التعليم التقني في المغرب بين التهميش والارتجال
التعليم التقني في المغرب بين التهميش والارتجال/ ذ. أحمـد الزويــن
التعليم التقني في المغرب بين التهميش والارتجال
ذ. أحمـد الزويــن
أستاذ مبرز في التعليم التقني
نشر بمجلة النــداء التربـوي، العدد 16-17، السنة العاشرة 1429 هـ-2008،
الصفحات من 97 إلى 105
1- تقـديم
إن المتتبع للتعليم ببلادنا يقف مندهشا أمام الأزمة المركبة، والارتجال الذي يتخبط فيه التعليم بعامة والتعليم التقني بخاصة. فمنظومتنا التربوية تعاني من أزمة خانقة على جميع المستويات، والأرقام الرسمية قبل غيرها تدل على ذلك الفشل الذريع الذي وصلت إليه.
ورغم ما بذلته السياسة المخزنية من أموال وأوقات، و ما سلكته من سبل لتوهم الشعب المغربي والرأي العام بأن ما سمي “الميثاق الوطني للتربية والتكوين”¹ هو ثمرة لحراك ديمقراطي ونتيجة لنقاش وطني، فالحال أن هذه الوثيقة ما هي إلا نتيجة لإملاءات البنك الدولي من جهة، وتوافقات سياسية حزبية ومصلحية ضيقة من جهة أخرى. وهذا بات معروفا لدى الفاعلين في الحقل التربوي والمتتبعين له. إن هذه الوثيقة لم تنطلق من هوية الشعب المغربي، فرسالة القرآن الخالدة والمتجددة والشاملة لم تكن أساسا حاضرة في بناء المنظومة التربوية التعليمية. كما أن الوثيقة لم تنطلق من كون التربية والتعليم حقا من حقوق المغاربة كلهم، وأنهم في هذا الحق سواسية، فهم الممولون لهذا القطاع عن طريق الضرائب التي يدفعون، والخيرات التي منها يحرمون، والديون التي بسببها مستقبل أبنائهم يرهنون. فالأولى، يجب مشاورتهم والأخذ برأيهم في بناء هذا التعليم وتدبير سياسته ومحاسبة المسؤولين على نتائجه.
2-من واقع التعليم عامة
قبل الحديث عن واقع التعليم التقني وما يتخبط فيه من أزمة وتهميش، لا بأس من إلقاء نظرة ولو سريعة على تعليمنا بشكل عام لندرك أن الأزمة عامة وعميقة. فالأرقام تبرز الوضع المأساوي الذي يتخبط فيه التعليم ببلادنا عكس ما يروج له الإعلام المخزني. فبعد عدة عقود من سياسة التعليمات والمصالح المتنفذة، يقف المتتبع أمام أرقام ناطقة، فاضحة للأزمة والهشاشة التي تعاني منها منظومتنا التربوية التعليمية. فبعد كل هذه السنوات، وكل هذه الميزانيات المتوالية، فالإحصاءات الرسمية لسنة 2006 تذكر أن نسبة تمـدرس أطفـال ذات الفئة العمرية 6 سنوات لم تتعد 80.8%. أما بخصوص أطفال الفئة العمرية 15-17 سنة، أي فئة الشباب، فنسبة التمدرس فيها لم تتجاوز 45.3% .
أما في التعليم العالي، فقد جاء في تقرير”50 سنة من التنمية البشرية”² أن نسبة التمدرس في المغرب لم تتجاوز منذ سنوات 11 % مقارنة بمعدل بعض الدول المماثلة في إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط 22% (الأردن 45%، كوريا الجنوبية 80%).
وفيما يخص نتائج التحصيل الدراسي، فإن 86% فقط حصلوا على الشهادة الابتدائية و 50.3% فقط هم الذين حصلوا على شهادة التعليم الإعدادي.
نكتفي بهذه الأرقام المعبرة ونتساءل: أين هي جودة التعليم؟ ومن المسؤول عن هذا الهدر الفظيع؟ وأي استثمار يرجى لطاقة شبابنا؟
أما فيما يخص البنيات التحتية، فقد نشرت الوزارة الوصية في موقعها يوم 11 غشت 2006 أنه “يتوقع أن تبلغ نسبة تغطية الوحدات المدرسية على المستوى الوطني بالمرافق الصحية 41.7% وبالماء الشروب 36.6% وبالكهرباء 37.9% وبالمكتبات 8.1%، لكن هذه النسب ستبقى دون ذلك بالنسبة للوسط القروي.” هذه ليست إلا توقعات، أما الواقع – إذا اتفقنا مع الوزارة على المنهجية التي أنجبت هذه الأرقام – فهو بدون شك سيكون أكثر سوء.
