منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

عذابُ الانتظار ومتعتُه

عذابُ الانتظار ومتعتُه/ عبد الهادي المهادي

0

عذابُ الانتظار ومتعتُه

بقلم: عبد الهادي المهادي

ما الذي سيفعله إنسان يكره الانتظار ـ مثلي ـ وقد فُرض عليه التّمكّثُ على قارعة الطريق من قِـبل “كائن” لا يحترم مواعيدَه؟

معروف أن المنتظر وحيدا ـ عادة ـ لا يفعل شيئا سوى الانتظار، والمحضوض هو مَن يُصادف وقائع يراقبها ويستأنس بها في انتظار قدوم الفرج، وعندما يعود إلى البيت يستغلّها مادّة لتدويناته !

أقف متأفّفا أعدّ الدقائق، ألتفتُ يمينا ويسارا، وأمدّ بصري إلى المساحة الخضراء أمامي المزدحمة بالناس عشيّة الأحد. وخلفي، حيث توجد سينما طارق، تعجّ المطاعم الشّعبية الصغيرة بروّادٍ ـ أغلبهم من النساء ـ كرهوا الحضور اليومي في المطبخ وخرجوا يطلبون من يخدمهم، ويلتهمون بنشوة أكلات بسيطة ورخيصة في متناول ذات اليد.

بعين المُراقب المتيقّظ ألتقط زوجا ينتظران سيارة الأجرة، فهمت من حركاتهما أنهما قنطا من أية إمكانية للانفراد بواحدة. تشاورا سريعا بعينيهما، والتفتا مُتّجهين شمالا نحو “المدينة”.

أعرف أن مسافة طويلة تنتظرهما، ولكنني أدري ـ من خلال تجربتي المشابهة ـ أنهما سيقطعانها بفرح دون أي إحساس بالتّعب. ففي مثل هذه الحالات يستطيع الإنسان أن يقطع الصحراء راجلا، أو ينتقل إلى إسبانيا ماشيا فوق الماء، في وَجْدٍ وانتشاءٍ شبيه بشطح المتصوّفة أو أشدّ. لأنّ المرءَ يكون ـ حينها ـ “مرفوعا”، خارج منطق الزمان والمكان.

كانت أصابعهما متشابكة، وكانت الفتاة تمشي بكبرياء المنتصر، وأنوثتُها طافحة لا تُخطئها العين. وقد زاد لباسها المحتشم وألوانه المتناسقة من بهاء المشهد وملاحته؛ كانت تَعُبّ كأسا مترعة بالحبّ، وقد ثملت، وبلغ منها السُّكْرُ مبلغه.

كانا يخترقان الزحمة غير مبالين بالعالم الذي يموج من حولهما؛ فـ”بني مكادة” مساء الأحد مَحشر حقيق يحجّ إليه كلّ صاحب مطلب لا يقدر على قضائه طول أيام الأسبوع؛ راكبين وراجلين.

تابعتهما قدر ما سمح لي به موقعي حتى غيّبهما سواد الناس وطوتهما الزحمة، وعدتُ إلى انتظاري بزادٍ وافر من المعاني منحتني دِفْءً استأنستُ به مُدّة استيقاني أن “الكائن” لن يأتي ولن يعتذر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.