منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

خلق الرسول ﷺ في بيته

سعيد العيوشي

0

خلق الرسول في بيته

بقلم: سعيد العيوشي

 

ندخل بيت النبوة لنتعلم فن حسن العشرة وحسن الخلق، من خلال تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين، كيف كان يتودد إليهن ويتلطف لهن، لنتعلم المعنى الحقيقي للحب، وللعشرة الجميلة، والحلم عند الإساءة.

أولا: التلطف في المعاملة والعشرة الجميلة:

من صور التواصل الجميل التلطف مع الزوجة والنداء عليها بأحب الأسماء، فقد كان ﷺ يقول ل(عائشة):”يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام. فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى مالا أرى.[1] وكان يقول لها أيضا يا حميراء، تصغير حمراء يعني بيضاء، إذا فهذا نوع من الملاطفة النبوية الجميلة لعائشة الصديقية رضي الله عنها، قالت عائشة رضى الله عنها: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك رضي الله عنها “.[2]

وفي حديث أخر قالت عائشة رضي الله عنها: قال الرسول ﷺ: “إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله”[3]، من صور تواصل الرسول ﷺ المداعبة والملاطفة فقد كان الرسول ﷺ يضع اللقمة في فم زوجاته، تأجر عليها وتكسب بها ود زوجتك …فقد كان عليه الصلاة والسلام يصف حبه لعائشة ويخبرها أنها زوجته في الدنيا والاخرة عن ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول ﷺ قال لها: أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قالت بلى قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة “.[4]

قال الله تعالى في حقه “وإنك لعلى خلق عظيم “[5] جمع الرسول ﷺ جميل الأخلاق وجمال الخِلقة، فكان مع زوجاته جميل العِشرة دائم البِشر يداعب أهله ويتواصل معهم ويتلطف بهن ويوسع لهن في النفقة، ويضاحكهن، حتى أنهم كان يلاعب عائشة لصغر سنها، قالت: “سابقني رسول الله فسبقته فلبت حتى إذا أرهقني اللحم أي سمنت سابقني فسبقني فقال: هذه بتلك يشير إلى المرة الأولى”[6]

قال الحافظ ابن كثير “كان يجتمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله ﷺ فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى بيتها ،وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام يؤنسهم بذلك ﷺ “، فما كان منه ﷺ الى أن جعل معيار الخيرية، الاحسان الى الأهل والتواصل معهن وحسن التبعل لهن ،فقال :”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”[7] فالتواصل والتظاهر بمكارم الأخلاق يشعر الزوجة بالحب ويشد من ضعفها فالرسول ﷺ كان مثاليا في حياته مع زوجاته لأن الله تعالى أعطاه حسن الخلق وحسن الأدب فتواصل مع زوجاته بالملاعبة والمداعبة والعدل والرحمة ،لأن خلقه القرآن …

ثانيا: اللطف فن لصناعة الحب:

ليس الحب هو ما نراه في الأفلام والمسلسلات، وفي العلاقات الرضائية المحرمة شرعا وعرفا؛ التي تجمع بين الرجال والنساء، إنما الحب الحقيقي يكون في العلاقة الزوجية الشرعية البانية للعمران المبنية على ميثاق غليظ، نقف تلامذة في مدرسة النبوة لنتعلم معنى الحب وكيف يكون الحب في العلاقة الزوجية، قال رسول ﷺ:”حبب إلى من الدنيا: النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة”[8] وسأله عمرو بن عاص رضي الله عنه قائلا: “أي الناس أحب إليك؟ قال عائشة، قلت: من الرجال؟ قال أبوها. قلت: ثم من؟ قال عمر. فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم “[9]، ومن علامة الحب فسح المجال للزوجة للعب والترفيه قالت عائشة كنت ألعب مع البنات عند النبي ﷺ، وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله ﷺ إذا دخل ينتقمن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي. وقالت عائشة رضي الله عنها رأيت النبي ﷺ يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر فقال النبي ﷺ “دعهم أمنا بني أرفده”[10]

ثالثا: العدل بين الأزواج:

رسول الله ﷺ الأسوة والقدوة في العدل بين الناس في كل معاملاته فهو الذي وصفه ربه بأجل وأجمل صفة فقال “وإنك لعلى خلق عظيم”[11].

وقد كان ﷺ يعدل بين أزواجه، في حبه وملاعبته وحلمه ووفائه، وعدله ناشئ عن الشعور بالمسؤولية، ومن فِطرة الله تعالى له على الحق والعدل وبعثه بهما.

فقد كان ﷺ كما قالت عائشة – رضي الله عنها – : ” لا يفضِّل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا، وكان قلَّ يوم يأتي إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبغ إلى التي هو يومُها فيبيت عندها “[12].ولم يكن يتغير حاله ﷺ في العدل تبعًا لتغير أحواله سفرًا وحضرًا، بل لقد كان يعدل في سفره كما يعدل في حضَره، كما قالت عائشة رضي الله عنها: ” كان رسول الله ﷺ إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيَّتهُن خرج سهمُها خرج بها معه، قالت: وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة رضي الله عنها زوج النبي ﷺ تبتغي بذلك رضا رسول الله ﷺ “[13]. تعني بذلك لمَّا كبرت، وأضحت لا إربة لها في الرجال.

وفي رواية قالت: ” إن رسول الله ﷺ كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غدًا؟ يريد يوم عائشة، قالت: فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نَحْري وسَحْري وخالط ريقه ريقي”[14].

