يمثل التعليم الأصيل في المنظومة التعليمية والتربوية مظهرا من مظاهر التشبت بالهوية الإسلامية والحضارية للمغرب، وتشكل المواد الإسلامية واللغوية نواته المركزية، مما يجعل منه نمطا تعليميا خاصا في هيكلته وتنظيمه التربوي.
يعتبر “الكتاب الأبيض” عملية مراجعة المناهج التربوية فرصة حقيقية لتجديد التعليم الأصيل تنظيميا وبيداغوجيا:
- تنظيميا:
بإدراجه ضمن النظام التربوي وإخضاعه من حيث الهيكلة ونظام الدراسة لقواعد النظام التربوي باعتباره مكونا من مكونات المنظومة التربوية، وجعله قطبا يضاهي ويكمل الأقطاب الأخرى من حيث الأدوار والوظائف والأهداف.
- بيداغوجيا:
ببناء المناهج الدراسية في التعليم الأصيل استنادا إلى المبادئ التي تتأسس عليها عملية مراجعة البرامج والمناهج، وهي المبادئ التي وردت في التوجهات العامة، وفي الوثيقة الصادرة عن اللجنة البيسلكية[1].
وفي هذا السياق يعتبر قطب التعليم الأصيل هيكلة جديدة للتعليم الثانوي الأصيل، ويتكون من ثلاث شعب:
- شعبة اللغة العربية
- شعبة العلوم الشرعية.
- شعبة التوثيق والمكتبة[2].
ينتقد الأستاذ عبد المجيد بن مسعود وهو من داخل منظومة التربية والتكوين – مفتش معتمد لدى أكاديمية وجدة – الوضع الجديد الذي وجد فيه التعليم الأصيل إذ يتحدث قائلا:”والحقيقة أن ما خضع له التعليم الأصيل في ظل هذا التغيير الجديد، ليس إدراجا له في النظام التربوي على الوجه الصحيح، لأنه ما يزال في وضعيته القديمة المتمثلة في حرمانه من روافد سليمة تغذيه وتحفظ له قوته واستمراريته وازدهاره على مستوى السلك الابتدائي والإعدادي”[3].
وعن إزالة وعدم إدراج شعبة العلوم التجريبية الأصيلة ضمن التعليم الأصيل يقول بن مسعود:”ومن المستجدات في تنظيم هذا القطب (قطب التعليم الأصيل)، عدم إدراج شعبة العلوم التجريبية الأصيلة نظرا لانعدام ما يبرر استمرار هذه الشعبة بعد تعريب المواد العلمية بالتعليم الثانوي العام من جهة، ولقلة الإقبال عليها من جهة أخرى.
والواقع أن تبرير حذف شعبة العلوم التجريبية الأصيلة بتعريب المواد العلمية بالتعليم الثانوي العام، يظل مجرد تبرير لا معنى له، لأن ما كان يميز الشعبة المحذوفة ليس اللغة فقط، وإنما طبيعة مواد التكوين، بل إن هناك مسوغا إضافيا يتمثل في غياب الروح الإسلامية من التعليم العام، ومن ثم فإن الحاجة إلى مثل هذه الشعبة تظل قائمة لتخريج فئة ممتازة من العلماء المتشبعين بالثقافة الشرعية والوعي الحضاري العميق، والذي يصلون الحاضر بالماضي التليد الذي أنجب أمثال الفارابي وابن رشد وجابر بن حيان وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم من العلماء الأفذاذ. ولكن هذا الهدف يظل تحقيقه رهينا بتوفير شروطه على مستوى صيرورة التعليم بمد جسور التعريب إلى التعليم العالي، وبتعريب الحياة العامة بجميع مناشطها ومجالاتها، وهي شروط تشكل المجال الحيوي للمنظومة التعليمية برمتها، ولحياة الأمة على حد سواء”[4].
ومما يؤاخذ على الكتاب الأبيض في مجال القيم والمقاييس الاجتماعية نزوعه نحو التجزيء وعدم الشمولية، وإلى هذا أشار الأستاذ عبد المجيد بن مسعود حين قال: “إن الكتاب الأبيض يميز بين قيم متوخاة في تلاميذ قطب أو أقطاب بعينها دون غيرهم، فقد ورد في سياق جرد المواصفات المرتبطة بالقيم والمقاييس الاجتماعية في قطب التعليم الأصيل، “جعل المتعلم متشبعا بقيم الدين الإسلامي، ومعتزا بهويته الدينية والوطنية، محافظا على تراثه الحضاري، ومحصنا ضد كل أنواع الاستلاب الفكري، متمسكا بالسلوك الإسلامي القويم، والمثل العليا المستمدة من روح الدين الإسلامي”[5].
فإذا كانت هذه المواصفات – يقول الأستاذ ابن مسعود – من الدقة بمكان، فإننا لا نظفر ولو بجزء منها عندما يتعلق الأمر بالأقطاب الأخرى.
فهل هناك من مسوغ تربوي لهذه النزعة التبعيضية؟ ولهذا الفصام على مستوى المنظومة التربوية الواحدة التي تستهدف جيلا واحدا من شعب واحد وأمة واحدة؟
يقر الأستاذ عبد المجيد بن مسعود بأننا إزاء ازدواجية واضحة في الخطاب، تتمظهر أول ما تتمظهر على مستوى الألفاظ والمصطلحات المستعملة. فشتان بين “التشبت بقيم الدين الإسلامي” وبين “ترسيخ الهوية المغربية الحضارية” أو حتى “قيم العقيدة الإسلامية السمحة”[6].
