النظام الشامل للاقتصاد الإسلامي
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
النظام الشامل للاقتصاد الإسلامي
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
باحث في التراث المغربي
جامعة محمد الأول
وجدة
إن النظام الشامل للاقتصاد الإسلامي له أهمية خاصة، فإذا كان الاقتصاد الوضعي -بسبب ظروف نشأته- قد انفصل تماما عن الدين، فإن أهم ما يميز الاقتصاد الإسلامي هو ارتباطه التام بالدين عقيدة وشريعة، وهذا منذ نشأته، ثم إن نظام الاقتصاد الإسلامي يختلف تماما عن النظام الاقتصادي الوضعي، فهو ذو طابع سامي تعبدي، له رقابة من قبل الخالق.
المطلب الأول: الطابع التعبدي للنشاط الاقتصادي في الإسلام
إن أي عمل يقوم به المسلم يمكن أن يتحول من عمل مادي عادي إلى عبادة يتاب عليها، إذا قصد المسلم بعمله وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، وانصرفت نيته إلى ذلك يقول النبي ﷺ “”إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى“” [رواه البخاري في صحيحه كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ رقم الحديث:1، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار التقوى مصر، ط1، سنة2001، ج/1 ص3].
المطلب الثاني: الهدف السامي للنشاط الاقتصادي في الإسلام
تهدف النظم الاقتصادية الوضعية من رأس مالية واشتراكية إلى تحقيق النفع المادي وحده لا تباعدها، وكانت نتيجة ذلك تلك المنافسة الطاحنة التي دارت رحابها بين معسكرات الدول المختلفة بقصد السيطرة الاقتصادية واحتكار الأسواق ومصادر المواد الخام في البلاد المختلفة.
وهذه المنافسة هي التي أدت إلى الحربين الأولى والثانية، وهي التي تهدد العالم الآن لحرب ثالثة، ولعل أبرز دليل على ذلك حالة ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية مباشرة، فقد ضاقت أسواقها بإنتاجها الوفير الذي بلغ درجة عالية من التقدم ولم تكن لها مستعمرات تصرف إليها إنتاجها، لذلك أعلن هيتلر في إحدى خطبه في يونيو 1938م التصدير أو الموت، وبعد ذلك في بداية 1939م اجتاحت القوات الألمانية أراضي الدول المجاورة وبدأت بذلك الحرب العالمية الثانية.
إذا كان النفع المادي هو الهدف ستكون الأنانية والاحتكار بخيرات الدنيا وحجبها عن الآخرين. وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى الحرب والدمار…
أما حينما يكون الهدف هو إعمار الأرض وتهيئتها للعيش الإنساني بسلام، وتحقيق الرفاهية والخير للناس فإن المنافسة والأنانية والاحتكار سوف يتحول إلى تفاهم وتعاون بين الدول والشعوب لإعمار الأرض واستغلال ثرواتها على أحسن وجه لصالح البشرية قاطبة.
المطلب الثالث: الرقابة على النشاط الاقتصادي في الإسلام
في النظم الاقتصادية فإن رقابة النشاط الاقتصادي موكولة إلى السلطة العامة تمارسها طبقا للمسطرة، فالرقابة جارية بدليل تهرب الكثيرين من التزاماتهم وانحرافهم بنشاطهم الاقتصادي كلها، سواء غفلت الدول أم عجزت أجهزتها عن ملاحقتهم، أما في ظل الاقتصاد الإسلامي فإنه يوجد إلى جوار الرقابة الشرعية التي تمارسها السلطة العامة، رقابة أشد وأكثر فاعلية هي رقابة الضمير المسلم القائم على الإيمان بالله والحساب يوم الآخر، لقوله تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمُۥٓ أَيْنَ مَا كُنتُمْۖ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٞۖ﴾ [سورة الحديد الآية 4].وقوله أيضا: ﴿۞اِنَّ اَ۬للَّهَ لَا يَخْف۪يٰ عَلَيْهِ شَےْءٞ فِے اِ۬لَارْضِ وَلَا فِے اِ۬لسَّمَآءِۖ﴾ [سورة آل عمران الآية 5].
المطلب الرابع: أخلاق الاقتصاد الإسلامي
الإسلام رسالة أخلاقية لقوله ﷺ: “”إنما بعث لأتمم مكارم الأخلاق“” رواه البخاري، فلا يقبل الفصال النكد والانفعال المشؤوم بين الدين والدنيا بين الاقتصاد والأخلاق، كما لا يقبل أن تقدم الأغراض الاقتصادية على حساب المثل والفضائل والأخلاق التي يتم الترويج إليها، فالإسلام دعا إلى تعطيل البيع والتجارة والحركة الاقتصادية عند النداء لصلاة الجمعة لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَوٰةِ مِنْ يَّوْمِ اِ۬لْجُمُعَةِ فَاسْعَوِاْ اِلَيٰ ذِكْرِ اِ۬للَّهِ وَذَرُواْ اُ۬لْبَيْعَۖ ذَٰلِكُمْ خَيْرٞ لَّكُمُۥٓ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَۖ﴾ [سورة الجمعة الآية 9]، ومن هنا نفهم التشديد والترهيب القرآني على ترك التجارة والبيع عند وجوب صلاة الجمعة.
كما منع النشاط الاقتصادي وقت الاحرام والانشغال بأركان الحج وواجباته، كما حرم بيع الخمر باعتباره أم الخبائث لأضرارها المعنوية الجسيمة على الفرد والأسرة وعلى الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
والأخلاق رغم أن لها منافع كثيرة على المستوى الاقتصادي في ازياد حجم الاستثمارات وتشغيل اليد العاملة، لكن حينما تعترض مع الأخلاق تصير ملغية، يقول تعالى: ﴿۞يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اِ۬لْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَاۖ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ اِ۬لْعَفْوَۖ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اُ۬للَّهُ لَكُمُ اُ۬لَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة البقرة الآية 217]
المراجع المعتمدة
-القران الكريم برواية الإمام ورش.
-صحيح البخاري تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار التقوى مصر، ط1، سنة2001.
-دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي ليوسف القرضاوي، مكتبة وهبة القاهرة ط2، سنة 2001.