هذه أرقام جزئية، لا يتسع المقام لسرد غيرها، لتوضيح المنجزات المخجلة للسياسة المتبعة. لقد مرت سنوات على صياغة ميثاق التربية والتكوين ولم تزد الإخفاقات والفشل إلا استفحالا، ولم تستطع السياسة المخزنية حتى الوفاء بما قطعته على نفسها.
3-واقع التعليم التقني/ التكنولوجي
أما واقع التعليم التقني أو التكنولوجي، فالميثاق لم يحسم حتى في تسميته، لذا كان ولا يزال نصيبه التهميش والعزل عن محيطه الاجتماعي والاقتصادي.
ففي الوقت الذي يتغنى فيه الإعلام الرسمي وما يدور في فلكه من أبواق بأن زمن التنمية البشرية قد أقبل، فيجب عقد الملتقيات وتخصيص ميزانيات لتشييد المباني و المؤسسات هنا وهناك. كأن أمر التنمية في بلادنا لا يحتاج إلا لبعض التعديلات. جاء في نفس التقرير² أن قدرة المغرب على إنتاج وتصدير معدات متطورة أو منتوجات مبنية على تكنولوجيا متقدمة يبقى ضعيفا جدا 6 %، مقارنة مع بعض دول مثل المكسيك 59 % وماليزيا 56 % والبرتغال 35% وتونس 15.4 %.
إن من الأسباب الرئيسية لهذه الرتبة المتأخرة في سلم التنمية عالميا هو إهمال الطاقات البشرية التي تتوفر عليها بلادنا وتنكب الطريق الصحيح لاستثمارها بشكل جيد. فالتعليم التقني والتدريب المهني من أنجع الحلول وأقوى الدعامات التي اعتمدت عليها الدول المتقدمة مثل اليابان وألمانيا وغيرها للرفع من مستوى التنمية البشرية وتطوير قطاعاتها الصناعية والتجارية.
و يشترك التعليم التقني مع باقي أنواع التعليم في الاختلالات المشار إليها آنفا، إلا أن وضعية هذا النوع من التعليم وخصوصياته تفرض مزيدا من التوضيح.
فالسياسة التعليمية عندنا تزهد في التعليم التقني وتهمله، كما تجهل دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي نفس الوقت تجد التقارير الرسمية تتساءل عن كيفية ربط تعليمنا بمحيطه الاقتصادي، وكيف تجعل منه منتجا للثروة المعرفية والمادية. ونتساءل كيف يتحقق هذا مع الإهمال شبه الكلي للتعليم التقني، ومن المعلوم أن لجنة التعليم التقني التي شكلت سنة 1989 أوصت بحصر شعب التعليم التقني في التخصصات التي لها امتداد في التعليم العالي، وقد يكون هذا هو السبب في حذف شعب بالثانوي تقني كالطباعة والسباكة والفلاحة من جدول الشعب التقنية. كما أن التعديلات التي أدخلت على مناهج التعليم التقني وبرامجه وشعبه في بداية الموسم الدراسي 94-1995 قد كرست هذا الاتجاه. لكن مع هذا الحصر نجد عدة عوائق تعترض هذا الصنف من التعليم وتشكل مظهرا جليا لأزمته العميقة.
4- بعض مظاهر أزمة التعليم التقني
من مظاهر أزمة التعليم التقني ببلادنا نكتفي بذكر بعضها :
- عدم مواكبة المعدات والوسائل التعليمية لمتطلبات البرامج في مختلف المواد الدراسية كما وكيفا.
- ضعف الكتب المدرسية الخاصة بالتعليم التقني، باستثناء بعض المبادرات الخاصة والمحدودة في بعض مواد شعب التعليم التقني التجاري.
- العبء الإضافي الذي تشكله كلفة التسجيل و أدوات العمل التي تتطلبها متابعة الدراسة في شعب التعليم التقني الصناعي.
- إغفال السياسة المتبعة في تدبير التعليم ببلادنا للتعليم التقني والتكنولوجي، فهي لا توليه أي اهتمام، ويظهر ذلك جليا على أكثر من صعيد .