وعلى مستوى البرامج والمناهج، فقد أثارت البرامج الجديدة في التعليم الأصيل عدة ملاحظات نبه عليها المختصون بالشأن التعليمي عموما وبالتعليم الأصيل على الخصوص، من وجود ارتباك، وخلو بنائها واختيار مفرداتها بدون نسق علمي ومنهجي فضلا عن وجود خلل في كثير من المصطلحات المستعملة في التعبير عن بعض المواضيع.
وللوقوف على ذلك بشكل ملموس، يجدر بنا أن نستعرض مفردات بعض هذه البرامج، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر نموذج شعبة العلوم الشرعية:
- التفسير والحديث:
- خصوصيات القرآن الكريم – الإعجاز وأوجهه.
- أشهر مصادر السنة ومناهج مصنفيها.
- روابط المجتمع الإسلامي.
- الحديث بين القبول والرد.
- التصنيف الإسلامي للقيم.
- الاعتدال والتسامح في الإسلام.
- العلاقة بين الإنسان والكون – علاقة تسخير.
- أسس تحقيق العدل في الإسلام.
- الأمن الصحي والاجتماعي في الإسلام
- اقتضاء العلم العمل
- الفقه والأصول:
- أسباب تفكيك الأسرة والحفاظ على حقوق الزوجة والأبناء
- الحكم التكليفي وأقسامه
- تنظيم المعاملات في الفقه الإسلامي
- أقسام الحكم الوضعي
- أحكام الورثة وما يتعلق بهم
- حماية الورثة وما يتعلق بهم.
- حماية الحقوق.
- تنظيم المعاملات في الإسلام.
- طرق استنباط الأحكام من النصوص
- مسائل متعلقة بالإرث.
- من القواعد الأصولية[7].
مأخذان اثنان يسجلهما الأستاذ عبد المجيد بن مسعود على مشاريع البرامج الجديدة لمواد شعبة العلوم الشرعية.
يتجلى المأخذ الأول على هذه المشاريع خلطها بين مفردات علمين يستقل كل منهما بكيانه الخاص: علم التفسير وعلم مصطلح الحديث. وإذا كان الأمر يتعلق بنصوص حديثية فالدقة تقتضي النص على ذلك بوضوح، ونفس الأمر ينطبق على علم الفقه وعلم أصول الفقه.
أما المأخذ الثاني فيتمثل في كونه أننا لا ندري وجه العلاقة التي تربط بين بعض المفردات وبين أحد العلمين الذي أدرجت تحته، مثل روابط المجتمع الإسلامي، التصنيف الإسلامي للقيم، الاعتدال والتسامح في الإسلام… إلى آخر مفردات البرنامج. وينسحب نفس الحكم على مفردات الفقه والأصول. فما علاقة موضوع “حماية الحقوق” بأي من العلمين؟ خاصة وأنه غفلا من أي صفة.
أما على صعيد الاصطلاح والصياغة لمفردات البرنامج، فإننا – يقول ابن مسعود – نسجل مثلا الخروج عن الاصطلاح العلمي الذي ظل محفوظا لدى علماء المصطلح. فعبارة “الحديث بين القبول والرد ” غير مألوفة، ومن ثم فليست مقبولة، وما هو متعارف عليه علميا هي ألفاظ “الصحيح والحسن والضعيف والموضوع”[8].
بعد عرض بعض مفردات برنامج شعبة العلوم الشرعية والمآخذ التي سجلت عليها نود إحصاء كل من المواد الدراسية، والكتب والمؤلفات التي عملت الوزارة على إصدارها متجاوزة في ذلك المراحل التاريخية التي مر بها التعليم الأصيل بدون مؤلفات وكتب مدرسية.
فبالنسبة للمشاريع، نأخذ على سبيل النموذج والتمثيل، مشاريع البرامج الجديدة لمواد الجذع المشترك للتعليم الأصيل، وهي كالتالي:
- التفسير والحديث
- الفقه والأصول
- النصوص الأدبية
- علوم اللغة العربية
- علوم البلاغة
- مادة التوثيق
- التاريخ والجغرافيا
- الرياضيات
- علوم الحياة والأرض
- العلوم الفيزيائية
- الفلسفة
- اللغة الأجنبية الأولى
- اللغة الأجنبية الثانية
- التربية البدنية[9]
توجد مجموع هذه المواد ضمن 17 مجزوءة، تستغرق مدة زمنية تقارب 510 ساعة[10].
وبخصوص المؤلفات والكتب المدرسية فقد تم إصدار مجموعة من المؤلفات تغطي مختلف مراحل التعليم الأصيل من التعليم الأساسي بسنواته التسع إلى التعليم الثانوي بسنواته الثلاث، وفيما يلي جرد لأهم عناوين الكتب المقررة:
- التربية الإسلامية:
- دروس في البلاغة
- دروس في الفقه
- كتاب في الأخلاق
- النحو والصرف والتطبيقات
- دروس في مصطلحات الحديث
- النصوص الأدبية
- دروس في الأصول
- دروس في الحديث
- دروس في علوم القرآن
- دروس في التفسير
- دروس في التوحيد
- الفكر الإسلامي والفلسفة
- اللغة العربية
- التاريخ والجغرافيا
- العلوم الطبيعية
- العلوم الفيزيائية: الفيزياء – الكيمياء
- الرياضيات
الرياضيات (التحليل) – الرياضيات (الهندسة) – الرياضيات (الجبر، الهندسة).
- الوثائق المدرسية:
دفتر النصوص – الدفتر المدرسي – السجل العام للتلاميذ – الملف المدرسي.
- كتب باللغات الأجنبية[11].
مقتطف من كتاب:
التعليم الأصيل بالمغرب واستشراف إصلاحه وتجديده
رابط تحميل الكتاب:
https://www.islamanar.com/authentic-education/