منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

في دعوة المستضعفين وسادة القوم والناس في كل مكان (5) الأربعون حديثا الدعوية 

الأستاذ يعقوب زروق

0

في دعوة المستضعفين وسادة القوم والناس في كل مكان (5)

الأربعون حديثا الدعوية 

بقلم: الأستاذ يعقوب زروق

 

في الحث على الدعوة وبيان فضلها (1) الأربعون حديثا الدعوية 

في التعاون على الدعوة(2) الأربعون حديثا الدعوية 

في خدمة أهل الدعوة والصبر على الأذى(3) الأربعون حديثا الدعوية

في دعوة الأقارب والأطفال والنساء (4) الأربعون حديثا الدعوية

الحديث الخامس عشر:

عَنِ المِقْدامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، قالَ: «كُنّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقالَ المُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: اطْرُدْ هَؤُلاءِ لا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنا. قالَ وكُنْتُ أنا وابْنُ مَسْعُودٍ، ورَجُلٌ مِن هُذَيْلٍ، وبِلالٌ، ورَجُلانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِما، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ اللهُ أنْ يَقَعَ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ فَأنْزَلَ اللهُ: ولا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَداةِ والعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ»[1]

قال ابن كثير: ” ذَكَرَ غيرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَوْمًا يخاطبُ بَعْضَ عُظَمَاءِ قُرَيْشٍ، وَقَدْ طَمع فِي إِسْلَامِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُخَاطِبُهُ وَيُنَاجِيهُ إِذْ أَقْبَلَ ابنُ أُمِّ مَكْتُومٍ-وَكَانَ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَدِيمًا-فَجَعَلَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ شَيْءٍ وَيُلِحُّ عَلَيْهِ، وودَّ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ لَوْ كَفَّ سَاعَتَهُ تِلْكَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ مُخَاطَبَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ؛ طَمَعًا وَرَغْبَةً فِي هِدَايَتِهِ. وعَبَس فِي وَجْهِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْآخَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) [عبس: 1-10]

قد يرى الداعية أن مصلحة الدعوة تقتضي الاهتمام أكثر بسادة القوم وهذا يكون جيدا ما لم يتعارض مع مبدإ المساواة وعدم التمييز بين الناس على أساس الجاه والنفوذ والمال وغيرها. وهو الذي حصل في حادثة الأعمى فنزل الوحي مرشدا موجها.

الحديث السادس عشر:

