منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

العالم ما بعد جائحة كورونا COVID 19: نحو التأسيس لقيمة التشارك

الخواتري محمد

1

 

نشر هذا المقال بمجلة منار الهدى العدد التاسع عشر 
يمكنكم قراءة وتنزيل المقال بصيغة(بدفpdf)

تقديــــم

قبل سنة من اليوم لم يتوقع أكثر المتشائمين من مستقبل الإنسانية أن جرثومة صغيرة لا ترى إلا بواسطة الميكروسكوبات الدقيقة، ويستحيل رؤيتها بالعين المجردة سوف تحدث في العالم كل هذا الهلع والخوف، وستحصد أرواح الآلاف من البشر علاوة على الأعداد الضخمة للإصابات التي تقدر بالمليون وفوق المليون حالة، جائحة لم تسلم منها قارة من قارات المعمورة متسببة في تعطيل الحركة الاقتصادية والصناعية، وتوقف المدارس والجامعات، وألزمت أزيد من خمسة مليارات من سكان العالم بلزوم بيوتهم.
استطاع فيروس COVID 19 وفي أقل من شهرين أن يخلخل التوازنات الجيوسياسية والماكرو-اقتصادية ما لم تستطع أكبر الأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية خلخلته، شأنه في ذلك لا يقل عن الأحداث الكبرى التي طبعت تاريخ البشرية الحديث كالحربين العالميتين الأولى والثانية، وسقوط جدار برلين وإفلاس بنك lehman brothers، وغيرها من الأحداث الكبرى التي أعادت تشكيل الأحداث في عالمنا المعاصر.
استطاعت جائحة كورونا COVID 19 التي انطلقت من مقاطعة ووهان الصينية لتمتد عدواها إلى أوروبا ثم إلى باقي دول العالم، أن تعري الوجه الحقيقي لمنظومة القيم التي تحكم العالم، المتجسدة في الجشع والأنانية والتحيزات الوطنية في أضيق دوائرها، لقد أماطت كورونا COVID 19 عن الوجه الحقيقي للنظام العالمي المتوحش المتقنع بقناع «العولمة» الذي يخفي وراءه نوايا النيوليبرالية والامبريالية المتسلطة.
أبانت جائحة كوفيد19 إذن عن مثالب هذا النظام المتوقع وقد تكون بحسب تعبير البروفسور البريطاني روبرت نيبلت: «القشة التي قصمت ظهر بعير العولمة الاقتصادية».
ومن أبشع صور هذه المنظومة العولمية المفترسة ارتكازها على مبدأ الاستحواذ والاحتكار لثروات العالم المادية منها والمعنوية، احتكار واستئثار أو بتعبير منير شفيق إلحاق اقتصادي وسياسي، قام بالأساس على جنون التسلط والعظمة الذي أصاب العقل الغربي نتيجة الانتصارات العسكرية والصناعية وقبلهما الانتصارات المعرفية، الشيء الذي أعطى للغرب الحق المتوهم في السيطرة والاستفادة من ثمرات هذه الانتصارات.
بيد أن هذا الوباء المستجد أعاد للواجهة العديد من الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ارتباطها بشبكة العلاقات خاصة علاقة دول شمال-جنوب، وهي الإشكالات التي لا يمكن مقاربتها إلا في إطارها المعرفي قدر الإمكان.
والناظر إلى تلك الإشكالات يجد أنها منتظمة ضمن إشكالية رئيسة ومؤثرة في بروزها تلك هي إشكالية الاستحواذ الغربي على ترواث العالم المادية والمعنوية والتي تتفرع عنها العديد من التساؤلات يمكن صياغتها كالآتي:
أين تتجلى صور سياسة الاستحواذ التي تحكم دول الشمال/ الغرب في علاقتها بالآخر؟
كيف استطاع فيروس كوفيد 19 أن يكشف عن أزمة الغرب ويفضح عمق التردي الذي وصل إليه النظام العولمي ـ النيوليبرالي ـ ؟
في أفق عالم ما بعد كورونا COVID 19 كيف ننتقل من سياسية الاستفراد إلى عالم تسود فيه قيم المشاركة والتضامن والمشترك الجامع؟

