منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

 مُهْرَةٌ أعجمية! (قصة قصيرة)

 مُهْرَةٌ أعجمية ! (قصة قصيرة)/ رشيد الفائز

0

 مُهْرَةٌ أعجمية ! (قصة قصيرة)

بقلم: رشيد الفائز

وقف الشيخ فواز بجانب دابته مسعودة التي قضت نحبها والممددة على الأرض، وهو يفكر مليا عما سيحل به بعد فراقها، فقد كانت مسعودة دابة ليس ككل الدواب، عليها يذهب راكبا إلى السوق، وعليها يسقي الماء، وعليها كان يذهب إلى كل مناسبات القبيلة. وكان الناس يسألونه دوما وأبدا عما إذا كان ينوي بيعها، فلها أكثر من مشتر، بل العديد ممن هم مستعدون للدخول في مزاد للظفر بها. وفي كل مرة كان يرفض ولا يفكر أبدا في فراقها.

في ذاك اليوم لاحظ الشيخ فواز في دابته فتورا غير معهود، وتثاقلا ليس من عادتها. ظن الشيخ فواز أن حر الصيف قد أثر عليها، فنزل من على ظهرها لعله يخفف عنها، لكن فور وصوله إلى المنزل وحط رحاله بفنائه، جثت مسعودة على ركبتيها وتسارعت أنفاسها مع دقات قلبها، قبل أن تلفظ أنفاسها، حيث ارتسمت على ملامحها ابتسامة مودع، لا يفهمها إلا من حضر ميتا يُحتضر.آه وكأني بها تقول بلسان حالها : ها أنذا وفيت بواجبي ولم أخذلك، و لم أتركك في منتصف الطريق، ولم أعي بحمل أثقالك، وآن الأوان لألتحق بالرفيق الأعلى.

أخذ الشيخ فواز ينظر إلى جثة دابته الهامدة، وفوقها باتت كل ذكرياته معها ترفرف وتحوم حولها. فهي التي كانت توسع له ظهرها ليحمل عليها ما لا تتحمله أي دابة في القرية، حتى أن أهل القرية كانوا يغارون من دابته ويتعجبون كيف لدابة طاعنة في السن أن تحمل كل هذه الأحمال؟ لكن الشيخ فواز كان بينه وبين دابته سر، أو عدة أسرار، لا يعلمها إلا الله.

وحينما ألقى بصره على حوافرها، أجهش بالبكاء لأنه تذكر أنه لم يمض على تغيير حذواتها إلا بضعة أسابيع، وكانت مسعودة تمشي بعد تغييرها بخيلاء كأنها عروس في ليلة زفافها، فتُعلي حافرا وتضع آخر في حركة رشيقة استعراضية. وها هي الآن لم تعد تملك نعمة الوقوف على تلك الحذوات الفضية الناصعة.

 وما إن أخبر زوجته بهذا الخبر، حتى بدأت تدعو بالرحمة للدابة في منظر عجيب غريب، وكأنهم فقدوا أحد الأقرباء. كيف لا والشيخ فواز وزوجته وأبناؤه كانوا لا يقطعون واديا ولا ينزلون منزلا إلا ومسعودة معهم أينما حلوا وارتحلوا. وفي لحظة الذهول والأسى هذه، لمعت في قلب الشيخ فواز حاجة مُلحة للدعاء، وكأن الجثة الهامدة تقول له:

 ادع ربك  الذي خلق

 الذي بي لك قد رزق

فربك مع كل من صدق

دع القلق، دع القلق …

حينها انشرح قلبه ودعا بتضرع : “اللهم ابعث لنا أحد المؤمنين واجعله يفرج كربتنا إلى حين”

ولم يكد ينهي دعاءه حتى جاء البشير يطرق الباب: شيخ فواز! شيخ فواز! أبشر فقد قدم الفتى نينو، وأرسل الملك لك معه مُهرة أعجمية !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.