روى ابن حبان قال: ” فَبعث رَسُول اللَّهِ ﷺ إلى المَدِينَة مُصعب بْن عُمَيْر مَعَ جماعَة وذَلِكَ أنهم كتبُوا إلى رَسُول اللَّهِ ﷺ يسألونه أن يبْعَث عَلَيْهِم رجلا من أصْحابه يفقههم فِي الدَّين فَنزل مُصعب بْن عُمَيْر على أسعد بْن زُرارَة فَكانَ يَأْتِي بِهِ دور الأنْصار فيدعوهم إلى اللَّه ويقْرَأ عَلَيْهِم القُرْآن ويفقه من كانَ مِنهُم دخل فِي الإسْلام وكانَ إسْلام سعد بْن معاذ وأسيد بْن حضير على يَد مُصعب وذَلِكَ أنه خرج مَعَ أسعد بْن زُرارَة إلى حائِط من حَوائِط بني النجار مَعَهُما رجال من المُسلمين فَبلغ ذَلِك سعد بْن معاذ فَقالَ لأسيد بْن حضير ائْتِ هَذا الرجل فلولا أنه مَعَ أسعد بْن زُرارَة وهُوَ بن خالَتِي كَما علمت كنت أنا أكفيك شَأْنه فَأخذ أسيد بْن حضير حربته ثمَّ خرج حَتّى أتى مصعبا فَوقف عَلَيْهِ متشتما وقد قالَ أسعد لمصعب حِين نظر إلى أسيد هَذا أسيد من سادات قوم لَهُ خطر وشرف فَلَمّا انْتهى إلَيْهِما تكلم بِكَلام فِيهِ بعض الغلظة فَقالَ لَهُ مُصعب بْن عُمَيْر أو تجْلِس فَتسمع فَإن سَمِعت خيرا قبلته وإن كرهت شَيْئا أو خالفك أعفيناك عَنهُ قالَ أسيد ما بِهَذا بَأْس ثمَّ ركز حربته وجلسَ فَتكلم مُصعب بِالإسْلامِ وتلا عَلَيْهِ القُرْآن قالَ أسيد ما أحسن هَذا القَوْل ثمَّ أمره فَتشهد شَهادَة الحق وقالَ لَهُم كَيفَ أفعل فَقالَ لَهُ تَغْتَسِل وتطهر ثَوْبك وتشهد شَهادَة الحق وتركع رَكْعَتَيْنِ فَفعل ورجع إلى بني عَبْد الأشْهَل وثبتا مكانهما فَلَمّا رَآهُ سعد بْن معاذ مُقبلا قالَ أحْلف بِاللَّه لقد رَجَعَ إلَيْكُم أسيد بِغَيْر الوَجْه الَّذِي ذهب بِهِ من عنْدكُمْ فَلَمّا وقف عَلَيْهِ قالَ لَهُ سعد ما وراءَك قالَ كلمت الرجلَيْن فكلماني بِكَلام رَقِيق وزعما أنَّهُما سيتركان ذَلِك وقد بَلغنِي أن بني حارِثَة قد سمعُوا بمَكان أسعد فاجْتمعُوا لقَتله وإنَّما يُرِيدُونَ بذلك إحقارك وهُوَ بن خالتك فَإن كانَ لَك بِهِ حاجَة فأدركه فَوَثَبَ سعد وأخذ الحربة من يَدي أسيد وقالَ ما أراك أغنيت شَيْئا ثمَّ خرج حَتّى جاءهما ووقف عَلَيْهِما متشتما وقد قالَ أسعد لمصعب حِين رأى سَعْدا هَذا والله سيد من وراءه إن تابعك لم يخْتَلف عَلَيْهِ اثْنان من قومه فأبلى اللَّه فِيهِ بلاء حسنا فَلَمّا وقف سعد قالَ لأسعد بْن زُرارَة أجئتنا بِهَذا الرجل يسفه شبابنا وضعفاءنا والله لَوْلا ما بيني وبَيْنك من الرَّحِم ما تركتك وهَذا فَلَمّا فرغ سعد من مقالَته قالَ لَهُ مُصعب أو تجْلِس فَتسمع فَإن سَمِعت خيرا قبلته وإن خالفك شَيْء أعفيناك قالَ أنصفت فَرَكزَ حربته ثمَّ جلس فَكَلمهُ بِالإسْلامِ وتلا عَلَيْهِ القُرْآن فَقالَ سعد ما أحسن هَذا نقبله مِنك ونعينك عَلَيْهِ كَيفَ تَصْنَعُونَ إذا دَخَلْتُم فِي هَذا الأمر قالَ تَغْتَسِل وتطهر ثَوْبك وتشهد شَهادَة الحق وتركع رَكْعَتَيْنِ فَفعل ثمَّ خرج سعد حَتّى أتى بني عَبْد الأشْهَل فَلَمّا رَأوْهُ قالُوا والله لقد رَجَعَ إلَيْكُم سعد بِغَيْر الوَجْه الَّذِي ذهب بِهِ من عنْدكُمْ فَلَمّا وقف عَلَيْهِم قالُوا مِمّا جِئْت قالَ يا بني عَبْد الأشْهَل كَيفَ تعلمُونَ رَأْيِي فِيكُم وأمري عَلَيْكُم قالُوا أنْت خيرنا رَأيا قالَ فَإن كانَ كَلام رجالكم ونسائكم عَليّ حرام حَتّى تؤمنوا بِاللَّه وحده وتشهدوا أن مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه وتدخلوا فِي دينه فا أمْسى من ذَلِك اليَوْم فِي دار بني عَبْد الأشْهَل رجل ولا امْرَأة إلّا أسلم ” [2]

 الحديث السابع عشر:

