منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

أساليب خاطئة في تربية الأطفال

أساليب خاطئة في تربية الأطفال/ ذ. بلكبير محمد الصغير

0

أساليب خاطئة في تربية الأطفال

ذ. بلكبير محمد الصغير

مفتش تربوي للتعليم الثانوي 

 

نشر بمجلة النــداء التربـوي، العدد 16-17، السنة العاشرة 1429 هـ-2008،

الصفحات من68 إلى76

 

مقدمــة

مما يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان في مجلس يضم زمرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم تمنوا! فقال أحدهم: أتمنى لو كان هذا البيت مملوءا بالخيل فأغزو بها في سبيل الله، وقال آخر: أتمنى لو كان هذا البيت مملوءا ذهبا أو مالا فأنفقه في سبيل الله واستمر الحديث على هذا المنوال كل واحد يدلو بدلوه، وفي النهاية سئل سيدنا عمر عن أمنيته فقال: أما أنا فأتمنى لو كان هذا البيت مملوءا رجالا من مثل أبي عبيدة بن الجراح.

إن مما يثير الانتباه في هذه الرواية هو أمنية سيدنا عمر بن الخطاب والتي تدل على أن أكبر هم كان لديه هو الإنسان. كيف يترقى هذا الإنسان ويتربى حتى يصير في المستوى الذي يمكن أن تعتمد عليه الأمة، إنسانا نافعا لنفسه ولأمته وليس إنسانا غثائيا. هذا يؤكد أن الإنسان هو الثروة الحقيقية لكل مجتمع وعلى أساسها تقاس قوة وتقدم ومنعة كل أمة، والدليل على ذلك هو أن كثيرا من الدول في عصرنا الحالي تعتبر من الدول المتقدمة بقدرات أبنائها رغم قلة مواردها الطبيعية وبالمقابل هناك الكثير من الدول الأخرى التي تتوفر على ثروات طبيعية لا يستهان بها ومع ذلك تحسب من الدول التي لا وزن لها في المجتمع الدولي ومن بينها الدول الإسلامية.

إن الدول الإسلامية تعيش حالة من الوهن والتخلف لا تحسد عليها، ولا شك أن من بين أهم الأسباب في ذلك هو نوع الإنسان في هذه الدول أو قل هو طبيعة التربية التي يتلقاها الإنسان المسلم. فما مصدر الخلل في هذه التربية؟

إن تربية الأبناء ليست بالعملية السهلة بل تتطلب حكمة وكفاية واستعدادا وصبرا، ولا شك أن هناك عواملا كثيرة لها تأثير واضح عليها منها مثلا: المستوى المعيشي والثقافي للأسرة، والاستعدادات الفطرية للأطفال، وحالتهم الصحية، وتأثير الأصدقاء، وطرق الحياة المعاصرة وما جلبته من وسائل وتقنيات كالتلفاز والحاسوب وشبكة المعلومات Internet، لكن يمكن للآباء إذا توفر عندهم الوعي التربوي أن يخففوا من الآثار السلبية ويدعموا الآثار الإيجابية التي قد تنجم عن هذه العوامل.

إن فشل التربية ينتج في الغالب عن أخطاء ترتكب في أساليب تنشئة الأولاد، وسنحاول أن نذكر بعضا منها:

1 ـ عدم مراعاة خصائص الأطفال الجسمية والنفسية والعقلية:

تتضمن التربية مجموعة من العمليات الممتدة في الزمن “تسعى إلى إتاحة الظروف المناسبة لتفتح وتنمية شخصية الإنسان وتنمية قدراته العقلية ونظرته للأمور وفي سلوكه وتصرفاته وفي شعوره ومواقفه من نفسه ومن الآخرين المحيطين به”1.