أولا: الغرب ومنطق السلطوية الاحتكارية القديم

تنزيل نسخة معدلة ذات جودة عالية لمجلة منار الهدى العدد التاسع عشر

استطاعت الحضارة الغربية أن تحقق من التطور والتقدم المعرفي والاقتصادي والصناعي ما جعلها تتبوأ الصدراة بين الأمم، أسهمت في ذلك العديد من العوامل التاريخية ومن الأحداث المتسارعة، وإذا كان ما سمي بعصر النهضة سببا في تحرر الغرب من مخلفات الجهل والفقر، الذي خيم على الغرب على مدى حقب من الزمن، فكان عصر النهضة تدشينا لانتقال من وضع حضاري إلى وضع آخر يكون فيه الإنسان الغربي سيد العالم، فإنه بالمقابل كان للنزعة الاستعمارية التي رافقت هذا التسيد الحضاري ومهدت له أثرا مهما في وصول الغرب إلى ما وصل إليه من تقدم، وسهًّل المأمورية أمام بسط السيطرة على رقعة جغرافية غنية بالمقدرات الطبيعية والموارد البشرية، «فقبل زمن طويل من نشوب الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة أعظم قوة اقتصادية على الإطلاق في العالم…، إذ باتت تسيطر على نصف الكرة الغربي والمحيطات التي تحف به ومعظم الأراضي المتاخمة له».
راكم الغرب من العلوم والمعارف، وطوّر من النظريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واستفاد من تجارب الحضارات السابقة ما جعله يصل إلى الازدهار المنشود، ازدهار بُنِيَ كذلك على حساب نهب خيرات ومقدرات شعوب وأمم كانت تحت رحمة الآلة الاستعمارية الطاحنة، ألم يكن اكتساح الجيوش الأروبية لأدغال إفريقيا إلا طمعا في الثروات المعدنية الهائلة التي تزخر بها القارة السمراء؟ وهل اجتياح الجيش الأمريكي بمعونة الحلفاء لمناطق الجزيرة العربية وعلى رأسها العراق إلا انطلاقا من رغبة في الاستحواذ على حقول النفط وتفويتها للشركات المتعددة الجنسيات؟
إنه لمن اليسير جدا التأكيد على المسلمة الآتية: إن شروط نمو الغرب إنما كانت بالضرورة وليدة نهب ثروات القارات الثلاث ونقلها إلى أوروبا وإلى أمريكا الشمالية، وبالمقابل فإن الغرب هو الذي جعل ما نسميه العالم الثالث متخلفا.
هذا النهب للثروات الذي استمر على مدى أكثر من قرن من الزمان -وما يزال- أحدث اختلالا فاضحا في ميزان العدالة الاجتماعية وتفاوتا في رتب السلط بين دول الشمال ودول الجنوب أو محور الغرب ودول العالم الثالث، فمن الطبيعي جدا أن شريحة قليلة من ساكنة المعمورة تتحكم في نظم السلط والقوانين وتأخذ بزمام الأمر والنهي في العالم، ما دامت تتحكم في موارد الثروات وطالما أن عائدات هذه الثروة والتي يستخدمها الغرب في مجالات عدة، منها المجالين العسكري والتكنولوجي من أجل البقاء في هرم السلطة والسؤدد، والإبقاء على دول الجنوب تابعة خانعة تعيش على صدقات دول الشمال.
إن هذا الشمال بحسب المؤرخة الفرنسية «صوفي بسيس»: «علاوة على كونه ما زال مقتنعا أن واجبه أن يغرق العالم بمنتجاته، حتى لو أدى ذلك إلى تقييد تنمية منتجات مماثلة، فهو ينهل أيضا دونما قيود من موارد الكوكب الذي مازال يعتبره «سوبر ماركت» من ممتلكاته».
تضيف «صوفي» في سياق حديثها عن الجشع الاقتصادي الغربي في مبحث معنون «بامتيازات السلطة» تقول: «طالما كان الاعتقاد السائد هو أن هذه الموارد لا تنضب فقد أمكنه تموين ـ دون ما مشكلة ـ توسعه اللانهائي في الاستهلاك الذي ظل مع الوقت مرادفا للتقدم».
بالانتقال إلى العلم والمعرفة والتكنولوجيا فإن سياسة الاحتكار في النظام الغربي تمتد لتشمل هذا المجال أيضا، فمعظم الانجازات العلمية العالمية أضحت حكرا على الحضارة الغربية وفي غالبيتها هي تمويل من خزينة العالم الثالث وهذا ما أكد عليه البروفيسور المهدي المنجرة بقوله: «من الناحية الحضارية، ومن حيث العلم والتكنولوجيا يجب أن نكون واعيين وأن نفهم شيئا جيدا يا إنسان الجنوب…، ففي مرحلة ما بعد الاستعمار وهي مرحلتنا الحالية، أنت من يصرف على هذا الاستعمار».
لا يقتصر الاحتكار الغربي للتكنولوجيا والعلوم المتطورة على منافع هذه العلوم فحسب، ولا على مصادر تمويلها المؤخوذة من خزائن الشعوب الضعيفة، بل إن ألمع العقول التي أنجبتها دول العالم الثالث في مختلف التخصصات العلمية من طب وهندسة واقتصاد وغيرها كانت الوقود لهذه النهضة الغربية العلمية، فقد قدرت المنظمة الدولية للهجرة أن عدد العاملين المؤهلين من أصل إفريقي بفرنسا وأمريكا الشمالية يتراوح بين 300.000 ألف مهاجر، بينما تسجل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) أن أكثر من مليوني إفريقي حاصل على شهادة التعليم العالي موجود بدول أوروبية وأمريكية.
وبهذا، أصبحت دول الجنوب مجرد مكبٍ لكل منتجات الصناعات الحديثة، تستهلك ولا تنتج، تزرع ثمار الآلاف من خيرة عقول أبنائها ويستفيد غيرها، ولعل من أشد المشاهد إحراجا للعالم الغربي وهو يصارع جائحة كوفيد 19 زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون لإحدى المختبرات العلمية، التي تعكف على الوصول إلى لقاحٍ للفيروس، وعند سؤاله عن جنسيات العاملين بالمركز فوجئ بانتماء معظمهم لدول إفريقيا والبلدان العربية.