- عدم العناية بهيئة التدريس في التعليم التقني وإهمالها على جميع المستويات. فرغم التغيير الجذري الذي أحدثته الوزارة في السنتين الأخيرتين في مقررات هذا التعليم، لم يتلق الفاعل الأساسي في العملية التعليمية وهو الأستاذ أي تكوين أو تدريب يمكنه من استيعاب المنهجية الجديدة واكتساب القدرة على تنزيلها وتطبيقها بيداغوجيا. كما أنه لا يتوفر على أبسط الوسائل الضرورية للعمل (مختبرات تكنولوجيا تطبيقية، قاعة للإعلاميات المتخصصة CFAO، أدوات ديداكتية…)
- عدم إعطاء الأهمية اللازمة لمراكز تكوين أساتذة هذا التعليم، المتمثلة أساسا في المدارس العليا لأساتذة التعليم التقني، والتباطؤ في إلحاقها بالتعليم العالي. فقد أصبحت الوزارة تهمش هذه المدارس وتجعل منها ملحقة تابعة لها تنظم فيها الملتقيات والحفلات، وتجهز بذلك على كل ما حققته في مجالي التكوين التقني والعلمي الأساسيين، والإشعاع التربوي والتكنولوجي داخل المغرب وخارجه. ويظهر جليا من هذه السياسة أن المسئولين يجهلون تماما أن من أهم الأدوار المنوطة بهذه المدارس هو الربط بين البحث العلمي التربوي وتتبع التطور التكنولوجي الضروريين لتزويد وإمداد التعليم بالمستجدات التربوية والمعرفية.
- كما أن وضعية حاملي الباكلوريا التقنية تكرس وبحقيقة الوضعية المتأزمة للتعليم التقني، فهؤلاء يجدون أنفسهم خارج النسيج الاقتصادي والصناعي وغير مرغوب فيهم في مؤسسات التعليم العالي، مما يدفع عددا منهم لمتابعة دراسته الجامعية بشعب بعيدة كل البعد عن تخصصه وفي آخر المطاف يجد نفسه في طابور البطالة، ومنهم من يضطر إلى الاشتغال بوظائف أو أعمال لا علاقة لها بتحصيلهم الدراسي.
- التناقض في السياسية المتبعة وهدر المال العمومي، حيث أعلنت الوزارة الوصية هذه السنة عن إحداث 1760 منصب شغل جديد في مختلف التخصصات، لكن في مقابل ذلك، تم إهمال وعدم توظيف طلبة الأقسام التحضيرية الذين اجتازوا المبارة الوطنية بنجاح ثم ولجوا مراكز التكوين في سلك التبريز و قضوا فيها 3 سنوات من التكوين والتدريب. ويوجد من بينهم عدد مهم من طلبة سلك التبريز في الشعب التقنية الصناعية الذين صرفت عليهم الوزارة الكثير من مال الشعب. كما أن القطاع يحتاجهم لسد الخصاص الملحوظ والمتزايد في أساتذة التعليم التقني. نذكر مثلا النقص المسجل في تدريس مادة علوم المهندس في الجذع المشترك في الثانوي التأهيلي.
- قلة الثانويات التقنية وعدم وجودها وتوزيعها توزيعا عادلا في كل المدن المغربية. فهذه المؤسسات التي أصبح أغلبها بنايات قديمة وغير مجهزة بالمعدات والآلات الضرورية، معطلة ومنقطعة عن محيطها الاقتصادي، يلجها التلاميذ بعد سلك الإعدادي ليقضوا فيها ثلاث سنوات في تحصيل مواد تقنية وتكنولوجيا نظريا دون تداريب تطبيقية في المقاولة أو غيرها.