من هذا التعريف يتبين أن التربية تهتم بتنمية جوانب الشخصية المختلفة، ولن يتحقق هذا إلا بمعرفة كيف تنمو هذه الجوانب وتتطور من خلال مراحل زمنية محددة وأن كل مرحلة تتميز بانبثاق أنواع معينة من السلوك نتيجة النضج. تتمثل هذه الأنواع من السلوك في التآزر الحسي الحركي، والتفكير، والنمو الخلقي، والنمو الاجتماعي، والنمو الوجداني الانفعالي. لذا فمن الضروري لمن يتولى تربية الأطفال سواء داخل الأسرة أو في المدرسة أن يعرف ما تتميز به كل مرحلة من مراحل نموهم وما هي الحالة التي يكونون عليها بدنيا وعقليا ووجدانيا وكيف هو سلوكهم الطبيعي في الوسط الاجتماعي، وما هي جوانب القوة والضعف الأخلاقية لديهم؟

لكن غالبا ما نجد أن المربيين يتعاملون مع الأطفال دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الخصائص إما جهلا بها أو تناسيا لها. فمثلا قد نجد أن بعض الآباء لا يعرفون أن الطفل في مرحلة ما من طفولته ينمو لديه الإحساس بنفسه، وهو ما يسمى بمفهوم الذات الذي يمثل جماع الأشياء التي يمكنه القيام بها، “ويتكون من انطباعات وتعليقات وآراء ومعاملات الناس حوله من أسرة وأقران ومعلمين، ويعني تقدير الطفل لنفسه سلبيا أو إيجابيا حسب سلبية أو إيجابية الانطباعات المتكونة لديه حول نفسه أو دوره أو مدى أهميته لدى أسرته أو أقرانه أو معلميه”2.

ومعلوم أن مفهوم الذات الذي ينبع منه احترام الذات أو إهانتها أمر هام في نمو الشخصية. فمن كان تقديره لذاته متدنيا أي يرى نفسه بدون قيمة أو أهمية يكون السلوك الصادر عنه وتحصيله المدرسي في الغالب تافها غير ذي قيمة نظرا لعدم أهمية هذا التحصيل أو هذا السلوك عنده، كما لا يستطيع أن يميز قيمة غيره من الناس ويرى الأشياء والمسؤوليات الأخرى غير ذات قيمة فيتخلى عن مسؤولياته عند أول صعوبة أو حدوث رغبة أخرى لديه، كما أنه يميل إلى العزلة أو إلى كره الآخرين أو إلى الانحراف والخروج عن القانون، وقد يميل إلى الاعتماد على الآخرين فيصبح عالة عليهم. “والفرد (أو المجتمع) القوي بمفهوم ذاته يأخذ ما يريد دائما دون أن ينتظر أبدا من الآخرين أو الأمم المحيطة لإعطائه شيئا يتمناه”3. أعطينا هذا المثال لأن هناك علاقة وطيدة بين أسلوب تنشئة الطفل وتقديره لذاته.

ونأخذ مثالا آخر: من الحقائق التي يتم إغفالها: إن الطفل غير الراشد وإن اللعب من أهم مميزات سن الطفولة. يقول جان بياجي: “على الرغم من الآراء التنبؤية لكبار المربين، فقد ظلت البيداغوجيا التقليدية تعتبر اللعب ضربا من الفضالة الذهنية أو، على الأقل بمثابة نشاط مستعار من دون مغزى وظيفي، لا بل نشاط مضر بالأولاد يلهيهم عن فروضهم”4. هذا في الوقت الذي تبين فيه كثير من الأبحاث في هذا المجال أن للعب وظائف عديدة وأنه يمثل عاملا مهما من عوامل بناء شخصية الطفل وشرطا من الشروط اللازمة لنمو جسدي وعقلي سليم للجيل الصاعد، حتى إن هناك من يرى أن الفرد في سن الرابعة يكون قد نمى 50% من الذكاء الذي سيكون له في سن السابعة عشرة، وهذا بفضل اللعب.

وأريد الإشارة هنا إلى أنه جاء في الأثر وصية هامة في التعامل مع الأولاد تدعم ما سبق نصها كالآتي: “لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا ثم اترك له الحبل على الغارب بعد ذلك”. ومن هذه الوصية يمكن استخلاص عدة فوائد هي:

ـ إن مدة التربية الواجبة على الوالدين هي 21 سنة.

ـ إن هذه المدة مقسمة إلى ثلاث مراحل، مرحلة أولى مدتها 7 سنوات أهم ما يجب التركيز عليه فيها هو الملاعبة أي مشاركة الطفل لعبه وهنا تظهر أهمية اللعب، ومرحلة ثانية يركز فيها على التأديب والتربية الخلقية، والمرحلة الثالثة والأخيرة هي مرحلة المصاحبة أو الصحبة ومدتها 7 سنوات أيضا، وخلالها يمكن معاملة الطفل كشخص صديق.