ثانيا: الأزمة القيمية ومنطق الاحتكار زمن الكورونا COVID 19

يعود المفكر الأمريكي «نعوم تشومسكي» في أوج الأزمة التي تعيشها الإنسانية بسبب جائحة كوفيد 19 ليؤكد على الخطر الداهم، الذي يتهدد مستقبل الإنسانية ما دامت الحالة الراهنة تحت تحكم فئة قليلة من العالم تمثل النظام العولمي، يعتبر «تشومسكي» أن الفيروس التاجي حمل معه أشياء إيجابية هي إشارات تحذيرية لنا من الخطر الداهم، الذي يلوح في المستقبل القريب ليحثنا على التحرك والاستعداد. بخاصة أن الديمقراطية في خطر بسبب حالة الاستثناء التي يتحكم فيها «قلة قليلة هم أسياد النيوليبرالي، وسيواصلون التحكم برأيه إن لم تتم الإجابة عن سؤال وجودي يطرحه تشومسكي بإلحاح الآن تحت السحابة السوداء لهذه الأزمة وهو: أي عالم نريد أن نعيش فيه؟
نحتفظ بتساؤل تشومسكي إلى حين، ونرصد بعضا من جوانب الانحدار القيمي الذي حكم تعامل الغرب بصفة عامة مع الأزمة الوبائية الراهنة نوردها بعضا منها على شكل نِقاط:
الفيروس الجائحة أعاد للواجهة من جديد المعارك السياسية والدبلوماسية الضارية، والتي كان من تجلياتها الواضحة التصريحات النارية للمسؤولين الصينيين التي اتهمت الجيش الأمريكي بجلب الفيروس إلى مدينة ووهان فيما يعرف بالإرهاب البيولوجي، في حين اتهم الرئيس الامريكي الصين بالتكتم على الوباء وعدم تحذير المنتظم الدولي من خطورته وسرعة انتشاره، ويذهب الرئيس الامريكي بعيدا في معركته الباردة مع الصين ليقرر توقيف الدعم الذي كانت تقدمه الإدارة الأمريكية لمنظمة الصحة العالمية بسبب اتهامه للمنظمة بانحيازها للصين.
الجمهورية الإيرانية التي تفشى الوباء في ربوعها ويودي بحياة شخص كل عشر دقائق وتجاوز عدد المصابين العشرين ألفا، اتهم مرشدها علي خامنئي الولايات المتحدة بشن حرب بيولوجية عليها ودعا دول العالم إلى الضغط من أجل رفع العقوبات عليها من أجل مواجهة الجائحة، فردت الإدارة الأمريكية بتشديد العقوبات وتجديد الوعيد.
إيطاليا تواجه أسوأ أزمة صحية في تاريخها بتجاوز أعداد الوفيات 24 ألف وفاة والمصابين ما يقارب المليون، والاتحاد الأروبي يتخلى عن دوره الداعم لإيطاليا وللعديد من الدول الأوربية الأخرى في سيناريو ينبي عن انهيار وشيك للمجموعة الأروبية.
بروز اتهامات متبادلة بين دول عديدة بنهب مساعدات طبية كانت قادمة إليها، من قبيل اتهام تونس للبحرية الإيطالية بالسطو على باخرة تونسية محملة بمستلزمات طبية قادمة من الصين، وكذا سطو المجر على شحنة مساعدات كانت متوجهة للأراضي الإيطالية في تكرار لمشاهد القرصنة والإقطاع التي سادت في زمن الماضي.
في أزمة جائحة كورونا COVID 19 تجلت بشكل واضح أيضا قيمة الفردانية باعتبارها من القيم الأساسية التي قامت عليها الحضارة الغربية، فالتدابير التي اتخذتها الدول من أجل مواجهة الوباء لم تراع فيها المحيط العالمي أو حتى دول الجوار.
تخلى الغرب -أمام الأعداد المهولة للضحايا والمصابين في كل مكان- عن القيم التي كان يرفعها زيفا وادعاء، وانسجم مع أنانيته واحتكاره واعتداده بنفسه حتى داخل أفراد المجتمع الغربي، بحيث أكدت تقارير أن مستشفيات في أوروبا أصبحت تتخلى عن إسعاف الحالات المصابة المتقدمة في السن وتتركها لمصيرها بسبب الاكتضاض الحاصل.
فضحت إذن جائحة كوفيد19 المنظومة الأخلاقية والقيمية التي قامت عليها الحضارة الغرب، وكشفت عن الوجه البشع للتقدم الذي اختُزِل في حجم التطور الاقتصادي، والأصل ـ كما يؤكد حسن أوريد: «أنه لا يمكن أن تختزل حضارة ما في معدل التنمية وحجم المبادلات التجارية. كل حضارة تقوم على قيم، وحينما تتخلى عن تلك القيم يدبّ الوهن فيها».
فيروس كورونا COVID 19 النقطة التي أفاضت الكأس وكشفت عن عمق الأزمة القيمية التي يعيشها الغرب، وكشفت كذلك عن اهتراء المنظومة الصحية؛ إذ أن أغلب الأبحاث العلمية خلال الأربعين سنة الماضية كانت موجهة للصناعة العسكرية في خضم صراع الغرب من أجل بسط السيطرة وتأكيد الغلبة.

