منار الإسلام
موقع تربوي تعليمي أكاديمي

اعتناء بني مرين بالوقف على المساجد (2) العمل الاجتماعي في عهد بني مرين

د. عبد اللطيف بن رحو

0

اعتناء بني مرين بالوقف على المساجد (2) العمل الاجتماعي في عهد بني مرين

د. عبد اللطيف بن رحو

 

يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي

كتاب”العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م)

 

المبحث الثاني: الوقف على المساجد

وفي هذا المجال قامت الأوقاف بدور كبير من أجل تدعيم المساجد والجوامع وتمكينها من أداء رسالتها. فازدهار الأوقاف أدى بدوره إلى تقوية الشعور الديني، واستمرار تدفق المشاعر الدينية عن طريق المؤسسات الدينية، فجميع هذه الأماكن مشحونة بالأئمة والخطباء، والفقهاء، والمدرسين والمحدثين، والطلبة والمؤذنين، والقوام، والفقراء والمساكين، ولكل هؤلاء له المقرر من سائر ما يحتاج إليه مما أوقف عليهم من البلاد، والضياع، والأملاك، والحوانيت، ولهذه الأوقاف مباشرين وعمال وغير ذلك.
فالمساجد هي طليعة المؤسسات الوقفية، الدينية والاجتماعية والثقافية، التي ظهرت واستقرت. وقد أورد الدكتور الريسوني رأي الباحثة رقية بلمقدم، بِكَوْن المساجد تأتي في مقدمة هذه المؤسسات، فقد تلازم الوقف مع المسجد، بل يعتبر المسجد أول وقف في الإسلام.
وتعتبر الأوقاف التي حبست لرعاية المساجد ودفع مرتبات العاملين فيها من أهم العوامل التي هيأت لهذه النواة أن تؤدي رسالتها كاملة، وقد وفرت الوقفيات موارد لمن يقدم الطعام، وثمن الطعام الذي يوزع في المسجد كذلك العطاء المخصص لبعض زوايا المسجد وكلفة ما يحتاج إليه لتوفير الماء العذب وشمع الإضاءة وقت صلاة العشاء والصبح وصلاة التراويح في شهر رمضان، وثمن الفراش من بسط وحصر وثمن القناديل والزيت وما يحتاج إليه في الإنارة وأزيار فخار يحفظ فيها الماء وعود البخور لاستخدامه في شهر رمضان وفي أيام الجمع وفي المناسبات الدينية الأخرى كذلك الشمع والمسك والكافور وأدوات النظافة، وكانت هناك أوقاف تشمل لحوم الأضاحي والأطعمة والحلوى في المناسبات الدينية والموالد الرسمية. وهذه الأوقاف كانت تعين العاملين والقائمين والفقراء والمحتاجين إلى حد كبير في حياتهم المعيشية وكانت نوعا من أنواع الرعاية التي أسبغها الحكام وأهل البذل من المسلمين.
فالإنفاق بسخاء على الجوامع والمساجد مَكَّنَ من توسيع نشاطها ليشمل العديد من الاهتمامات فكانت بحق راعية للمجتمع والقائمة على شؤونه.

المطلب الأول: أوقاف جامع القرويين

تعددت أوقاف جامع القرويين وتنوعت، واتسعت وفي هذا الصدد يتحدث العلامة محمد المنوني عن أوقاف جامع القرويين فيقول:» أوقاف جامع القرويين الذي يسجل عنه أبو القاسم محمد التازغدري أن غلة أحباسه متسعة، وقد كان مبلغها في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري عشرة آلاف دينار فضية في بعض الأعوام.»
وقدر الجزنائي غلات أوقاف جامع القرويين على العهد المريني، فذكر أنها تناهز في بعض الأعوام عشرة آلاف دينار فضة، وذكر في جملة الرباع التي حبسها السلطان أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق فندقا من أفخم الفنادق التي تحتضنها مدينة فاس، ونعني به فندق الشماعين، وهو لا يبعد عن القرويين إلا بضع خطوات.
يقول الجزنائي: « ثم سأل الخليفة أبو يعقوب المريني محمد بن أبي الصبر عن سبب أمره للحدودي ببنائه للفندق، فقال له: أمرته بذلك، فإنه غلب على ظني أنك تحبسه على جامع القرويين فاستحسن ذلك منه وشكره وأشهد في الحين بتحبيسه.
بل وتوافرت أوقاف القرويين فأفاضت منها على سائر مساجد فاس وغير فاس وسرت أوقافها الزائدة حتى المسجد الأقصى بالقدس، وحتى الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وإلى الجماعة الإسلامية في كل جهات المعمورة، وفضلت أحباس القرويين فشملت مشاريع الإحسان والبر بكل ما تشمله من نواحي وجوانب إنسانية، واتسعت مواد السجلات حتى شملت الوقف على قبر مجهول.
وقد توسعت دائرة الأوقاف حتى كان المحسنون والموسرون في مدينة مراكش يقومون بتحبيس عدد من العقار على مرافق القرويين بالرغم من بعد البلاد بعضها عن البعض الآخر، بل هناك عدد من الأراضين النائية وعدد من غابات الزيتون والنخيل في الصحراء خصص ريعه للقرويين من فاس.
كما حبست دار ابن البشير الكائنة بدرب ابن حيون بفاس على جامع القرويين.

