الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي
الفصل الرابع: الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين
الرعاية الاجتماعية نسق منظم للخدمات الاجتماعية والمؤسسات ينشأ لمساعدة الأفراد والجماعات لتحقيق مستويات ملائمة للعيش والصحة ويستهدف العلاقات الشخصية والاجتماعية التي تسمح للأفراد بتنمية أقصى قدراتهم وتحقيق تقدمهم وتحسين حياتهم بحيث تنسجم وتتوافق مع حاجات المجتمع.
والإسلام الحنيف دعا ورغب على القيام بالرعاية الاجتماعية، واعتبره عملا طيبا نافعا يقوم به المرء المسلم ويؤديه ابتغاء مرضاة الله وفضله مصداقا لقوله تعالى: ﴿ومَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْر تَجِدُوهُ عِندَ اَ۬للَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾ [سورة المزمل الآية:18]
سلك الإسلام سبيل الرعاية الاجتماعية بين الأسرة والأمة وفي المجتمعات الصغيرة، وجعل لهذا التكافل منابع متعددة وطرق متنوعة.
والرعاية الاجتماعية في معناها اللفظي أن يكون أحاد الشعب في كفالة ورعاية جماعتهم، وأن يكون كل قادر أو ذي سلطة كفيلا في مجتمعه يمده بالخير، وأن تكون كل القوى الإنسانية في المجتمع متلاقية في المحافظة على مصالح الآحاد، ودفع الأضرار، ثم في المحافظة على دفع الأضرار عن البناء الاجتماعي وإقامته على أسس سليمة. ولعل أبلغ تعبير لمعنى الرعاية الاجتماعية قوله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.» فالرعاية الاجتماعية في مغزاها ومؤداها أن يحس كل واحد في المجتمع بأن عليه واجبات لهذا المجتمع يجب عليه أداؤها، وإن تقاصر في أدائها، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار البناء عليه وعلى غيره، وأن للفرد حقوقا في هذا المجتمع يجب على القوامين عليه أن يعطوا كل ذي حق حقه من غير تقصير ولا إهمال، وأن يدفع الضرر عن الضعفاء، ويسد خلل العاجزين، وأنه إن لم يكن ذلك تآكلت لبنات البناء. والرعاية الاجتماعية توجب أن يكون جميع الناس متساوين في أصل الحقوق والواجبات، ويوجب أن تكون نتائج الأعمال بمقدارها، من غير تجاوز للحد ولا شطط. كما تساهم الرعاية الاجتماعية في سد حاجة المحتاجين ممن لا يستطيعون القيام بعمل، يسد عجز العاجزين.
وجدير بالذكر أن أهل المغرب في العهد المريني اهتموا بالرعاية الاجتماعية وحفروا هذه الرعاية بماء من ذهب بقيت منقوشة إلى يومنا هذا، وكان هذا الاهتمام في مختلف المجالات، وقد أشار الونشريسي ضمن نوازله إلى العديد من الأمثلة التي توضح نظام الرعاية الاجتماعية في المغرب الإسلامي. ولم يغفل أهل الثراء والبر أيضا عن المشاركة في رعاية الأيتام، وقد حظي المرضى، والمسجونين، والأسرى أيضا باهتمام ورعاية أهل الخير من الأثرياء. كما نلاحظ أيضا أن الموسرين في بلدة ما كانوا يوصون عند شعورهم بدنو أجلهم في حالة حدوث وباء بجزء من أملاكهم لفداء الأسرى وبعض جهات البر والخير.
وسلاطين الدولة المرينية عبر سنوات حكمهم للمغرب ساهموا في وضع لبنات الرعاية الاجتماعية وتشجيع الناس من أهل الثراء على إغناء منظومة الرعاية الاجتماعية، فبادروا بدورهم بفتح مبادرة الأعمال الخيرية والإحسانية في مختلف الميادين، ولجميع شرائح المجتمع، فخصصوا العطاءات السخية والصلات المستمرة، فكان لهذه البادرة أهمية كبيرة ظهرت نتائجها في حياة الناس وأوضاعهم الاجتماعية، والتي تمثلت في مساعدة الفقراء والمساكين والمحتاجين والمسنين والأرامل، وتجهيز الموتى ودفنهم، وذوي الاحتياجات الخاصة والمطلقات والعميان، إلى غير ذلك من الأمثلة التي تروم في نفس السياق.
يتبين مما تقدم أن روح الرعاية الاجتماعية كانت مدعمة بتدعيم سلاطين الدولة المرينية تقربا بها إلى الله تعالى وخدمة للمواطنين الذين هم في وضعية الحاجة والفاقة.