يبين الجدول التالي توزيع الثانويات التقنية حسب التخصص :
التخصص | عدد الثانويات |
صناعي تجاري | 17 |
تجاري وعام | 2 |
صناعي وتجاري وعام | 41 |
صناعي وتجاري وفلاحي | 9 |
فلاحي | 1 |
فلاحي وعام | 8 |
المجموع | 79 |
المصدر إحصائيات وزارة التربية الوطنية 2004
فكيف يرجى توجيه التلاميذ للشعب التقنية دون إحداث ثانويات تقنية في كل نيابة على الأقل إذا تعذر في كل مدينة وقرية؟؟ إن عدد مؤسسات الثانوي تأهيلي بالمغرب لاتتجاوز 1206 حسب إحصائيات 2003/2004 .إذ لا تمثل نسبة الثانويات التقنية من مجموع الثانويات تأهيلي سوى % 6.1 . وأين هي الحوافز لولوج هذه الثانويات؟؟ وما هي الآفاق بعد البكالوريا؟؟
وقد بلغ عدد تلاميذ التعليم التقني خلال الموسم الدراسي 03-2004: 27714 تلميذا وهو عدد ضعيف جدا، إذ يمثل 4.83 % فقط من مجموع تلاميذ التعليم الثانوي التأهيلي والجدول يوضح ذلك أكثر :
الشعبة | عدد التلاميذ | % |
الآداب والفنون | 283090 | 49.35 |
العلوم الرياضية | 9047 | 1.58 |
شعبة العلوم | 253797 | 44.24 |
الشعب التقنية | 27714 | 4.83 |
المجموع | 573648 | 100.00 |
المصدر إحصائيات وزارة التربية الوطنية 2004
مرة أخرى تبين لنا هذه الأرقام وبشكل واضح ،الخلل الكبير والارتجال في الاختيارات والقرارات. فطيلة هذه السنوات لم تتساءل السياسة المخزنية عن كيفية حل هذه المعضلة والخروج منها.
- رغم قلة الإمكانات المرصودة للتعليم التقني بل وعدم استفادته حتى من رسوم التكوين المفروضة على المقاولات، تخصص الوزارة ميزانية هزيلة جدا للتعليم التقني، لا يمكن بأي حال من الأحوال ولا بأي مشروع مهما كان طموحا أن يحدث تقدما في واقع هذا التعليم. ففي مشروع ميزانية 2006، رصدت حوالي 16 مليون درهم فقط (16283357 درهم) لتدبير وتسيير كل مؤسسات التعليم التقني بما فيها كل مراكز إعداد شهادة التقني العالي ( BTS)، وتضيف الوزارة بأن هذه الاعتمادات قد تطورت هذه السنة بنسبة 55.27 %. فما الذي تطور يا ترى في واقع هذا التعليم ؟
5 ـ التعليم العالي التقني
نسجل أولا ندرة أنماط التعليم العالي، وقلة المستفيدين منه بعد حصولهم على البكالوريا التقنية. مما يجعل أغلبية حملة البكالوريا يلجئون بعد البكالوريا مضطرين لشعب أخرى أو للتعليم العالي الخاص، ذي التكاليف الباهظة والتوظيف غير المضمون، أو إلى خارج الوطن بعدما أنفقت عليهم أموال الشعب طائلة.
لقد جاء في إحصاءات الوزارة الوصية لسنة 2006، أنه لم يستفد من تدريس التكنولوجيا الصناعية سوى 36.2 % من مجموع الإعداديات في البلاد. وأن نسبة التلاميذ الذين يلجون التعليم التقني الثانوي لا يتعدى 5%. وفي التعليم العالي، لم يتجاوز منذ مدة عدد الطلبة المسجلين في جميع شعب علوم المهندس والتقنيات على المستوى الوطني 11%.
يبين الجدول التالي تطور أعداد مؤسسات التعليم التقني العالي حسب التخصصات خلال الفترة 1997 و 2004:
التخصصات | 97-1998 | 98-1999 | 99-2000 | 00-2001 | 01-2002 | 02-2003 | 03-2004 |
العلوم والتقنيات | 7 | 7 | 7 | 7 | 7 | 7 | 7 |
علوم الهندسة | 4 | 5 | 7 | 7 | 8 | 8 | 9 |
التجارة والتسيير | 3 | 3 | 3 | 3 | 3 | 3 | 3 |
التكنولوجية | 7 | 7 | 7 | 7 | 7 | 7 | 7 |
مجموع التعليم العالي* | 68 | 69 | 73 | 74 | 74 | 74 | 80 |
- جميع تخصصات التعليم العالي
المصدر إحصائيات وزارة التربية الوطنية 2004
إن مؤسسات التعليم التقني العالي الرسمية لا تتجاوز في الموسم 2003/2004: 26 مؤسسة وهذا العدد لا يمثل إلا %32 . مما يدفع بالعديد من الطلبة اللجوء لمؤسسات التعليم العالي الخاص.
