إن لليهود تاريخهم، ولهم مكرهم ودهاؤهم، ولهم أهدافهم الكبرى التي يعدون لها ما يناسبها من الوسائل الكفيلة بتحقيقها، بغض النظر عن شرف الوسائل والأهداف. وأعرض هنا بإيجاز للتطبيع عند اليهود من خلال أهدافه ووسائله في العصر الحديث خاصة، ذلك لأن أهداف اليهود ليس لها ثبات، وإنما تتبع المصلحة في كل زمن وبحسب الظروف التي يعيشونها.
ولابد من الإشارة هنا إلى أمر ذي بال، وهو أن اليهود ليس لديهم دعوة ولا تبشير بديانتهم، ولا يضعون في مخططاتهم وبرامجهم هدف التأثير على العالم لأجل إدخاله في اليهودية، وهذا نابع من اعتقادهم بأن اليهودية دم مقدس، وشرف رفيع لا تستحقه غير سلالة يهود العرقية[1].
هذا، وعند استقراء أحوال العالم اليوم وتعميق النظر في سلوك اليهود تجاه العرب والمسلمين خصوصا، يتضح أن أهدافهم التي يسعون لتحقيقها بالتقارب والتطبيع أو بغيره هي[2]:
تحقيق السلام مع العرب والمسلمين
إن قضية السلام الصهيوني مع العرب هي قضية الساعة، ولم يقدم اليهود على هذا النوع من العلاقة غير المتكافئة إلا لتحقيق المزيد من المكاسب وبأقل التكاليف، ولسنا هنا بصدد تقويم عملية السلام الموهومة، وإنما بشأن تأكيد اتخاذ اليهود التطبيع مدخلا لتثبيت أقدامهم، وتعزيز مواقعهم في فلسطين، التي يعدونها المركز الذي ينطلقون منه للسيطرة على العالم، ويريدون إحكام سيطرتهم عليها بكل الأساليب والطرق الممكنة، إن بالتطبيع أو بالصراع، وهذا ليس محل خلاف بينهم. ولابد من التأكيد، أيضا، على أن الغرب المسيحي يدعم التقارب اليهودي الإسلامي التطبيعي مثلما يقدم لليهود دعما غير مشروط في حروبهم ضد المسلمين[3].
إخراج الصراع اليهودي الإسلامي من دائرة الصراع العقدي
يحرص اليهود، والغرب في ركابهم، إلى إخراج الصراع مع المسلمين من الدائرة العقدية، ليكون صراعا على مصالح من الأرض والمياه ونحو ذلك، وعندما يرضى المسلمون بالتعامل مع اليهود على هذا الأساس فإن انتصارا عظيما يكون قد تحقق لليهود، حيث يأمنون حينها من انتفاضة المسلمين الذين لا يرضون بالتخلي عن الحقوق ولا يتنازلون عن المبادئ والقيم القائمة على الحق الإلهي والمنهج الرباني، ولقد حقق اليهود جزءا من هذا المكسب وبلغوا هذا الهدف على مستوى الدوائر الرسمية، أما حركات المقاومة الشعبية ومعها كافة الشعوب العربية الإسلامية فلا ترى جدوى للتفاوض مع اليهود، وإنما تنتظر اليوم الذي تعيد فيه الحق إلى نصابه وترفع الأذى والضيم عن المستضعفين، وتعيد للأمة كرامتها ومقدساتها[4].
إقامة إسرائيل الكبرى والسيطرة على العالم
إن الهدف البعيد الذي يحلم به اليهود هو أن يقيموا إسرائيل الكبرى، وأن يحكموا العالم من خلالها، تلك أمانيهم وأحلامهم التي يعدون لها العدة، ويربون عليها الأجيال جيلا بعد جيل، فإن تمكنوا من تحقيق هذا الهدف من خلال الدهاء الذي عرفوا به، فبها ونعمت، وإلا فجميع الخيارات مفتوحة أمامهم[5].
ونجد عند المسيحيين أيضا اهتماما بالعمل لتحقيق هذا الهدف، ذلك لأن الإنجيل، وهو الكتاب المقدس عند النصارى، تضمن عدة نصوص تدعو إلى ضرورة إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وتعتبر هذا العمل واجبا مقدسا على النصارى[6].
تلك هي أهم أهداف التطبيع عند اليهود، بل هي على وجه الدقة أهم أهدافهم على الإطلاق، والتطبيع هو واحد من الوسائل التي يستخدمونها لأجل بلوغ تلك الأهداف، وإلا فإن لهم وسائل أخرى سبق ذكرها وأوردها هنا مجملة ومنها:
- المكر والدهاء والخديعة والخيانة.
- القوة والعنف والاستئصال.
ج.الحط من كرامة العلماء لإبعاد تأثيرهم على الناس، فقد عرف اليهود جيدا دور العلماء ومكانتهم في توعية الأمة واستنفار طاقاتها وتجييشها للانتصار للحق وجهاد أعدائه، فعمدوا إلى تشويه صورة العلماء، واستخدموا في ذلك دهاءهم ليفصلوا بين الأمة وبين الأخذ عن علمائها وأئمتها، لكي يخلو لهم الطريق بعد ذلك لبث سمومهم التخريبية في أوصالها؛ فهل يدرك المطبعون مع أي نوع من البشر يطبعون؟؟؟ ألا فليسقط التطبيع قبل فوات الأوان…
((يُتبع في المقال (8) بعنوان: “الغرب والكيان الصهيوني اللقيط”))
[1] – محمد الفاضل بن علي اللافى، تأصيل الحوار الديني، ص:80.
[2] – موسى إبراهيم الإبراهيم، حوار الحضارات وطبيعة الصراع بين الحق والباطل، ص:284-285.
[3] – السيد محمد حسين فضل الله، حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع، ص:444.
[4] – رشاد عبد الله الشامي، الشخصية اليهودية الإسرائيلية والروح العدوانية، سلسلة عالم المعرفة، العدد:102، يونيو 1986م، ص:206.
[5] – روجيه جارودي، محاكمة الصهيونية الإسرائيلية، ص:173.
[6] – محمد أبو حمدة، الأخطبوط الصهيوني رأي العين، ص:101-108.
موضوع في المستوى ،بالتوفيق