منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

مصطلحات مجاورة للمواطنة

حميد نعيمي

0

مصطلحات مجاورة للمواطنة

بقلم: حميد نعيمي

يمكنكم الاطلاع على الكتاب أو تحميله من الرابط التالي:

”المواطنة بين الإسلام والغرب دراسة مقارنة”

هناك مجموعة من المصطلحات تتقارب في معناها مع المواطنة منها:

1 – المساواة

يرى فرنسيس فتح الله أن المواطنة هي”سريان قوانين الدولة بدرجة واحدة على كل المواطنين دون أدنى تفرقة بينهم”[1]، فالمواطنة مرادفة للمساواة عنده، والأمر نفسه عند خالد الحروب حيث قال: “المواطنة نص نظري يحقق مساواة مطلقة نظريا”.[2]

2 – الجنسية

لم تفرق دائرة المعارف البريطانية، ولا موسوعة الكتاب الدولي ولا موسوعة كولير الأمريكية بين الجنسية والمواطنة، وقرر آخرون أن المواطنة والجنسية تترادفان في الدول الديموقراطية، أما في غيرها فلا تعني الجنسية سوى تابعية للتراب أو للحاكم، ولا تعني جميع حقوق المواطنة ولا جلها.[3]

3 – الوطنية

تبين أن المواطنة تعبير عن الحقوق المتبادلة بين الوطن والمواطن…، ولكن الوطنية ألصق بواجبات المواطن نحو وطنه من الحب والوفاء والتضحية، فهي (تعني أن يكون المواطن مع وطنه في محنته كما كان وطنه معه في سرائه).[4]

4 – الديموقراطية

تعتبر الديموقراطية هي الحاضنة الأولى للمواطنة، والمرتبطة بها ارتباطا عضويا وسببيا إلى درجة يمكن معها القول بأنه لا يمكن تجسد الواحدة منهما في غياب الأخرى.[5]

فمن الممكن وجود الدولة من غير مواطنة كما في حالة الدولة الدكتاتورية الشمولية، ولكن لا يتصور قيام دولة المواطنة من دون الديموقراطية وآلياتها كالدستور والفصل بين السلطات والرقابة القضائية والاعتراف بالحقوق الفردية والمساواة أمام القانون.[6]

 تاريخ مصطلح المواطنة في التراث العربي والإسلامي

يلاحظ غياب مصطلح المواطنة في الاستعمال اللغوي عند المسلمين والعرب، وقد تتبع عابد الجابري لفظ “المواطنة” في التراث الأدبي العربي وانتهى إلى ما يلي: “ولا شك أن القارئ سيستغرب معي غياب هذا اللفظ (يقصد المواطنة) في معاجمنا القديمة المتداولة: لسان العرب والقاموس المحيط، والصحاح، وتاج العروس إلخ… أما في نصوص الكتاب والأدباء فاللفظ غائب أيضا، ولم أعثر له على أثر إلا في كتاب “جريدة القصر وجريدة العصر” للعماد الأصبهاني الذي عاش في القرن السادس الهجري…وقد وردت كلمة “مواطنة” مرة واحدة في هذا الكتاب الضخم في رسالة نقلها يمدح فيها كاتبها بيت من يمدح بقوله عنها: “مكتسبة من الأشباح القدسيّة علاءً، ومنتسبة إلى الأشخاص الإنسية ولاءً، مترفّعة عن مواطنة الأغفال، ومقارنة أهل السّفال”، وواضح أن معنى “المواطنة” هنا هو: المصاحبة والعيش… ولم يسعفني الحظ بالعثور على غير هذا النص فيما أمكنني البحث فيه من الكتب، ويكفي أن تكون الكلمة غائبة في المعاجم التي ذكرت… إذن لفظ “مواطنة” ونسيبه “مُواطن” ليس فيهما من العربية غير الصيغة (مفاعلة، مُفاعل) وهي للمشاركة… النتيجة: ليس في مخزون العرب، اللغوي وبالتالي الفكري والوجداني، ما يفيد “ما” يعنونه اليوم باللفظين: “المواطنة” و”المواطن”، وكلمة “ما” هنا تفيد النكرة وقد وضعناها بين مزدوجتين: لتقوية معنى النكرة فيها!”.[7]

ويقول برنارد لويس: “والواقع أن مصطلح مواطن مع دلالته على حق المشاركة في تشكيل الحكومة وإدارتها وبأصوله التي تمتد من الثورتين الفرنسية والأمريكية إلى الدول المدن في اليونان القديمة، كان خارح التجرية الإسلامية”.[8]