تطور أعداد الطلبة بالتعليم التقني العالي :
التخصصات | 97-98 | 98-99 | 99-00 | 00-01 | 01-02 | 02-03 | 03-04 |
العلوم والتقنيات | 1534 | 1963 | 2043 | 2207 | 2205 | 2205 | 2194 |
علوم الهندسة | 80 | 105 | 173 | 151 | 223 | 223 | 294 |
التجارة والتسيير | 409 | 393 | 488 | 491 | 522 | 533 | 506 |
التكنولوجية | 1160 | 1229 | 1328 | 1479 | 1477 | 1477 | 1618 |
مجموع التعليم العالي | 60601 | 66073 | 66207 | 75864 | 78523 | 82777 | 74663 |
المصدر إحصائيات وزارة التربية الوطنية 2004
خلاصــة
إن التهميش الذي يعاني منه التعليم التقني، وبخسه قيمته، وعدم إعطائه المكانة التي يستحقها في المنظومة التعليمية ليساهم في الرفع من مستوى المقاولة المغربية، سيجعل منه بدون شك عبئا ماديا وضياعا لأجيال من الطاقات الإبداعية الهائلة التي تتوفر عليها بلادنا. وسبقى التعليم التقني دليلا قاطعا على غياب سياسة واضحة للتعليم التقني بل غياب الاقتناع بأهمية ودور التعليم التقني في النهوض الاقتصادي والاجتماعي وفي مجال البحث العلومي.
إن أهداف التعليم التقني اجتماعية واقتصادية، حيث يعمل بشكل متواز مع التكوين المهني، إلا أن هذا الأخير يعمل على إعداد اليد العاملة التي تحتاجها جميع القطاعات والمؤسسات الإنتاجية في البلاد، بينما تهدف مختلف أسلاك التعليم التقني إلى إمداد النسيج الاقتصادي بأطر متخصصة متوسطة وعليا، لتعمل مع خريجي التكوين المهني جنبا إلى جنب في الرفع من مردودية المقاولة والزيادة من قدرتها التنافسية. فلا يمكن للمقاولة المغربية أن تنهض باليد العاملة فقط مهما كانت هذه الأخيرة ماهرة، بل هي في أمس الحاجة لأطر جيدة التكوين وراسخة القدم في المجالات الإنتاجية المتخصصة وذات مهارات تواصلية عالية لتكون بمثابة القنطرة الرابطة بين الأطر العليا المسيرة والمدبرة في المقاولة وبين الشغيلة العاملة المنفذة للاستراتيجيات والخطط الإنتاجية. التداخل الحاصل بين وظائف التعليم التقني التابع لوزارة التربية الوطنية والتكوينات التابعة لمكتب التكوين المهني وللمؤسسات التابعة لوزارات أخرى مما يحول دون توحيد الجهود وترشيد النفقات.
ويظهر النقص والخلل جليا لمتتبع شأن المقاولة المغربية، حيث تقف هذه الأخيرة عاجزة عن متابعة التطور التكنولوجي. فإذا ما أرادت حل هذه المشكلة ولو جزئيا لجأت للتكوين المستمر لتنمية كفايات وقدرات محددة، اصطدمت بواقع الأمية وهزالة المستوى العلمي والتقني واللغوي لتلك الشغيلة.
إن التعليم التقني والتكنولوجي هو بمثابة القاعدة الخلفية للتنافسية العالمية ومحرك التطور والإبداع في الإنتاج والتسويق. فبالاستغلال الجيد والاستثمار الراشد للتكنولوجيا الحديثة يمكن و بشكل كبير الإسراع لتدارك النقص والفجوة التي بين تعليمنا والتعليم في الدول المتقدمة. ومن ثم يمكننا بناء ونسج شبكة علمية وتكنولوجية قوية وضرورية لدخول مجال العولمة وغمار المنافسة العالمية. بيد أن هذه القاعدة وهذه الشبكة لا يمكن أن تتوفرا إلا بسياسة علمية وتكنولوجية رصينة، واضحة الأهداف والمعالم، وبإرادة سياسية صادقة وفاعلة.
هـوامــش
1/ – يراجع في هذا الصدد كتاب “قراءة نقدية في الميثاق الوطني للتربية والتكوين”,مطبعة الهلال, وجدة يناير 2001.
2 /– أنظر القرص المدمج المرفق لتقرير 50 سنة من التنمية البشرية.
3/-إحصائيات وزارة التربية الوطنية 2004
4/-إحصائيات وزارة التربية الوطنية 2006