غالبا ما ننظر إلى النصر من زاوية التدافع العسكري ونوعية الأسلحة المستعملة ومدى التفوق التقني الهجومي أو الدفاعي لكل جانب. لكن هناك أبعادا أخرى للنصر غير ظاهرة للعيان لا يدركها الكثير من الناس.
فإن تأملنا رحلة النصر من خاتمتها أو خبرها صعودا إلى مقدمتها أو مبتدئها نلحظ وجود أبطال خلف الستار لا يراهم ولا يكترث لهم المهووسون بالأخبار العاجلة والأحداث الساخنة.
أول الأبطال الذي يطل علينا من هذه الزاوية هو ذلك الخياط البارع المتفنن في خياطة بذلة الناطق الرسمي المشع هيبة ووقارا، فلا يملك المستمع أو المشاهد أن يلتفت إلى الثياب ويركز على الخطاب فقط (عكس ما إن كانت غير لائقة) . ثم نعرج على فريق التصوير والصوت والإضاءة والمونتاج والإخراج (الذين لا يظهرون طبعا لأنهم خلف الكاميرا وليس أمامها).ناهيك عن دورأهل اللغة والتواصل والأدب وفن الخطاب والترجمة.
وهنا نقفز على الجانب العسكري لأن الإعلام لا يركز إلا على هذا الجانب تفصيلا وتحليلا ومناقشة، لنمر إلى الجانب العلمي الذي يستدعي خبراء في عدة علوم نذكر بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر : علوم الطيران، الفيزياء، الكيمياء، الكهرباء، الاتصالات، الإعلاميات، المعمار، الجغرافيا، الرياضيات، بالإضافة إلى تقنيات الملاحة البحرية والغوص والسباحة وتسيير للمراكب.
وكيف ننسى جيوش الأطباء والممرضين والمسعفين والسائقين الذين يرابطون في الطرقات والمستشفيات وقاعات الجراحة والتمريض.ولابد من الإشارة في الأخير إلى علم النفس، وعلم الاستراتيجيات والتكتيك والمناورات، واختيار التوقيت والمكان المناسبين وأساليب اتخاذ القرارات، وعلم تسيير اقتصاد المواجهة وكيفية الحفاظ على الأمور الحيوية في البلاد.
ولا نحتاج إلى التذكير بالدور الحيوي الذي تلعبه المرأة في أي هندسة سواء كانت أما مربية أو زوجا داعمة أو ظهرا ساندا في مختلف مراحل الطريق المؤدي إلى النصر.
كل هذه الخبرات والملكات والتقنيات لم يكن النصر ليتجاهلها أو يستغني عنها في المعارك المصيرية.ومن ثم فإن إعدادها من باب ” اعقلها وتوكل ” لمن أولى الأولويات لدى كل طالب للنصر، خاصة وأن البعض منها يتطلب فترة لا يستهان بها من الوقت قد تمتد لعدة أعوام.
وقد زخرت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعشرات الأمثلة على ما نقول، لا يسمح مجال المقال الواحد ببسطها. ونكتفي بما نبهنا القرآن الكريم إليه في عبارة وجيزة المبنى عميقة المعنى ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة “. فأرشدنا إلى قوة الإيمان وضرورة الصبر والثبات وإلى أن النصر لا يعتمد فقط على الأسباب بل بالتوكل على رب الأرباب سبحانه، الملك الوهاب. ” وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “.