منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

(11) قُدس الأقداس الصامدة المُلهِمة | طباع اليهود ومخاطر التطبيع

الدكتور عبد لحليم أيت امجوض

0

القدس قلب فلسطين، وواسطة عقدها، وهي ظاهرة حضارية تاريخية فذة؛ يحار من الباحثين من يحاول اكتشاف سر النشأة وخصوصيات الموقع التي جعلت منها واحدة من أعرق وأقدس المدن في التاريخ استعصت على الاستئصال لآلاف السنين، رغم كل ما حل بها من النكبات والحروب التي أدت إلى تدميرها وإعادة بنائها ثماني عشرة مرة في التاريخ[1].

وقد تبوأت المدينة، في المسيحية ثم في الإسلام، مكانة دينية كبيرة، حيث تروى زيارة المسيح عليه السلام لها، وأسري بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إليها، وعرج به منها إلى السماء، وفيها: الحرم القدسي والمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وحائط البراق والمصلى المرواني وكنيسة القيامة…[2].

وصف الله أرضها بالبركة في خمسة مواضع من القرآن الكريم:

– أولها في آية الإسراء حين وصف المسجد الأقصى بقوله: “الذي باركنا حوله”[3]،

– وثانيها: حين تحدث في قصة خليله إبراهيم، فقال: “ونجيناه ولوطا إِلى الأرضِ التي باركنا فيها للعالمين”[4]،

– وثالثها: في قصة موسى؛ حيث قال عن بني إسرائيل بعد إغراق فرعون وجنوده: “وأورثنا القَوم الذِين كَانوا يستضعفون مشارق الأرضِ ومغاربها الَتي باركنا فيها وتمت كَلمات ربك الحسنى علَى بني إِسرائيل بِما صبروا”[5]،

– ورابعها: في قصة سليمان وما سخر الله له من ملك لا ينبغي لأحد من بعده، ومنه تسخير الريح، وذلك في قوله تعالى: “ولسليمان الريح عاصفَة تجري بأمره إلى الأرضِ التي باركنا فيها”[6]،

– وخامسها: في قصة سبأ، وكيف من الله عليهم بالأمن والرغد، قال تعالى: “وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقَدرنا فيها السير، سيروا فيها ليالي وأياما آمنين”[7].

تعرضت المدينة خلال تاريخها الإسلامي لمرحلتين من أسوإ مراحل الاحتلال،

– أولهما: سنة 1099م حين سقطت في أيدي الصليبيين فعمدوا إلى إبادة معظم أهلها، ثم حولوا مسجد قبة الصخرة وجزءا من المسجد الأقصى إلى كنيستين، وجعلوا الباقي مسكنا للفرسان وإسطبلات للخيول، وحررها بعد ذلك صلاح الدين[8]،

– وثانيهما: سنة 1947م بعد قرار التقسيم الذي نص على جعلها منطقة دولية تحت إشراف الأمم المتحدة[9]، وازدادت مأساتها بفشل الحرب العربية الأولى ضد الكيان الصهيوني عام 1949م، حيث قام الكيان الصهيوني بالسيطرة على الجزء الغربي من المدينة، ثم ما لبث أن ضم إليه الجزء الشرقي منها بعد حرب النكسة عام 1967م، فأعلنها عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ليبدأ مسلسل تهويد القدس ومحاولات هدم المسجد الأقصى…[10].

ومنذ ذلك الحين اعتبرت قضية القدس محور السلام في المنطقة[11]، ومقياسه الحقيقي بين اليهود والعرب[12]، وجوهر القضية الفلسطينية ومركز الصراع العربي الصهيوني[13]، لهذا سالت من أجلها الدماء، وعقدت المؤتمرات والندوات، وما زال السجال مستمرا حول تقرير مصير القدس[14]، وما زالت ملهمة تقدح زناد انتفاضات الأحرار، وتشعل لهيب الثورات؛ وستكون فيها الكلمة الفصل للمقاومة الباسلة…فليفرح بنصرها كل حر أبي…وليسقط التطبيع ومعه صفقة القرن…آمين.

 

((يُتبع في المقال (12) بعنوان: “غصة الصراع العربي مع العدو الصهيوني“))


[1] – يحيى الفرحان، قصة مدينة القدس، سلسلة المدن الفلسطينية، عدد: 6، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ص:13.

– صلاح بحيري، جغرافية الأردن، ص:228-229.

[2] – محمود عواد وزهير غنايم، القدس؛ معلومات وأرقام، ص:29-31.

[3] – سورة الإسراء، الآية:1.

[4] – سورة الأنبياء، الآية:71.

[5] – سورة الأعراف، الآية:137.

[6] – سورة الأنبياء، الآية:81.

[7] – سورة سبأ، الآية:18.

[8] – خليل سركيس، تاريخ القدس المعروف بتاريخ أورشليم، ص:111-118.

[9] – قرار تقسيم فلسطين واتفاقيات أخرى، الركن للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط:3، 1989م، ص: 69 وما بعدها.

[10] – محمود عواد والدكتور زهير غنايم، القدس؛ معلومات وأرقام، ص:14-16.

[11] – بطريركية الأقباط الأرثوذوكس، الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية وقضية القدس، ص:12-15.

[12] – نشرة اللجنة الملكية لشؤون القدس، رقم:254، ليوم:31/07/1995، ص:67.

[13] – نشرة اللجنة الملكية لشؤون القدس، رقم:253، ليوم:1/07/1995، ص:116.

[14] – غازي إسماعيل ربابعة، القدس في الصراع العربي الإسرائيلي، ص:7.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.