منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

شهادات بعض المفكرين المسيحيين في نفي ‘صلب’ المسيح

شهادات بعض المفكرين المسيحيين في نفي 'صلب' المسيح/ الدكتور مصطفى العلام

0

شهادات بعض المفكرين المسيحيين في نفي ‘صلب’ المسيح.

الدكتور مصطفى العلام

تزامنت قضية الشك في قصة ‘صلب’ المسيح عليه السلام مع انتشار العلوم والمعارف، وتقلصت سلطة الكنيسة، بعد أن كان تداولها محصورا بين رجال الدين في الكنائس فقط. وأيضا بعد أن تم السماح لعامة الشعب بالإطلاع ودراسة الكتاب المقدس، «بعد أن كان الناس يكتفون بترديد بعض التراتيل والأناشيد في المناسبات والاحتفالات الدينية« [1].

ولذلك فإننا سنتناول في هذا المحور الأخير من السلسلة التي خصصناها لقضية’صلب’ المسيح في الاعتقاد المسيحي، شهادات بعض المفكرين والباحثين في الديانة المسيحية الذين ينفون قصة صلب المسيح، وفما يلي بعض هذه الشهادات:

ـ قال “ملمن” في كتابه” تاريخ الديانة النصرانية” «وبالجملة فإن أغلب الشعوب الشرقية قبل الإسلام رفضت مسألة الصلب والقتل،كما أن تنفيذ الحكم على المصلوب كان أثناء الظلام مما يستنتج منه إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا منتظرين تنفيذ الحكم« [2].

ـ وقال “باسليوس الباسليدي”: « إن نفس حادثة القيامة أي دعوى قيام المسيح من الأموات، المدعى بها بعد الصلب الموهوم، وهي ضمن البراهين الدالة على عدم حصول الصلب على ذات المسيح ومعلوم أن نصارى سوريا هم الذين وقعت هذه الكارثة بينهم فهم أقرب الناس إلى العلم بحقيقتها، وكذلك من جاورهم من نصارى المصريين، وغيرهم لحصول الجوار وقرب المسافة، فشهادتهم أقرب للحق من غيرهم« [3].

ـ يقول ” إدوار دسيوس” في كتابه- عقيدة المسلمين في بعض مسائل النصرانية– «إن القرآن ينفي قتل المسيح وصلبه وأنه ألقى شبهه على غيره فغلط اليهود فيه وظنوه أنهم قتلوه، وما قاله القرآن كان موجودا عند طوائف من النصرانية « [4]. وهذه شهادة من أحد علماء النصارى يشهدون بصدق القرآن الكريم ومصداقيته.

ـ وذكر المستشرق الإنجليزي ”جورج سايل ” في ترجمته للقرآن الكريم في سورة آل عمران: «أن طوائف النصارى الكربوكراتيين كانوا يعتقدون أن المسيح نفسه لم يصلب، وإنما صلب واحد آخر من تلاميذه كان يشبهه تماما.

وقد ورد أيضا في تاريخ موسيهيم أن كثيرا من فرق النصارى كانت ترفض حصول الصلب رفضا كاملا لأن البعض منهم كان يعده إهانة لشرف المسيح، ونقصا يلحق به، والبعض الآخر كان يرفضه استنادا على الأدلة التاريخية وهؤلاء الرافضون للصلب طوائف كثيرة، وقد انقرضت تلك الطوائف جميعا بعد أن تبنت الدولة الرومانية عقيدة التثليث 325م إثر اعتناقها للنصرانية ولم يبق لها وجود بعد ذلك« [5].

ـ ويقول أيضا ‘فنك ‘Funk مؤسس ندوة عيسى:فكان أول من ألقى الشكوك على قصة الصلب قائلا« إن قصة إلقاء القبض على المسيح ومحاكمته وإعدامه هي في معظمها من نسج خيال مرقس، وأن قصة الصلب لا تليق أن تحدث للمسيح إطلاق« [6].

ـ وكتب “ويلسون wilson” « ليس هناك من براهين حقيقية وصادقة لقصة اعتقال عيسى وإعدامه، فالاعتقال والمحاكمة والصلب من نسج الخيال، إذ لا يعقل أن يقوم اليهود بخرق أكثر أعيادهم قداسة لأجل محاكمة شخص« [7].

