منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

تعلم خطوات النجاح في أسرتك وحياتك من خلال غزوة بدر الكبرى|سلسلة خطبة الجمعة

الشيخ عبد الله بنطاهر التناني

0

تعلم خطوات النجاح في أسرتك وحياتك من خلال غزوة بدر الكبرى|سلسلة خطبة الجمعة
بقلم: الشيخ عبد الله بنطاهر التناني

الحمد لله الذي أكرم المصطفىﷺ بغزوة بدر الكبرى، وأرسله بالعدل والمساواة والشورى، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة تمحى بها سيئاتنا الكبرى والصغرى، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أزال عنا باليقين الشك والمراء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين واصلوا في الجهاد السير بالسرى، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛ أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.

ها هو رمضان قد ذهب نصفه الأول، وكنا في بدايته نقول: أهلا يا رمضان، واليوم يحق لنا أن نقول: مهلا يا رمضان، وغدا نستقبل ذكرى غزوة بدر الكبرى، وقد وقعت في السابع عشر منه في السنة الثانية من الهجرة؛ وخطبة اليوم نتعلم منها خطوات النجاح في الأسرة من خلال الخطوات التي سار عليها وسير بها النبيﷺ غزوة بدر الكبرى فنجح، حين انتصر فيها على المشركين رغم أن عددهم يفوق عدد المسلمين مرتين: (315 مسلما) مقابل (950 مشركا)…
وهنا نطرح السؤال ماهي الخطوات(1) التي اتبعها النبيﷺ حتى انتصر رغم هذا التفاوت الكبير؟ هذه الخطوات نحتاج إليها نحن اليوم في أسرنا وقد شتت ارتفاع أرقام الطلاق شملها، وتنافر الزوجان في أغلبها، وكثرت الخيانات، وتاه الشباب من البنين والبنات، ونكتفي اليوم بأربع خطوات.

● الخطوة الأولى: من خلال غزوة بدر نتعلم أن النجاح في الأسرة لا يتم إلا باتخاذ الحيطة والحذر وبقاعدة “اعرف عدوك”؛ فالمجتمع مليء بأعداء الأسر؛ من قرناء السوء، إلى المخدرات، إلى الإعلام، إلى شبكة الانترنيت، إلى الهواتف المحمولة الذي يغزو بنات العائلات المحترمة بالمواعيد المشبوهة، ويحدث كل هذا في غياب الحيطة والحذر، وفي غفلة من الأب والأم، فيبقى الأولاد دون رعاية ولا حماية؛ لا بد للأبوين من التنبه والتيقظ، لا بد أن يكونا قريبين من أبنائهما وبناتهما، يتحسسان الأخبار بمن يتصلون ومن يصاحبون ومن هم الأصدقاء مباشرة في الواقع، أو الأصدقاء بواسطة المواقع…
نتعلم هذا من غزوة بدر؛ فالنبيﷺ لم يكن متغافلا حتى يباغثه عدوه في عقر داره؛ بل إنهﷺ اتخذ المبادرة، وبث العيون والجواسيس والحراس، ونشر الدوريات الاستطلاعية في سائر الاتجاهات، يتحسسون الأخبار، ثم ينقلونها إليهﷺ، فيتحرك على مقتضاها، ويتخذ الحيطة والحذر على أساسها، وقد كان عمه العباس بن عبد المطلب في مكة يكتم إسلامه لسنوات، حتى يتمكن من اختراق صفوف المشركين، فيكشف للرسولﷺ عن مكايدهم ضده، وقد نجح في مهمته نجاحا كبيرا، فقد نقلت إليهﷺ هذه المخابرات النبوية، أخبار قافلة تجارية لمشركي مكة، يقودها أبو سفيان، وفيها أموال تركها المسلمون حين هاجروا إلى المدينة، فاستولى عليها المشركون ظلما وعدوانا، فأراد الرسولﷺ أن تكون من نصيب الصحابة، يستردون بها بعضا من حقوقهم التي سلبت منهم، فاقترح عليهم التعرض لها، لعل الله يجعلها من نصيهم، فقد روى الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري أنهﷺ قال: للصحابة: «إني أُخْبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة، فهل لكم أن تخرجوا قبلها لعل الله يُغْنِمُناها؟ -أي يجعلها من غنيمتنا- قالوا: نعم يا رسول؛ فخرجﷺ وخرجنا معه». وإن كلمة «أُخْبِرتُ» هنا لتدل دلالة واضحة على أن النبيﷺ كان قد اتخذ لنفسه جهازا للمخابرات مصبوغا بالسرية التامة فإنهﷺ لم يقل: أخبرني فلان، بل قال: “أُخْبرت” حتى يحافظ على هذه السرية في أمان.

● الخطوة الثانية: من خلال غزوة بدر نتعلم أن النجاح في الأسرة لا يتم إلا بالشورى؛ ولا يمكن لأية أسرة أن تستقيم إلا بها، فالأب المستبد يفسد ولا يصلح، فالاستبداد يدفع الأبناء والبنات لارتكاب حماقات من ورائه من حيث لا يدري، لا بد للأبوين وهما قائدا الأسرة أن يستشيرا في قضايا الأسرة أولادهما، فيأخذا بالآراء الناضجة المنيرة؛ فصلاح الأسر يكون بالشورى لا بالاستبداد.
نتعلم هذا من غزوة بدر؛ فالرسولﷺ عند ما علم قبيل غزوة بدر بواسطة الاستخبارات في مكة أن قافلة أبي سفيان قد نجت، وأن كفار مكة قد خرجوا لمواجهته في بدر بأعداد هائلة، تفوق المسلمين عدة وعددا، عقدﷺ مجلسا للشورى، بعد أن أخبره الله تعالى بالفوز بإحدى الطائفتين: القافلة أو الجيش إذ يقول سبحانه وتعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم}، فشكل الرسولﷺ على الفور مجلسا للشورى فقال: أشيروا علي أيها الناس فلم يتقدمﷺ بجيشه حتى أشار عليه جميع عناصره بالإقدام.