عَنْ أَشْعَثَ قَالَ وَحَدَّثَنِى شَيْخٌ مِنْ بَنِى مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسُوقِ ذِى الْمَجَازِ يَتَخَلَّلُهَا يَقُولُ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا ». قَالَ وَأَبُو جَهْلٍ يَحْثِى عَلَيْهِ التُّرَابَ وَيَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ لاَ يَغُرَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِكُمْ فَإِنَّمَا يُرِيدُ لِتَتْرُكُوا آلِهَتَكُمْ وَلِتَتْرُكُوا الَّلاَتَ وَالْعُزَّى. قَالَ وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ قُلْنَا انْعَتْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَحْمَرَيْنِ مَرْبُوعٌ كَثِيرُ اللَّحْمِ حَسَنُ الْوَجْهِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ أَبْيَضُ شَدِيدُ الْبَيَاضِ سَابِغُ الشَّعَرِ.[3]

كانت للعرب أسواق سنوية ، يعرضون فيها كل شيء من سلع ومواد إلى الشعر والخطب إلى المفاخرة والمباهاة. رسول الله صلى الله عليه وسلم يغشى هذه الأسواق ويعرض سلعة الله الغالية. لا يبالي بعمه من ورائه يكذبه ويضربه.

حيثما اجتمع الناس كان يغشاهم صلى الله عليه وسلم بدعوته. في الأسواق وحول الكعبة وفي نواديهم كلها .

الحديث الثامن عشر:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النبي ﷺ أَتَى كَلْبًا( قبيلة) فِي مَنَازِلِهِمْ إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ اللَّهِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ لَهُمْ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِم»[4]

هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو من أشرف بيت في مكة. ما منعه الحياء أن يعرض نفسه على قبائل العرب: “من يمنعني حتى أبلغ رسالة ربي” . يتودد إليهم ” إن الله قد أحسن اسم أبيكم”. يبشرهم بخير الدنيا والاخرة فيردون عليه أقبح رد. إن كان في الأمر مصلحة للدعوة فلا يبالي. لكن حين يتعلق الأمر بتنازلات عن مبادئ يحسم الأمر. حيث كانت بعض القبائل تشترط أن يجعل لها الأمر من بعده فيقول: “إن الأمر لله يجعله حيث شاء”.

ثمة قبائل كثيرة عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فأبت. لكن أمر الله ماض لن يوقفه شيء وفضله عظيم يختص به من شاء من عباده. سبقت لقوم منه سبحانه الحسنى ، فادخر لهم هذا الفضل. فضل أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنهم الأوس والخزرج. الذين صاروا أنصارا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم. رضي الله عنهم أجمعين.

الحديث التاسع عشر:

عن الْبَرَاء بْن عَازِبٍ – رضى الله عنهما – قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِى عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَدِمَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَىْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) فِى سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ.[5]

اقتضت حكمة الله أن تكون إلى المدينة هجرة نبيه صلى الله عليه وسلم. واقتضت حكمته أيضا أن يشارك في إعداد يثرب للهجرة أطراف شتى شاء الله عز وجل أن تنال فضله وكرامته. أطراف شتى تعاونت حتى صارت يثرب معقلا للدعوة. أسلم ستة نفر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج في مكة. وما ساعدهم أنهم كانوا يسمعون من يهود المدينة أن نبي آخر الزمان قد أظل زمانه وكانوا يهددونهم به أنهم سيتبعونه فيقتلونهم. أسلم هؤلاء النفر  وحملوا الدعوة إلى أقاربهم.  وأتوا في العام المقبل وهم اثنا عشر رجلا فبايعوه بيعة العقبة الأولى، وبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير رضي الله عنه يعلمهم القرآن ويدعو إلى الله أهل يثرب فأيده الله بأسعد بن زرارة رضي الله عنه إذ كان يأتيه بسادات الأوس والخزرج حتى أسلم أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ رضي الله عنهما فتبعهما الناس. هذا التعاون هو الذي كان سببا في إسلام الأوس والخزرج مما مهد للهجرة.


الهوامش:

[1]  –   صحيح مسلم – كتاب فضائل الصحابة – الحديث: 2413

[2]  – الثقات – محمد بن حبان – دائرة المعارف العثمانية، الهند  – ج 1 . ص: 98

[3]  –   مسند أحمد – أحاديث رجال من أصحاب النبى – حديث 23892

[4]  – تاريخ الطبري – ابن جرير الطبري – دار التراث – بيروت ج: 2. ص: 349

[5]  – صحيح البخارى – مناقب الأنصار – حديث: 3973

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.