ـ أما “بوتن ماك Mak فليس لديه أي شك بخرافة القصة حيث كتب «أما بالنسبة لقصة الصلب والقيامة، فإن مرقس أول من كتب القصة وأخذ الفكرة الأساسية من أسطورة كريستوف، غير أنه تجرأ بأن تخيل كيف يمكن أن تبدو قصة الصلب والقيامة لو كتبها تاريخا فعليا تمت أحداثه في القدس، وهو ما كانت الأسطورة ترفضه، وهكذا يمكننا ن نفهم قصة مرقس باعتبارها دمجا لأحداث عيسى الحقيقي مع أسطورة كريستوس« [8].

ـ وكتب “غيزا فيرنيس Gesa Vernes ” «لم يكن النصارى يعتقدون بقصة آلام المسيح ولا بصلبه وأن أحداث محاكمة المسيح من قبل المحكمة اليهودية العليا بتهمة دينية، وصدور الحكم ثم المصادقة عليه من طرف السلطة السياسية، فكل هذه الأحداث ليست خارج نطاق الالتباس والريبة« [9].

ـ وكانت رسالة” شيث” الكبير الثانية من جملة المخطوطات التي تم اكتشافها في نجع حمادي بمصر في عام 1945 م وقد ورد فيها على لسان المسيح ما يلي: «لقد كان شخص آخر الذي شرب المر والخل لم يكن أنا، كان شخصا آخر شمعون الذي حمل الصليب على كتفيه، كان شخص آخر الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه، في حين كنت أضحك مبتهجا في الأعالي من فوق كان خطأهم، وكنت أضحك من جهلهم ” كما ورد أيضا في مخطوطة رؤيا بطرس “المكتشفة أيضا في نجع حمادي ما يلي “لقد رأيته كما بدالي في ظاهره، وهم يقبضون عليه فقلت: ماذا أرى ؟ يا إلهي هل أنت حقا الذي أخذوه ؟ وهل يدقون المسامير في قدمي ويدي شخص آخر ؟ ومن هو الذي فوق الصليب يضحك مبتهجا ؟ قال لي: هذا الذي تراه يضحك فوق الصليب هو المسيح الحي، أما الذي يدقون المسامير في يديه ورجليه فهو البديل لقد ألحقوا العار بشبيهي الذي بين أيديهم، فأنظر إلي وأنظر إليه”، وجاء على لسان المسيح أيضا “لم يحدث لي أي شيء مما يقولون”

فالأناجيل القبطية التي تم العثور عليها ضمن مخطوطات نجع حمادي بمصر لا تعرف محاكمة بيلاطس ولا تعترف بالصليب الذي وضعته كنيسة روما « [10].

أهم النظريات المسيحية القائلة بنجاة المسيح

ظهرت نظريات مسيحية أخرى تعطي للمسيح فرصة للنجاة من القتل على الصليب، وهي تختلف تماما عن القول الإسلامي، لأن معظم هذه النظريات قائمة على فرضية تحقق وقوع الصلب وإنكار القيامة، ويمكن حصر هذه النظريات فيما يلي:

1 – نظرية الإغماء: وخلاصتها أن يسوع أصابته إغماءة شديدة على الصليب، فاعتقد صالبيه أنه قد مات فأنزلوه من الصليب ودفنوه، وفي القبر فاق من إغماءه وساعده حارس القبر ففتح له القبر وخرج، وظن أتباعه أنه قام من الموت بعد ثلاثة أيام فهناك عدم فهم لقيامته وموته المظنون.

«وممن قال بهذه النظرية ‘هيرمان رياماروس، كارل فنتوريني، هينرتش بولس، وهم من علماء النقد الكتابي وذلك في منتصف القرن التاسع عشر، وهذه النظرية لا تزال إلى الآن ويقول بها بعض علماء النقد المسيحي الحاليين منها على سبيل المثال:كتاب “دافنتشي كود”،-أي شفرة دافنتشي- الذي ظهر مؤخرا، ومن قبله كتاب” الدم الملكي والكأس المقدّسة « [11].

2- نظرية الاحتمالات: وهي نظرية تدور في فلك نجاة يسوع من الموت على الصليب وبالتالي عدم دفنه وقيامته من الموت، وتلك ترتكز أساسا على إبطال القيامة، كما ترى أن المسيح بعد نجاته من القتل صلبا قد مات موتا عاديا في مكان آخر وتوقيت آخر وانتهى الأمر.

وقد قدم الباحث الأمريكي ‘ريتشارد كارير’ باستخدام جيد لنظرية الاحتمالات الرياضية في حساب إمكانية نجاة المسيح من القتل صلبا، حيث أعطى لكل فقرات قصة الصلب والقيامة الإنجيلية نسبا عددية تتلاءم معها ليقوم في النهاية بحساب المعادلة العامة للاحتمالات، وكانت النتيجة النهائية هي نجاة يسوع من القتل صلبا.

3- نظرية البديل: وهي نظرية قال بها كثير من قدماء المسيحية وكتبة الأناجيل والرسائل الأبوكريفة، وهي خدعة استخدم فيها البديل نيابة عن المسيح، وأشيع بأن المصلوب هو المسيح، وكان البديل إما سمعان القيرواني أو يهوذا الإسخريوطي. «ومن القائلين الأوائل كان باسيلديس الاسكندري القبطي وأتباعه الأقباط حيث أشار إلى أن الصلب كان خدعة، ولم يصلب المسيح ولم يقتل تم إحلاله بسمعان القيرواني فصلب بدلا منه، فالمصلوب سمعان وليس المسيح، ونجد في أحد أناجيل نجع حمادى لشيث الكبيرأن المسيح يقول فيه ” أنا لم استسلم لهم كما خططوا، وأنا لم أمت في الحقيقة ولكن شبه لهم، سخافة أني وضعت في موقف مخجل بواسطتهم، إنه آخر ولست أنا« [12].

ونجد أيضا في إنجيل يهوذا القبطي المكتشف سنة 1978 «أن البديل كان يهوذا الإسخريوطي وذلك بموافقة المسيح واتفاق مسبق بينهما على صلب يهوذا بدلا منه، فضحى يهوذا بنفسه حفاظا على سلامة المسيح « [13].

ويشير اللاهوتي اللبناني المعاصر ”ميشال حايك” بالقول: « وقد يكون هذا الزعم صلة ببدعة نصرانية كان لها قبيل الإسلام معتنقون كثيرون في نجران وهي بدعة الشبهين، الذين كانوا ينكرون آلام المسيح وقد ادعى بعضهم أن سمعان القيرواني كان ذلك الشبه، وقد سعت الشبهة في كل أشكالها إلى المحافظة على ألوهية المسيح منزهة إياه عن هوان الألم والموت.

وركزت البديلة في مجملها على قضية هامة وهي أن الشخص الذي ألقى شبه عيسى وتحمل الموت عوضا عنه إنما فعل ذلك طوعا، وذلك بغض النظر عن هويته، وقد اكتسبت هذه النظرية شعبية مفادها أن أحد الحواريين قبل الموت طوعا ليفدي سيده، وهذه النظرية بأبسط أشكالها يقدمها الطبري في رواية عن قتادة تقول” ذكر لنا أن النبي عيسى ابن مريم عليهما السلام قال لأصحابه أيكم يقذف عليه شبهي، فإنه مقتول ؟ فقال رجل من أصحابه أنا:يا نبي الله فقتل ذلك الرجل « [14]

خاتمة:

– تختلف نظرة المسيحيين في مسألة ‘صلب’ المسيح عليه السلام عن نظرة المسلمين اختلافا واضحا، فالمسيحيون جعلوا الخطيئة الأصلية التي ارتكبها آدم عليه السلام لأكله من الشجرة هي أصل للعقيدة التي قامت عليها المسيحية. فبسبب الخطيئة ـ حسب اعتقادهم ـ ‘صلب’ عيسى عليه السلام، فاديا البشر ومكفرا لخطاياهم، لأنه مشارك للأب في الجوهر متجسدا في هيئة إنسان، ولشدة حب الله للإنسان أرسل ابنه الوحيد ليخلص العالم من الآثام والذنوب – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -.