إن غياب مصطلح المواطنة كما يردده المستشرقون عن الأدبيات الإسلامية لا يعني غياب جوهره، فكما لكل مصطلح تاريخي مفهومي وحدود واضحة، فإن لمبدأ المواطنة جذور نظرية في الإسلام، وقد أقره الرسول عليه السلام في صحيفة المدينة، وما تقرر من أحكام تقوي مبدأ العدالة ومبدأ المساواة ومبدأ الحرية في الإسلام يجعل لهذا المصطلح جذورا عميقة في فقهنا الإسلامي.[9]

ولقد وضعت الدولة الإسلاميَّة فلسفة المواطنة هذه في الممارسة والتطبيق، وقننتها في المواثيق والعهود الدستوريَّة منذ اللحظة الأولى لقيام هذه الدولة في السنة الأولى للهجرة، ففي أول دستور لهذه الدولة تأسست لهذه الأمة على التعددية الدينية، وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المتعددين في الدين والمتحدين في الأمة والمواطنة.[10]

وبالتالي فغياب المواطنة لفظا لا يعني بتاتا غيابها ممارسة وتطبيقا عند المسلمين، فمضامين المواطنة الأساسية حاضرة بقوة في الكتاب والسنة متنا وتم تجسيدها في الواقع عمليا بمسميات أخرى غير المواطنة.

وهناك لفظان سبقا المواطنة في التداول هما “ابن الوطن” و”الوطني”، هذا ما أشار له وجيه كوثراني بقوله: “الطهطاوي والبستاني كانا يحملان المفردات العربية ذات المعاني التراثية القديمة دلالات جديدة معاصرة اكتشفها الوعي التاريخي المقارن، للتواريخ المختلفة والثقافات المتنوعة، ويعيدان إنتاجها في حالة استجابة لعملية التثاقف الجارية آنذاك، فاقتربا من المفهوم الحقيقي الذي يحدد وضعية الفرد على أرض يسودها مجتمع ودولة لناحية الحقوق والواجبات في صيغة “الوطني” و”ابن الوطن”.[11]

عموما حدث تطور في صيغة الوطني وابن الوطن، ثم ما لبث هذا المعنى الاصطلاحي أن استخدم بصيغة “مواطن” و” مواطنة” بعد إعلان الدستور العثماني في سنة 1908، وبصورة خاصة مع إعلان دساتير العشرينيات في المشرق العربي في كل من مصر والعراق وسوريا ولبنان، حيث اكتسبت المواطنة المحلية للمقيمين على أرض كانت عثمانية، تأسيسا على مبدأ الجنسية principe de nationalité المستمد من بنود معاهدة لوزان التي نظمت أوضاع البلدان العربية التي خضعت سابقا للحكم العثماني، وحمل سكانها صفة “التابعية العثمانية”، وكانت هذه الكلمة تعني ضمنا وفقا لمنطوق دستور 1908 المواطنة العثمانية.[12]


[1] (الوطن والمواطنة)، حسين جمعة، مجلة الفكر السياسي: عدد 25، 2006، اتحاد الكتاب العرب: دمشق، ص671.

[2] (مفهوم المواطنة في الدولة الديموقراطية)، علي خليفة الكواري، ص168-169.

[3] المرجع نفسه، ص30-31.

[4] المرجع نفسه، ص35-36.

[5] (المواطنة من منظور إسلامي)، سيد محمود عمر يوسف، ط2009، دار المعارف: القاهرة، ص81.

[6] المرجع نفسه، ص238.

[7] (المواطنة والمواطن جولة أولى)، محمد عابد الجابري، سلسلة مواقف، ط 2008، أديما دار النشر المغربية، العدد 72، ص14-15.

[8] (لغة السياسة في الإسلام)، برنارد لويس، ترجمة إبراهيم شتى، ط1: 1993، دار قرطبة للنشر والتوزيع والأبحاث، ص102.

[9] (مفهوم المواطنة في الشريعة الإسلامية دراسية فقهية مقارنة)، ياسر حسن عبد التواب جابر، ط1: 2010، دار المحدثين للبحث العلمي والترجمة والنشر: القاهرة، ص28.

[10] (إشكالية المواطنة/الرعية في التراث السياسي الإسلامي)، برا سنان، ط1: 2017، المركز الديموقراطي العربي: برلين، ص61.

[11] (الملكية وما يحيط بها في الدستور المغربي المعدل)، عبد الرحيم العلام، وجهة نظر: العدد33، ط1: 2015، مطبعة النجاح: الجديدة، ص166، نقله عن وجيه كوثراني، مجلة التسامح، العدد15.

[12] (مفهوم المواطنة في الفكر العربي الإسلامي)، عبد الجليل أبو المجد، ط 2010، إفريقيا الشرق: الدار البيضاء، ص74، نقله عن وجيه كوثراني، (هويات ناقصة ومواطنة منقوصة)، ط 2004، دار الطليعة: بيروت، ص141-142.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.