2 ـ القسوة في التربية.

والمقصود هنا استعمال العنف والعقاب والتهديد كوسائل لتأديب الأولاد، وهذا النوع من التربية سائد بكثرة في أسرنا. ولا يخفى ما لهذه الأساليب من عواقب وخيمة على شخصية الطفل النامية؛ فقد أبرزت كثير من الأبحاث أن التربية المتسلطة المعتمدة على العقاب كوسيلة أساسية قد تنجح في إخفاء السلوك غير المرغوب فيه وإخضاع الطفل لكنها في نفس الوقت تذل نفسه وتقتل أمله ورغبته في العمل وفي الحياة وتجعل منه شخصا انتهازيا متحينا للفرص وتجعل منه منافقا ومداهنا على المدى البعيد، (للتوسع أكثر في هذا الموضوع نحيل القارئ الكريم على مقال العقاب في التربية في العدد الثاني من مجلة النداء التربوي).

3 ـ الطفل المدلل:

كثيرا ما يلفت نظرنا مشهد طفل في متجر ما مع أحد والديه وهو يلح في الطلب للحصول على أشياء معروضة في المتجر، ولكن بمجرد أن تلبى رغبته يعزف عنها ويطلب شيئا آخر، ولا يرضيه شيء أبدا وقد يحرج أباه أو أمه أمام صاحب المتجر وأمام الزبناء. يمكن أن تكون هذه صورة لطفل مدلل، وقد يكون الحرج الذي يشعر به الأب أو الأم أمر هين أمام عواقب أخرى لتربية مذعنة لأهواء طفل مدلل ورغباته التي ليس لها حدود.

إن من نتائج مثل هذه التربية:

ـ عجز الأسرة عن تلبية رغبات الطفل وقد يدفعها هذا إلى اعتماد أساليب أخرى خاطئة في التربية.

ـ قد يصبح الطفل شخصا مستبدا في المستقبل أو قد يصبح شخصا منطويا على نفسه عندما يصطدم بالواقع الذي لا يذعن لرغباته.

ـ يمكن أن يصير الطفل عاجزا عن تحمل المسؤولية ومواجهة مشاكل الحياة لأنه تعود على أن يجد الأشياء جاهزة ولم يبذل أي جهد للحصول عليها، ولم يتدرب على حل المشاكل منذ صغره.

وعندما نطلع على ثراتنا التربوي في هذا الباب نجد أن ديننا الحنيف قد حث الآباء على تربية الأبناء على الخشونة في العيش والابتعاد عن التنعم. فقد روى الطبراني وابن شاهين. وأبو نعيم عن القعقاع بن أبي حدرد مرفوعا “تمعددوا واخشوشنوا وانتضلوا” (تمعددوا: انتسبوا إلى جدكم معد بن عدنان في خشونة العيش والفصاحة، اخشوشنوا: تربوا على حياة الخشونة والتقشف انتضلوا: ارموا بالسهام للإعداد والتعويد)5.

وقد جاء عن بعض السلف: “اخشوشنوا: فإن الحضارة لا تدوم”

إن الحكمة هنا هي الاستجابة لحاجة الطفل لكن بدون إفراط ولا تفريط.

4 ـ إهمال الطفل

إن إهمال الطفل له أسباب متعددة منها عدم استقرار الأسرة وكثرة مشاكلها أو إنشغال الوالدين بالكدح من أجل تدبير أمور العيش أو نقص الوعي التربوي لديهما وعدم استعدادها لتحمل مسؤولية التربية عند التفكير في الزواج أو لعدم وجود أحد الوالدين أو كلاهما….

كيفما كان الحال تبقى تربية الطفل رهينة للصدفة والظروف المحيطة، وهناك احتمال كبير أن يكتسب عادات سيئة لنقص التوجيه ويكون عرضة للانحراف. ومما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أن الأسرة قد توفر للطفل  الطعام واللباس والمأوى ولكنها إذا لم تستجب لحاجته من الحب والحنان والاهتمام والتفاعل الإيجابي كالمحادثة والملاعبة فإن من شأن هذا أن يحرم الطفل الطمأنينة والإحساس بالانتماء اللازمان للتوازن النفسي.