وعلى الرغم من التناقضات الكثيرة المذكورة في قصة الصلب التي أشارت إليها الأناجيل الأربعة المعتمدة، وعلى الرغم من نفي ‘صلب’ المسيح المذكور في إنجيل ‘برنابا’، وعلى الرغم أيضا من ظهور الحقائق الجديدة حول صلب المسيح، والتي ترفض أن يكون الدم الموجود على النسيج دما للمسيح وسكوت الكنيسة عن نتائج الأبحاث التي أجريت حول هذه المسألة، وكذا شهادات العديد من المفكرين المسيحيين التي تنفي مسألة’صلب’ المسيح عليه السلام، فإن الكنيسة لازالت متشبثة بعقيدة الصلب والفداء ولا غنى لها عنها فهي الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الاعتقاد المسيحي.

فهل من المنطقي أن يرسل الله وحيده – في اعتقاد النصارى- للموت لتخليص البشرية من خطيئة لم يرتكبوها ؟ وأين العدل والرحمة في قتل غير المذنب ؟ وإذا كان المسيح قد افتداهم من الخطيئة فلم يتذرعون في صلاتهم ويطلبون الغفران ؟ وإذا كان الله هو من صلب ومات فبمن يستغيثون ومن يستجيب دعاءهم؟

فالمسلمون لا ينفون جملة ما ترويه الأناجيل الأربعة من وقوع تلك الأحداث التي صاحبت الصلب أو سبقته، كإخبار المسيح تلاميذه عن المؤامرة التي سيتعرض لها، ثم لجوؤه في البستان إلى الله القادر طالبا من الله أن ينجيه من الموت. كما أن المسلمين يصدقون بأن الجموع حضرت للقبض عليه، وأن ثمة من أخذ من ساحة البستان، وأن المأخوذ حوكم، وصلب، ثم دفن، فالخلاف إذن هو في حقيقة المأخوذ والمصلوب.

فعيسى عليه السلام إذن لم يقتل ولم يصلب وأنه سيعود آخر الزمان، ونزوله من أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى، وبعد انتهائه عليه السلام من القضاء على الفتن الكبرى بقتل الدجال، ويأجوج ومأجوج،وبحكمه الأرض بشريعة الإسلام، ونشره العدل والقسط تنتهي حياته على الأرض بوفاته كسائر الأنبياء.

ـ الهوامش

[1] أحمد شيخ البساتنة – رؤية في أصول المسيحية، وقائع المحاورة الإسلامية المسيحية،إيطاليا 1981،الطبعة الأولى 2006،ً ص: 99

[2] مصطفى حلمي- الإسلام والأديان، دراسة مقارنة – دار ابن الجوزي القاهرة/ط 1/1426هـ/2005م/ ص: 252

[3] عبد الرحمن بن سليم البغدادي –الفارق بين المخلوق والخالق-ضبط أصوله وعلق عليه أحمد حجازي السقا، مكتبة الثقافة الدينية، ج 2، ص: 112

[4] محمد عزت الطهطاوي –الميزان في مقارنة الأديان حقائق ووثائق – دار القلم دمشق- الطبعة 1.– ص:227

[5] المرجع نفسه ص:227

[6] أحمد شيخ البساتنة – رؤية في أصول المسيحية، وقائع المحاورة الإسلامية المسيحية،إيطاليا 1981،ص:99

[7] محمد فاروق الزين – المسيحية الإسلام والإستشراق –دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الثالثة، 1424هـ /2003م، ص:225

[8] أحمد شيخ البساتنة – رؤية في أصول المسيحية – ص: 100

[9] محمد فاروق الزين – المسيحية الإسلام والإستشراق ص: 225

[10] ـ أحمد عثمان –مخطوطات البحر الميت- مكتبة الشروق، ص 128

[11] جمال الدين شرقاوي – ولكن شبه لهم، نقض أسطورة صلب المسيح وقيامته –مكتبة النافذة، الطبعة الأولى 2006، ص: 153

[12] المرجع نفسه، ص: 153

[13] حسن حمدي-إنجيل يهوذا الإسخريوطي، والبحث عن خائن للمسيح،دار الكتاب العربي،دمشق القاهرة ص:299- بتصرف-

[14] محمد أيوب –دراسات في العلاقات المسيحية الإسلامية – مركز الدراسات المسيحية الإسلامية، جامعة اليلمند، ترجمة كاترين سرور، تحقيق محمد أيوب وكاترين سرور وجورج مسوح ص: 92

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.