ثالثا: نحو التأسيس لقيمة التشارك.

نعود في هذا المحور الأخير لنطرح السؤال نفسه الذي طرحه نعوم تشومسكي في خضم حديثه عن أزمة كورونا COVID 19 والمتمتل في: أي عالم نريد أن نعيش فيه مستقبلا؟ نضيف إليه سؤالا مكملا يتحدد في: ما البديل عن الواقع الحضاري الراهن الذي كشفت عن مثالبه وعيوبه جائحة الفيروس المستجد؟
لا أحد ينازع في أن أُسَّ الأزمة الحضارية التي تعيشها الإنسانية اليوم يتجلى في الانحدار القيمي، والذي رصدنا من تمظهراته فيما سبق الاحتكار الغربي للموارد والثروات المادية واللامادية والأنانية في توزيع هذه الثروات على باقي دول العالم خاصة ما يسمى بدول العالم الثالث.
إن الحديث عن قيم الحوار الحضاري والمشترك الإنساني لا يتأتى دون تفعيل قيمة التشارك والإشراك، والقصد من التشارك هو الاقتسام العادل للمجهود الإنساني في مختلف مجالاته خاصة المجال العلمي المعرفي بوصفه مقدمة للتنمية والتقدم الحضاريين.
تنمية العالم الثالث من الناحية الاقتصادية لن تقوم بالمنطق السائد، المبني على أساس المساعدات والإعانات -أو في الأحسن الأحوال القروض- إن مرحلة ما بعد الجائحة تقتضي أن يعيد الغرب النظر في الاستراتيجية التي يعامل بها دول الجنوب، وعليه أن يدرك كذلك أن منهجية خطة «مرشال» التي اعتمدتها الولايات المتحدة من أجل التخفيف من آثار الحرب العالمية الثانية على أوروبا، لم تعد صالحة في ظل الحاجة الملحة إلى قيم التشارك وقبول الآخر وتقاسم الثروات المادية واللامادية.
في المجال المعرفي بالخصوص تبرز الحاجة ماسة لقيم التشارك عبر تقديم الدعم الواجب. عوض الصدقات الحاطة بالكرامة الإنسانية للدول خاصة دول الجنوب التي هي في طور النمو، القصد من هذه المشاركة تحسين معارف وإدراكات إنسان الجنوب وجعله قادرا على الخلق والابتكار عوض أن يبقى مستهلكا تابعا للآخر المنتج، وهذا التشارك هو ما يسمى بتقاسم فائدة المعرفة (le partage des bienfaits de la connaissance).
يقول «روجي جارودي»: «إن تحقيق تنمية الأفراد، يشترط في المجتمع الشامل الأوفر بنيات ومؤسسات تتيح في كل مرحلة ازدهارا أقصى في هذه المكونات: إنتاج وتوزيع خيرات مباشرة ( غذاء، سكن لباس ) على ألا يكون ذلك عائقا في وجه الحياة الأولية، وأن يؤلف قاعدة سليمة لنماء سائر أبعاد الحياة الثقافية والروحية، علاقات اجتماعية تتيح إسهام كل امرئ إسهاما عظيما في إنضاج وفي تحقيق مشروعات مشتركة، ومن ثم تتصف بأنها لا تخلق البتة ضروبا من التميز العميق».
ويؤكد المهدي المنجرة على هذا المعنى بقوله مخاطبا هذا الغرب المحتكر: «سيكون لديكم باحثين محنكين، يتوفر كل واحد منهم على رصيد هائل، لكن أين هو تقسيم مزايا هذه المعرفة ؟ وأين هي التسهيلات الأفقية التي تسمح لسكان الحاضرة والقرية بالدول المتقدمة أو بالدول النامية بالحصول عليها».
ويضيف: «المشاركة…، هي أولا اقتسام ما لديك بتطبيق فكرة تقديم قطعة من خبز لكل جائع يموت جوعا بجانبك وأنت تأكل، وإعطاء بذلة من ملابسك الفائضة لمن يشعر بالبرد، ويجب التوصل إلى تقوية هذا التضامن في كل مكان مع المشاركة على مستوى التعلم».
ويؤكد الدكتور المنجرة على أهمية قيمة التشارك في عملية التعلم: «علموا مليارا من الناس في العالم الثالث إلى مستوى مرتفع بالكفاية وستربحون كل شيء».

