منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

تداعيات اقتصادية للحرب بين روسيا وأوكرانيا.

تداعيات اقتصادية للحرب بين روسيا وأوكرانيا/ الدكتور أحمد الإدريسي

0

تداعيات اقتصادية للحرب بين روسيا وأوكرانيا

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

 

تقديم:

أدى الصراع الروسي الأوكراني إلى قلب الموازين الاقتصادية، وتغيير الاستراتيجيات التي وضعت للوصول بالاقتصاد العالمي إلى مرحلة ما بعد جائحة كورونا، ولعل أهمها تقلبات أسواق السلع والطاقة، فتأكد أن الركود التراكمي بات على الأبواب، وأن النمو الاقتصادي سيتأثر بشكل كبير.

وستكون العواقب الاقتصادية للحرب “مأساوية” بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، لكنها ستختلف بالنسبة للمناطق الأخرى حول العالم، وعلى سبيل المثال، ترتبط كل من بولندا وتركيا، بعلاقات تجارية مهمة مع روسيا، فهما أكثر عرضة لتأثيرات الحرب مقارنة بالدول الأخرى، لأن بولندا تستورد أكثر من نصف حاجاتها من النفط من روسيا، كما تستورد تركيا أكثر من ثلث حاجتها من روسيا أيضاً.

أولا: صدمات وأزمات في الأسواق المالية.

تسببت الحرب في أوكرانيا في صدمات وأزمات في الأسواق المالية؛ فقد تكبدت أسهم شركات السيارات خسائر فادحة، على غرار أسهم القطاع الصناعي، ذلك أن هذه الأسهم تتأثر بشدة بأي تغيير متوقع في النشاط الاقتصادي. كما خسرت العملة الأوروبية الموحدة 0.34 من قيمتها أمام الدولار وبلغ سعرها 1.1312 دولارا لليورو الواحد. وشمل الانخفاض العملات الرقمية؛ بيتكوين والبلوكتشين وغيرها. من جهتها تضررت أسهم شركات الطيران بشدة من المخاوف الراهنة، حيث انهارت أسهم عدد من شركات الطيران والسياحة.

وإذا كانت الخسائر شملت كل قطاعات أسواق المال، فإن أسهم البنوك كانت الأكثر تضررا من سواها. وخاصة المصارف التي لها وجود فاعل في روسيا أو في أوكرانيا.

ومن أجل مواجهة “التقلبات في الأسواق المالية”، فقد قرر البنك المركزي الروسي “بنك روسيا” تعليق شراء العملة الأجنبية الاستراتيجية حاليا في ضوء ضعف الروبل والتوترات بشأن أوكرانيا. وأعلن البنك المركزي وقف عمليات شراء العملة إلى أجل غير مسمى. وكان أداء السندات الدولارية لكلا البلدين دون نظيراتها في الأشهر الأخيرة، حيث قلص المستثمرون الانكشاف وسط التوترات المتصاعدة بين أمريكا وحلفائها وروسيا.

ثانيا: التضخم والتضخم المستورد.

بسبب الارتفاع الشديد في أسعار السلع، وصلت معدلات التضخم في الكثير من الأسواق العالمية إلى معدلات غير مسبوقة، ومستويات قياسية مما سيعني أزمة حادة في القدرات الشرائية للمواطن في أغلب دول العالم. إضافة إلى أن هذا التضخم سيكون مصحوبا بالركود وبارتفاع أسعار النفط.  ومن الموقع أن يزداد التضخم لأن الوقود والطاقة من التكاليف الأساسية في تصنيع ونقل البضائع.

أما الدول النفطية العربية التي تستفيد من ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، فإنها سوف تكتوي بارتفاع معدلات التضخم المستورد، الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.

إضافة إلى التأثير الكبير على أسعار النفط، والذي تسبب في اضطرابات في الأسواق، حيث تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية[1].

ثالثا: ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

حذر، وبشدة، برنامج الأغذية العالمي من أن الحرب ستؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، وستعرف عدد من الدول ارتفاعاً في تكاليف المعيشة، وخاصة أجزاء من أوروبا الشرقية وألمانيا وإيطاليا وتركيا التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الغاز الروسي. ويمكن أن تؤدي الحرب إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، للأسباب التالية:

1- تؤدي الزيادات في أسعار النفط إلى رفع سعر الوقود، وإلى زيادة أسعار أغلب المواد.

2- كل من روسيا وأوكرانيا من كبار منتجي المواد الغذائية.

3- من المحتمل أن يكون لأي انقطاع في تدفق الحبوب من منطقة البحر الأسود، تأثير كبير على الأسعار ويضيف مزيدا من الوقود إلى تضخم الغذاء في وقت تشكل فيه القدرة على تحمل التكاليف، مصدر قلق كبير في جميع أنحاء العالم.