5 ـ القدوة السيئة

تؤكد الأبحاث أن تهذيب طفل أو تعليمه سلوكا ما في الوقت الذي نظهر له عكس ما نريد تعليمه له يجعل تهذيبنا له غير مجد، فعلى سبيل المثال  الأب الذي ينصح ولده بعدم التدخين وهو يدخن أمامه أو بطلب منه شراء علبة سجائر فإن استجابة الولد لنصيحة الأب مستبعدة. والآباء الذين لا يتوقفون عن الصياح والمشاجرة أمام أطفالهم يكون حظهم قليلا من حثهم على عدم رفع الصوت والشجار فيما بينهم. وهناك مثال يسوقه الدكتور ألبير باندورا صاحب نظرية التعلم بالملاحظة يتمثل في الأب الذي يحض أبناءه على العمل في الوقت الذي يبقى هو جالسا الساعات الطوال أمام التلفاز لن يكون سهلا عليه الحصول على السلوك المطلوب عندما يعطى من نفسه مثالا لشخص كسول.

إن من أهم الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من أبحاث ألبير باندورا أن المتعلمين يتعلمون أكثر بالمحاكاة إذا كان النموذج له اعتبار أو هيبة بالنسبة لهم. لذا فمن الواجب على الآباء  والمعلمين أن يعطوا من أنفسهم القدوة الحسنة والمثال الجيد للقيم التي يريدون غرسها في الأولاد إذا شاؤوا النجاح في مهمتهم.

6- عدم  العدل والمساواة بين الأبناء:

من الأخطاء الفادحة في تربية الأبناء تفضيل أحدهم على الآخرين أو تفضيل الأبناء على البنات أو العكس في العطاء والحب والاهتمام. ولا يخفى ما لهذا الأمر من ضرر لأنه يولد الغيرة والحقد بين الأبناء ويؤدي إلى التنافس غير الشريف بينهم وإلى العداوة في المستقبل بالإضافة إلى الآثار النفسية السلبية على الطفل الذي يحس أنه غير مفضل.

ولنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام وإخوته عبرة إذ يرينا القرآن الكريم كيف أن اعتقاد إخوة يوسف بأنه أحب إلى أبيهم منهم دفع بهم إلى الكيد له للتخلص منه، رغم أن سيدنا يعقوب لم يصدر منه ما يمكن أن يبرر هذا الاعتقاد.

ربما تستدعي الظروف أن يتعامل الأب مع أحد أبنائه تعاملا خاصا لكن يجب أن يفهم الأبناء ذلك وأنهم جميعهم متساوون عنده، وقد قيل لحكيم يوما: “من أحب أبنائك إليك قال: ثلاثة، صغيرهم حتى يكبر ومريضهم حتى يشفى وغائبهم حتى يحضر”.

ومعلوم أن العدل والمساواة بين الأبناء مأمور به في الإسلام، فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الآباء بالعدل في الأولاد، قال: “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم”6، وقال: “رحم الله والدا أعان ولده على بره”7. وفيما يخص تفضيل الأبناء على البنات فإن هذا الأمر لا يقره الإسلام، فقد روى أنس أن رجلا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ابن له فقبله وأجلسه على فخذه، وجاءت ابنة له فأجلسها بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا سويت بينهما”8.

7 ـ المقارنة غير المتكافئة بين الأطفال:

من الأخطاء الشائعة أيضا في التربية المقارنة غير المتكافئة بين الطفل وغيره من الأطفال سواء كانوا إخوته أو آخرين كأن يقال للطفل مثلا: إن فلان يفهم أكثر منك أو يتكلم أفضل منك أو يقال له أنظر إلى أخيك لماذا لا تكون مثله في الدراسة… وتكون هذه المقارنة أمرَّ على الطفل إذا كانت في أمور لا حيلة له فيها مثل الأمور المتعلقة بالقابلية للتعلم وإيقاعات التعلم،…. لأن ذلك يشعره بالدونية ويزيد من تفاقم نظرته السلبية لذاته.