المطلب الثاني: الأوقاف على جوامع فاس

أوقفت الدولة المرينية أوقافا عديدة على مساجد فاس، يقول روجيه لوتورنو: « ولولا كثرة تردد الناس على المساجد، لما بنيت بهذا العدد الكبير، ولما وقفت عليها الأوقاف اللازمة لها بهذه الكثرة.
ومن التشريعات التي وضعت للأحباس في هذا العصر، ما أفتى به أبو محمد عبد الله العبدوسي في مسألة جمع أحباس فاس في نقطة موحدة، فقد قرر إباحة جمعها كلها في نقطة واحدة وباب واحد لا تعدد فيه، بأن تجمع مستفادات مختلف المساجد كلها، ويقام منها ضروري كل مسجد، ولو كانت أوقاف بعض المساجد قليلة فيوسع عليها من غنيها، ويقدم الجامع الأعظم قبل جميعها، ثم الأعمر فالأعمر.
وأشار الونشريسي من خلال بعض النوازل والفتاوى إلى العديد من الأحباس على مساجد المغرب، ومن ذلك: أحباس على جامع المدينة البيضاء، وكانت فائدتها تنفق على تعهد الجامع بالإصلاح والمرمات ودفع رواتب قومته من الإمام والمؤذنين والناظر (أي ناظر أو مشرف الحبس) وما إلى ذلك، ويضيف الونشريسي أن فائدة أحباس هذا الجامع كانت تزيد -أحيانا- عن حاجته، فطلب الإمام الزيادة في أجره فزيد له.
وكان وقف مسجد الصابرين بفاس من طرف الشيخ أبي زيد عبد الرحمان بن خنوسة، وأمه فاطمة بنت الشيخ أبي الفضل الزرهوني بتاريخ عشي يوم الثلاثاء 5 رجب 791ه/1389م، وفيها أن مرجع الوصية بعد انقراض الموصى لهم: تحبيس ذلك على جامع الصابرين بحي أوزقور الداخل بباب الفتوح، ليشترى به طعام، ويطعم الواردين بهذا الجامع: الملتزمين به من الفقراء والمرابطين.
وعندما أسس عبد الله الطريفي، حاجب السلطان أبي سعيد الثاني جامع لالة غريبة بفاس، حبس عليه كتاب الشفاء للقاضي عياض ليقرأ منه العامة، بعد صلاة الصبح كل يوم، وكانت أجرة القارئ عليه من الأحباس ستة دنانير شهريا.

المطلب الثالث: التحبيس على مسجد تازة

تفيد إحدى النوازل أن مسجدا بمدينة تازة، كانت له حوانيت كثيرة محبسة عليه.

المطلب الرابع: التحبيس على مسجد أبي مدين

مسجد أبي مدين الذي أسسه السلطان المريني أبو الحسن بعد سنتين من استعلائه على تلمسان، ويظهر أن مداخيل أوقاف مسجد ومدرسة أبي مدين كانت ضخمة لدرجة أنه كان يفضل من نفقتها أموال استغلت لشراء أراضي أخرى.

المطلب الخامس: التحبيس على مسجد سيدي الحلوي

خص السلطان المريني أبو عنان سنة 754ه/1359م على مسجد سيدي الحلوي جملة من الأحباس، تضم أسماء الدكاكين الموقوفة عليه للقيام بمهمة المسجد والتكفل بجميع متطلباته.

المطلب السادس: التحبيس على مسجد مستغانم

حبس السلطان أبو الحسن المريني على مسجد مستغانم العتيق الذي بناه سنة742ه العديد من الأوقاف ليقوم بدوره التعليمي والديني، ولقد تعددت أحباسه من حانوتين وجرار من الزيت للإضاءة كما تصرف من ربع الأحباس لدفع مرتبات الإمام والمؤذن، وهذا ما أثبتته لوحة التحبيس المثبتة على أحد جدران المدرسة.
لهذا نجد أن الدارسين للتاريخ المغربي ذهبوا إلى أن الوقف عرف نهضة كبرى في العصر المريني، حيث اهتم السلاطين ببناء المؤسسات الدينية نتيجة الأوقاف والتحبيس.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.