● الخطوة الثالثة: من خلال غزوة بدر نتعلم أن النجاح في الأسرة لا يتم إلا بالعدل والمساواة؛ ولا يمكن لأية أسرة أن تستقيم إلا بتحقيق المساواة بين أفرادها، لأن تمييز بعض الأولاد على بعض هو مصدر العداوة بين الأخوة، هو سبب تلكم النزاعات التي أثقلت كاهل الأسر في المجتمع، فعادةً الأبُ يحب من أولاده المجتهد، فيفضله على غيره، وقد يدفعه هذا إلى تمييزه بشيء دون بقية إخوته من دار باسمه أو متجر أو سيارة، فيحسب أنه قد أحسن صنعا، ولم يدر أن فعله هذا ظلم وجور، فتح به باب العداوة والحقد والحسد بين أولاده، روى البخاري ومسلم أن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أعطاه أبوه عطية، فأراد أن يُشهد عليها رسول اللهﷺ فقالﷺ: «أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟». قال: لا، قال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»، وفي رواية قال الرسولﷺ: «أكل ولدك نحلته مثل هذا؟» قال: لا، فقال رسول اللهﷺ: «فلا تشهدني إذن، فإني لا أشهد على جور». «وإني لا أشهد إلا على حق»، وفي رواية قال الرسولﷺ: «أيسرك أن يكون بنوك في البر سواء؟» قال: بلى قالﷺ: «فلا إذن».
لقد اتضحت هذه المساواة جلية في غزوة بدر، إنها تجلت في أسمى معانيها، وفي أجل أوصافها، حين كانت مراكب الجيوش المسلمة قليلة، والمسافة بين بدر والمدينة بعيدة، فقسم بينهم الرسولﷺ المراكب بالمساواة، حيث جعل كل ثلاثة رجال يتناوبون على بعير، ولم يميز الأقرباء منه عن غيرهم، ولا الأغنياء عن الفقراء، ولم يعزل القادة عن بقية الجنود، ولم يعزل لنفسه مركبا خاصا يستأثر به في كوكبة من أقربائه وأعوانه، بل إنهﷺ كان يتناوب مع اثنين من أصحابه على بعير، فلما قالا له: اركب يا رسول الله حتى نمشي عنك؟ قال لهمﷺ فيما روى الإمام أحمد: «ما أنتما بأقوى على المشي مني، ولا أنا بأغنى على الأجر منكما» وهو الذي قالﷺ: «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، فغياب المساواة في الأسرة إنما هو علامة على فشلها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله رب العالمين…

أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون؛

● الخطوة الرابعة: من خلال غزوة بدر نتعلم أن النجاح في الأسرة لا يتم إلا برجوع من أخطأ للصواب وقبول المعارضة؛ ولا يمكن لأية أسرة أن تستقيم إلا بالاستماع لرأي الأولاد، وقد يكون رأي الأبوين خاطئا فيجب التخلي عنه، وقد يكون رأي الأولاد صائبا فيجب التحلي به؛ حدث ذلك في غزوة بدر مرتين:
أولا: عندما وصلﷺ بدرا فأمر الجيش بالنزول أسفل الوادي بينما العدو أعلاه، فقامت المعارضة يقودها الصحابي الجليل حُبَاب بن المنذر، فقال: يا رسول الله؛ أهذا منزل أنزلكه الله: أي أمرك الله بالنزول فيه، فليس من حقنا حينئذ أن نعارض، فما علينا إلا السمع والطاعة؟ أم هو مجرد رأيك في الحرب والمكيدة؟ فقالﷺ: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، وحينئذ اعترض حبابٌ فقال: لا يا رسول الله؛ ليس هذا بالمكان المناسب فارحل بنا حتى نكون أعلى الوادي فهناك سوف نتمكن من مصادر المياه، فنشرب ولا يشربون، فأخذﷺ بهذا الاقتراح وقال: نِعْمَ الرأي.
ثانيا: عندما كانﷺ يسوي صفوف المقاتلين قبيل المواجهة، فمر بصحابي اسمه سواد بن غزية وقد خرج من الصف، فضربهﷺ بعصا في بطنه وقال: استو يا سواد؛ وهنا يعترض سواد ويقول: أوجعتني يا رسول الله؛ وقد بعثك الله بالحق والعدل، فامنحني فرصة آخذ منك بحقي، وفورا ودون تردد كشف له الرسولﷺ عن بطنه الشريفة فقال: خذ يا سواد؛ ولكن هذا الصحابي فاجأ الجميع حين اعتنق بطن المصطفىﷺ يقبله، فقال لهﷺ: ما حملك على هذا يا سواد؟ فقال: يا رسو ل الله لقد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك في حياتي أن يمس جلدي جلدك! إنه موقف إيماني غني عن التعليق.
ألا فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من الصلاة والسلام على رسول اللهﷺ …


(1)- الخُطْوة بالضم: ما بين القدمين، والخَطْوة بالفتح: المرة الواحدة؛ فكلاهما صواب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.