ذلك أن كل طفل كائن فريد من نوعه فالله سبحانه وتعالى المنعم “منح كل منا أدمغة معقدة يولد بها، تنشئ طرقا متفرعة لا حصر لها من الخيارات والعوائق، فبينما يملك بعضنا الآخر أدمغة مصممة لأن تتعامل مع كمية كبيرة من المعلومات في آن واحد، يملك بعضنا الآخر أدمغة تستطيع أن تتلقى وتتعامل مع كمية قليلة من المعلومات في آن واحد، وبينما يملك بعضنا أدمغة تختزن في الذاكرة وتسترجع منها بدقة وسرعة، فإن هناك آخرين يملكون أدمغة تسترجع الحقائق على نحو أبطأ وأقل دقة… لذلك فإننا جميعا نعيش بعقول صممت لأن تنشط في مجال ما وتتعثر في آخر”9 ويحضرني هنا الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اعملوا فكل ميسر لما خلق له”.

ولابد من الإشارة هنا إلى الأطفال المعاقين الذين تكون إعاقتهم سببا كبيرا في تكون مفهوم متدن للذات عندهم إذا لم تؤخذ إعاقتهم بعين الاعتبار في أساليب تنشأتهم وينصحنا الدكتور محمد زياد حمدان بمجموعة من الاقتراحات تساعد على التعامل مع الطفل العاجز صحيا أو المعاق منها: أن لا نضعه في مواقف أكبر منه أو تفوق قدراته على الحركة والمشاركة، وأن نهون عليه ضعفه الصحي دون مبالغة تجعله يعيش في سراب، وأن نحاول تحسين صحته إذا أمكن ذلك بالتغذية المفيدة أو العلاج الطبي المناسب.

ولا بأس من المقارنة إذا كان فيها تنويه بقدرات الطفل التي يفوق فيها غيره لكن دون أن يكون في هـذه المقارنـة الحـط مـن قيمة الغير.

والمهم في هذا الباب العمل بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الصحيح: “أنظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم”. والذي أرشدنا إلى التعرف على نعم الله الظاهرة والباطنة علينا والتحدث بها: “وأما بنعمة ربك فحدث”، والصبر على الابتلاءات والرضا بما ليس في وسع العبد تغييره.

8 ـ أخطار وسائل الإعلام ووسائل الترفيه الحديثة.

إن وسائل الإعلام الحديثة من تلفاز وقنوات فضائية وفيديو وأنترنت التي غزت البيوت أصبحت تشكل تهديدا خطيرا نظرا لما تسببه من إذهاب للحياء وانحلال في الأخلاق وتخريب للعقول وفساد للقيم وما ينتج عن ذلك كله من انهيار للمجتمع وزوال للحضارة على المدى البعيد.

ويكمن خطر هذه الوسائل في كونها تتيح لكل شخص في هذا العصر إمكانية النظر بدون عناء لكل ما يثير الغرائز والشهوات ويضع على الطريق الذي ينتهي بالوقوع في الفاحشة لأن النظر هو مبدأ الفتنة ولهذا أمرنا الله تعالى بغض البصر.

مكمن الخطر إذن في كون هذه الوسائل مرئية (تعتمد على البصر) وفي كونها متاحة لكل الناس وبالتالي فهي تشيع الفاحشة والجريمة في المجتمع وتنشرها كما ينتشر الوباء.

ويكمن الخطر أيضا في تخريب العقول. يقول أحد الاختصاصيين في التعليم والطب: “إن وسائل التسلية المتسارعة تجعل المحتويات الدراسية تبدو مملة جدا! لقد صرت أجد في كامل عملي السريري أن كثيرا من مظاهر الحياة المعاصرة يمكن أن تعيق نمو وظائف التطور العصبي الأساسية، أولا هناك آثار الممارسات الإلكترونية التي يمارسها الأطفال والمراهقون ويتمتعون بها، إن التلفاز هو أكثر المتهمين الثابتين، عدا عن العنف الذي قد ينتج سلوكا اندفاعيا وتهوريا، وهناك الاستسلامية التي تحصل عند مشاهدة معظم برامج التلفاز، إن أخذ المعلومات بشكل منفعل بينما تستلقي على ظهرك وتتناول “الفشار” يحجب فرصة التفكير المبدع والعواصف الفكرية، وتطور الإنتاج والهويات وأكثر هذه النشاطات الفاعلة الداعمة المقوية للعقل…

… أما استعمال شبكة المعلومات  Internet فهو سلاح ذو حدين من ناحية يمكن لتعلم التجوال في شبكة المعلومات بحثا عن معلومات معينة أن يكون مهارة مفيدة في الأبحاث. لكن بعض الطلاب استعملوا مواقع الشبكة لجني المعلومات دون أن يفهموها في الواقع أو يدمجوها مع معلومات أخرى لذلك، فإن العملية تحمل خطرا أن تصبح طريقة جديدة من التعلم المنفعل أو حتى طريقة لاكتساب مهارات انتحال معلومات الآخرين”10.