4- على سبيل المثال؛ يعتمد السودان ونيجيريا وتنزانيا والجزائر وكينيا وجنوب إفريقيا على الحبوب المستوردة من روسيا وأوكرانيا.

5- ارتفاع أسعار المواد الزراعية، وذلك لسببين:

  • الأول: تُعد روسيا أكبر مصدر للأسمدة التي تُستخدم في الزراعة.
  • الثاني: يحصل نصف سكان العالم على الغذاء نتيجة الأسمدة، وإذا لم يتم تسميد بعض المزروعات، فإن المحصول سينخفض بنسبة 50 في المائة”.

رابعا: الرفع من أسعار الفائدة في بعض الدول.

إن ارتفاع التضخم في الأسواق الناشئة قد يجبر البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن تؤدي زيادة أسعار الطاقة والغذاء إلى زيادة التضخم في البلدان النامية بما يصل إلى نقطة مئوية واحدة، حسب تعبير رئيسة خدمة الاقتصاد العالمي في كابيتال إيكونوميكس، جينيفر ماكوين.

ومن جهة أخرى، فقد تميل البنوك المركزية إلى محاربة التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة، ومنها بعض البلدان التي تعاني بالفعل من التضخم، لاسيما في أوروبا الوسطى وأمريكا اللاتينية. كما سيكون عبئاً إضافياً على تلك الاقتصاديات.

خامسا: من سيدفع الثمن؟

مع تداعيات الأزمة، بدأت تظهر ملامح التكلفة الاقتصادية، أو ما يعرف بالفاتورة الاقتصادية لتلك الحرب التي لن تنتهِي بسرعة، كما كانت تتوقع أجهزة الاستخبارات الروسية، ويبدو أنها ستكون حرباً طويلة على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

وسيؤدي ارتفاع أسعار النفط، كما تدل التجارب السابقة، إلى دعم ميزانيات الدول العربية المنتجة للنفط والغاز (والأمر نفسه ينطبق على إنتاج القمح). أما الدول العربية غير المنتجة للبترول أو القمح، وهي دول ذات أوضاع سياسية واقتصادية ضعيفة، فستعرف أوضاعا صعبة أكثر مما هي عليه؛ إذ إن الطبقات العاملة وغير الميسورة في هذه الدول (مثل سوريا، لبنان وتونس…) تجد صعوبة أكثر في تلبية احتياجات عائلاتها من الطعام أو في الحصول على كلفة النقل.

ومن المتوقع أن تنعكس هذه الآثار على توفر إمدادات القمح الضخمة من روسيا وأوكرانيا على الأسواق الدولية. كدولة مصر التي تعتمد كل الاعتماد على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا. وأسعار القمح والنفط قد بدأت ترتفع.

ولا تخلو أزمة من مستفيدين، وإن كانوا قلة، ومن المستفيدين من هذه الأزمة؛ شركات الطاقة حول العالم العاملة في قطاعي النفط والغاز الطبيعي، وكبار مصدري الحبوب الآخرين في العالم. كما ستكون الاستثمار في السندات، المصنفة كأكبر محافظ على قيمتها حول العالم، إضافة إلى أن الاستثمارات الصاعدة في الذهب ستكون ملاذا للمستثمرين الهاربين من أية خسائر. إلا أن ذلك سيكون على حساب الدول التي ستدفع الثمن.

خاتمة:

من المؤكد أن العالم بدأ يستعد وبشكل جدي لمتغيرات قد تبقى معنا مدة طويلة من الزمن مع تفاقم الأزمة الأوكرانية وأثرها على القارة الأوروبية تحديداً وعلى أتباعها في العالم، وذلك بسبب الارتفاع الكبير الملحوظ في أسعار تكاليف الشحن؛ برا وبحرا وجوا، وبسبب زيادة أسعار النفط. كما ستؤدي الزيادات في أسعار النفط إلى رفع سعر الوقود، وإلى زيادة أسعار أغلب المواد.

وفي نظري؛ الأمر لا يتعلق فقط بأزمة غذاء أو أزمة اقتصادية عالمية، ولكن الأمر يتعلق أكثر ب“حجم الأزمة، ومداها”، أي؛ المدة التي ستستغرقها الحرب، وهذا الضرر يتوقف على مدى استمرارية الاضطرابات الأخيرة في الأسواق وهل ستكون أزمة مؤقتة أم أزمة دائمة.

وفي الختام نؤكد أنه لا ينبغي استغلال الوضع السياسي والاقتصادي العالمي، في الضغط على المواطن، بأي شكل من أشكال الضغط الاقتصادي؛ فإن الدولة عندها ما يكفي من الثروات والخبراء للتكيف مع الوضع الاقتصادي، وخلق موازنة مالية لتدبير الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم بسبب هذه الحرب.

والله غالب على أمره، والحمد لله رب العالمين.


[1] – حسب تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.