سارة وحزنت كثيرا لذلك.
– خيرا يا ابنتي ! فالحياة مليئة بالتحديات والمتاعب أو لنقل أننا في امتحان دائم. فقد قال الله تعالى: ﴿ لقد خلقنا الإنسان في كبد ﴾ أي في مكابدة ومشقة دائمة ومستمرة حتى نلقى الله تعالى.
– لكن يا أبي لم أكن أتصور أن صديقتي ستصل إلى هذا الحد من الانحراف بعدما انتقلت إلى المدينة الكبيرة منذ عامين.
– وما طبيعة هذا الانحراف ؟
– آه يا أبي، إنني أستحي من ذكر ذلك. المهم، فإن هذه البنت كانت من أعز صديقاتي لما كنا صغارا في الصفوف الابتدائية وكنا لا نفترق أبدا حتى يخيل للجميع أننا أخوات. لكن منذ افترقنا وسكنت كل واحدة منا في مدينة بعيدة عن الأخرى حتى وقع ما وقع.
– آه لقد زدت من حيرتي ومن قلقي، ماذا وقع ؟
– لقد ربطت عفاف علاقة مع أحد الشبان في تلك المدينة، الشيء الذي لم يعجبني، وتعجبت لفتاة ذكية مثلها أن تربط علاقة بشاب تعرف هي ويعرف هو أن هذه العلاقة لا أساس لها ولن تفضي إلا إلى المتاعب والمشاكل. لكنها أحرجتني بسؤالها:

– وما العيب في ذلك ؟ فإنه يحبني وأحبه ؟

– ولم أجد إجابة على سؤالها رغم أنني على يقين من أن كل علاقة بين ذكر وأنثى بغير قصد الزواج وفي غير وقت القوامة والحافظية تبقى عبثا في عبث.

– قلت لها إذا: هل أنت راضية عن نفسك ؟

– فردت: هل هذا حرام ؟

– فقلت لها: هل والداك على علم بما تفعلينه ؟
– فقالت : لا
– إن كان حلالا، فلم تخفيه عنهما ؟ فأطرقت وحاولت التهرب من أسئلتي .

– إسمعي يا عفاف أنت تعرفين مدى حبي لك منذ إذ كنا في المدرسة الابتدائية. وتعرفين أنني لا أريد إلا مصلحتك التي يمليها علي واجب الصداقة والمحبة التي بيننا.

– لن أثقل عليك بالمواعظ والخطب بل سوف أنصحك بشيء واحد فقط !
– وما هو ؟
– الصلاة !
– آه عن الصلاة  !
– كيف ؟ هل انقطعت عن الصلاة ؟
– منذ رحيلك صليت أسبوعا أو أسبوعين ثم تراكمت صلواتي حتى لم أعد قادرة على الاستمرار.
ومما زاد من نفوري كذلك ما وقع لي مع أميرة.
– من أميرة ؟
– البنت التي كانت تسكن في نفس حينا بجانب دكان الحاج مختار.
وما شأنها بك ؟
– ذات يوم كنت جالسة في الحديقة رفقة الشاب المذكور، فمرت بنا وأخذت تصرخ في وجهي وأمام الجميع: أنت مسلمة ما ينبغي لك أن ترافقي هذا الشاب فهذا حرام. ألا تخجلين من نفسك ؟… ولم تتوقف عن الصراخ حتى هممت بضربها.
– هذه ليست نصيحة بل فضيحة  !

– المهم أشكرك صديقتي الغالية، فعلى الأقل أنت لم تعنفيني مثلها، ولم تزيديني أثقالا فوق أثقالي.
– إسمعي صديقتي عفاف إعلمي أن الله تعالى يحبك لأنه أرسل لك من يذكرك بالطريق القويم، ويحبني لأنه أرسلك إلي حسنة من الحسنات، ألم يقل رَسُول اللَّه ﷺ : { مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْر مِثلُ أُجورِ منْ تَبِعهُ لاَ ينْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا }.ويحبنا نحن الإثنتين لأنه حفظ لنا المحبة التي بيننا إلى اليوم وها نحن نتفقد بعضنا البعض، ونحكي مشاكلنا وهمومنا لبعضنا، لعل الله يرشدنا لأقوم السبل.
– آه يا صديقتي كلامك عذب ينزل على قلبي مثل الندى وعيناي تذرفان دموعا بغير قصد مني.
– تلك رحمة الله يرحم بها عباده المومنين، ويتوب بها على عباده المذنبين.ألم تسمعي قول الله تعالى:﴿ قُلْ يَاعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾
– لقد تأخر الوقت، نبقى على اتصال.
– نعم حبيبتي.
وأنت يا بنيتي استريحي فقد تأخرت عن موعد النوم فغدا فجر جديد .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.