خـــــلاصـــــة

حاولت في هذا المقال أن أعرض بعض الأخطاء الشائعة في التربية مبينا بعض آثارها السلبية على الأطفال ومستقبلهم وبطبيعة الحال فهناك أخطاء أخرى لا يتسع المجال لذكرها ولكن أود أن أشير إلى مسألة تتعلق بالغاية من التربية التي قد لا يكون بعض الآباء على وعي بها وهم يمارسون مهمتهم التربوية وهي لماذا نربي الأطفال؟هل نربيهم لأنفسهم أم نربيهم للمجتمع والأمة؟… هل نربي الأطفال ليتفوقوا على أقرانهم ويحصلوا على مناصب تخول لهم الهيمنة على الآخرين من أبناء أمتهم أم نربيهم ليساهموا في تنمية مجتمع أخلاقي يقوم على العدالة والتعاون والمشاركة. والتكافل، ومثل هذا المجتمع يعتبر هدفا في حد ذاته إضافة إلى كونه نظاما مساعدا على نمو الشخصية وسعادة كل طفل على حدة وبالتالي إرضاء الله عز وجل؟

فإذا كان الجواب هو الأول فإن هذا يعتبر أكبر خطأ على الإطلاق يمكن ارتكابه في التربية لأن مصلحة الفرد الدنيوية تكون في تكوين مجتمع فاضل قوي ومتماسك. ومصلحته الأخروية تكون في نيل رضا الله جل جلاله.

وقبل أن أختم أشير إلى أن هذه المظاهر السلبية التي تطرقت إليها قد لا تخلو منها أسرة فإن سلمت أسرة من واحدة منها أو أكثر وجدت نفسها واقعة في أخرى، والمهم هو الوعي بهذه المظاهر والعمل على تصحيحها وتداركها قبل فوات الأوان ولا ننسى وسيلة مهمة من وسائل التربية كثيرا ما نفرط فيها. وهي الدعاء للذرية بالصلاح والإصلاح وقد كان الدعاء من وسائل الأنبياء صلوات الله عليهم كما جاء في القرآن الكريم. قال تعالى: “رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء. “وقال سبحانه: “رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين” وقال سبحانه: “ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما”.


الهوامش:

1/- من محاضرات في التربية الخاصة للأستاذ ميلود أحبدو 1985.

2/- د.محمد زياد حمدان ـ كيف تربي طفلا ـ سلسلة المكتبة التربوية السريعة ـ دار التربية الحديثة (ص19)

3/- د. محمد زياد عمدان مرجع سابق (ص20).

4/- لورودي أوليفرا ليما ـ المستويات الإستراتيجية للألعاب ـ مجلة مستقبليات ـ اليونسكو العدد 1 ـ 1986. (ص65).

نقلا عن

J.Piaget – la formation du symbole chez l’enfant, Neuchâtal, Dilachaux et Niéstlé 1978 (P158).

5/- عبد الله ناصح علوان ـ تربية الأولاد في الإسلام ـ الجزء الثاني دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ـ الطبعة السابعة عشر 1990. (ص219).

6/- عبد الله ناصح علوان ـ تربية الأولاد في الإسلام ـ الجزء 1 دار السلام الطباعة والنشر والتوزيع ـ الطبعة 17 سنة 1990 (ص:329).

7/-  عبد الله ناصح علوان مرجع سابق (ص: 327).

8/-  عبد الله ناصح علوان مرجع سابق (ص: 328).

9/-  د. مل لفين ـ لكل عقل موهبة ـ تعريب الدكتور سامر عبد المحسن الأيوبي ـ شركة الحوار الثقافي بيروت لبنان سنة 2004. (ص27)

10/-  د. مل لفين ـ مرجع سابق ـ (ص 54 ـ 55).

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.