ومع ما كان عليه ﷺ من كمال العدل بين نسائه في كل ما يقدر عليه مما هو (في يده) فإنه مع ذلك كان يعتذر إلى الله تعالى فيما لا يقدر عليه مما هو  خارج عن نطاق التكليف، كما قالت السيدة عائشة  رضي الله عنها: ” كان رسول الله ﷺ يقسم فيعدل ويقول: ” اللَّهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”[15] وهو يعني بذلك القلب كما فسَّره به أبو داود، وقيل: يعني الحب والمودة، كما فسره الترمذي، والمعنى: أن القسمة الحسِّية قد كان ﷺ يوفِّي بها على الوجه الأكمل لأنها بيده، لكن القلب بيد الله، وقد جعل فيه حب عائشة أكثر من غيرها، وذلك خارج عن قدرته وإرادته.[16]

رابعا: الحلم عند الإساءة:

أما حلمه عن إساءتهن وصبره على أذيتهن فهو في ذلك المثل البشري الأعلى بحيث لم يسمع بأحد كان أحلم عن نسائه كما كان عليه رسول الله ﷺ وذلك مع عظيم جنابه، وسمو منزلته عند الله تعالى وعند الناس. عن عمر بن الخطاب قال: “كنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار، إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار قال: فصخبت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فو الله أن أزواج النبي ﷺ ليراجعنه، وان إحداهن لتهجره اليوم الى الليل، قال: فافزعني ذلك وقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن، قال: ثم جمعت على ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكن النبي ﷺ اليوم حتى الليل؟ قالت: نعم، قال: فقلت: قد خبت وخسرت، فتأمنين أن يغضب الله لغضب رسوله ﷺ فتهلكي؟ [17] كان عليه السلام رحيما بهن يلاطفهن في القول وكان يتودد إليهن فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله ﷺ: “إني لأعلم إذا كنتي عني راضية وإذا كنتي عضبي” قالت: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: “أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم “قالت: قلت أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك”[18]

عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ عندَ بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصَحْفةٍ فيها طعامٌ، فضربت التي النبيُّ ﷺ في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصَّحْفةُ، فانفَلَقَتْ، فجمع النبي ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: ((غارت أمُّكم))، ثم حبس الخادمَ حتى أُتِي بصَحْفَةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفع الصَّحْفَةَ الصحيحة إلى التي كُسرت صَحْفَتُها، وأمسَكَ المكسورة في بيت التي كسَرَتْ”[19]، فهنا يبين لنا الرسول ﷺ كيف يتواصل مع زوجاته في هذه الظروف الصعبة وهو القادر على أن يبدله خيرا منهن طيبات طاهرات ، لكن الرسول كان يتعامل بحلم ليعلمنا كيف نتعامل في مثل هذه الظروف بضبط النفس وسياسة النفس وعدم اللجوء للغضب والعنف …

خلاصة:

على الزوج والزوجة أن يتأملا في سيرة الرسول ﷺ ويأخذ منها الدروس والعبر في تجويد التواصل بينهما وتجاوز العقبات والمشاكل، فلم يخلوا بيت من مشكل لكن التعامل مع هذه المشاكل يحتاج الى حكمة ويقظة لتجاوزها، والسير بالأسرة الى بر الأمان فهذا رسول ﷺ مع زوجاته يعلمنا كيفية إدارة الجانب العاطفي في مؤسسة الاسرة، ولقد ضرب لنا أورع الأمثلة والدروس منها:

التعرف على مشاعر المرأة وأحاسيسها وتقديرها.

تفهم نفسيتها وطبيعتها في الغيرة ويقدره ويعبر لها عن حبه لها.

يختار أحب الأسماء لزوجاته ويتزين لهم كما يحب ان يتزين له.

يأكل ويشرب معهن ولا يتأفف ولا يعيب طعامهن حفاظا على مشاعرهن.

يتكئ وينام على حجر زوجته ويسطحبهن معه للتنزه والسفر.

يكون في خدمة أهله ويساعد زوجه في أعباء البيت يخفف الأحمال من أجل السعادة.

يمتدح زوجه ويشكرها ويهدي ويتودد لها ويعتني بأهلها ويحترمهم.

يفرح لفرحها ويحزن لحزنها يعلن حبه لها كلما سنحت الفرصة.

لا ينشر خصوصياتها ويتجاوز عن طباعها سيئة لا يضرب ولا يعنف يواسيها ويمسح دموعها.

يتق بها ولا يتهمُها بالخيانة يتفقد حالها ويسأل عنها، يراعي حالها أثناء الحيض.


[1] – رواه مسلم، في المسند الصحيح 2447

[2]  –  ن م السابق ص 1106.

[3] – رواه الترمذي، سنن الترمذي ص 2616-

[4]  – الألباني، السلسلة الصجيجة ً 2255

[5]  – سورة القلم الآية 4

[6]  – الألباني، غاية المرام ص،377.

[7]  – الترمذي، سنن الترمذي ً 3895. (حسن غريب صحيح)

[8]– الذهبي ميزان الاعتدال الصفحة 177/6

[9]  – البخاري، الجامع الصحيح ص 4358

[10] – البخاري، الجامع الصحيح ص 3529

[11] سورة القلم الآية 4.

[12]– رواه أبو داوود.

[13]– رواه البخاري

[14]– رواه البخاري

[15]– رواه أبو داوود

[16] – عدل النبي بين زوجاته. كمال مطلق حتى في مرض موته ورقي عظيم بالمعاملة (amrkhaled.net)

[17]– البخاري

[18]  – البخاري

[19] – البخاري 5225

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.