على سبيل الختم

الإنسانية اليوم – وهي تئن تحت وطأة جائحة كورونا COVID 19، وتحت هول الخسائر البشرية والأرقام المرتفعة للقتلى والمصابين أضف إلى ذلك الخسائر الاقتصادية – محتاجة أكثر من أي وقت مضى إلى البحث في المنظومة القيمية والأخلاقية، من أجل الخروج من هذه الأزمة بأقل خسائر ممكنة.
وليس أرفع ولا أنفع للبشرية اليوم من قيمة التشارك مخرجا من الأزمة الراهنة، ولما كان ماضينا وحاضرنا ومستقبلا مشتركا، فإن التشارك فيما أُودع في هذا الكون من خيرات مسخرة للإنسان حري بأن تكون قيمة حاضرة في وجدان البشرية؛ إذ لا يتصور أن نخطط للمستقبل ونمضي إليه بخطى عرجاء غير متوازنة، هي سفينة واحدة تقل الجميع، فإما أن يحتكر بعضنا كل شيء فتغلب الأنانية والذاتية فيغرق الجميع، وإما أن يسود منطق التقاسم وقيمة التشارك فيكون العطاء والتخطيط مشتركا فينجوا الجميع. وقديما قال الأتراك في بعضهم حكمهم: «إذا تقاسمنا نكتفي وإذا انقسمنا ننتهي».


المراجع

المهدي المنجرة، قيمة القيم، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب، ط5 2013م.
نعوم تشومسكي،الهيمنة أم البقاء السعي الأمريكي إلى السيطرة على العالم، دار الكتاب العربي بيروت لبنان.
روجيه جارودي، حوار الحضارات، عويدات للنشر والطباعة بيروت لبنان، ط 4 ـ 1999م.
صوفي بيسيس، الغرب والآخرون، ترجمة: نبيل سعد، منصة كتب عربية الإلكترونية، د.ط.
المهدي المنجرة، الحرب الحضارية الأولى، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب، ط 9 2014م.
مقال بجريدة l›Opinionبتاريخ 31 غشت 2005 تحت عنوان: هجرة الكفاءات في إفريقيا 4 مليار دولار خسارة سنويا.

مقتطف من مقابلة أجرتها قناة diem25 مع المفكر نعوم تشومسكي، رابط المقابلة:

من مقال إلكتروني لحسن أوريد بعنوان: هل هي البداية الحقيقية لأفول الغرب، رابط المقال:
https://www.trtarabi.com/article/25279?fbclid=IwAR3Fl79xpWAuoVGs4TLKd8u2tP9bdofpG5Z0a-fZrcy9g91boBqDtYpOrs

تعليق 1
  1. عبدالله بوجدي يقول

    حفظكم الله استاذ الخواتري . مقال يستحق القراءة والتأمل والنشر .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.