إحداث بني مرين للسقايات العمومية| الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
إحداث بني مرين للسقايات العمومية| الرعاية الاجتماعية في عهد بني مرين
الدكتور عبد اللطيف بن رحو
يمكنكم تحميل كتاب العمل الاجتماعي في عهد الدولة المرينية (1244 – 1465م) من الرابط التالي
المبحث العاشر: إحداث السقايات العمومية زمن بني مرين
شكلت السقايات العمومية في العهد المريني عنصرا أساسا في حياة الإنسان باعتبار الماء المادة الحيوية والمطلوبة باستمرار لحياة الإنسان، فلولا الماء ما استطاع الإنسان العيش، فدور الماء مهم للغاية، لذلك عملت الدولة المرينية على إنشاء السقايات العامة في كل المدن المغربية، ولا تكاد تخلو مدينة من المدن منها.
فجهزت السلطة المدن بشبكات محكمة من القنوات داخل المدن وخارجها، وكانت هذه القنوات تبنى من الطوب، مغطاة تحت الأرض، ولاسيما الجزء الذي يكون خارج المدينة وهو الأنبوب الرئيسي الذي يصب في الأحواض، التي تستعمل في سقي البساتين وفي الصهاريج التي تزود سكان المدينة، عن طريق قنوات تصل الدور والمنازل والقصور والحمامات والفنادق والمساجد والزوايا والساحات العامة والأسواق.
ويصف الحسن الوزان وصول الماء عن طريق الأنهار إلى مدينة فاس، عبر قنوات مخصصة توزع الماء إلى الفرع الجنوبي والآخر إلى الفرع الغربي لتصل إلى الفنادق والملاجئ والمدارس والمساجد والحمامات.
يقول الحسن الوزان: «ويدخل الماء إلى المدينة من نقطتين، يمر أحد فروع النهر بالقرب من فاس الجديد جنوبا، ويدخل الفرع الآخر إليها من جهة الغرب، وبعد دخول الماء إلى المدينة يوزع بواسطة عدد من القنوات، تسوق معظمه لدور السكان ورجال الحاشية الملكية وسائر الأبنية الأخرى. فلكل جامع أو مسجد حقه في هذا الماء، وكذلك الفنادق والملاجئ والمدارس. وتجد قرب المساجد ميضات عامة وهي أبنية مربعة الشكل تحيط بها كنائف ذات أبواب قصيرة وفي كل كنيف مغسلة يخرج الماء إليها من الجدار ويسيل في ساقية رخامية، وفي وسط بناية الميضأة صهريج عمقه نحو ثلاثة أذرع وعرضه أربعة، وطوله اثنا عشر ذراعا. وقد صنعت حوله الصهريج مجار تصرف الماء الجاري لأسفل المراحيض.»
وتميز نظام توزيع الماء بنظام فريد في أوساط المدن المغربية عهد بني مرين. ومثل هذا النظام كان بحاجة إلى صيانة مستمرة، وإلا كان يفقد قيمته. وكان في مقدمة هذه الأمور الحفاظ على القُنِيّ المكشوف بحيث تظل صالحة للعمل، وهي القني التي كانت تنقل المياه مباشرة من النهر إلى مختلف الأحياء. فكان يجب أن تنظف بمواعيد معينة، خاصة بعد سقوط الأمطار الغزيرة، إذ كان النهر يحمل معه كميات من فضلات المعادن والخضار وحتى الحيوان. يضاف إلى ذلك أن قوة اندلاع الماء كثيرا ما كانت تحدث ثغـرا في ضفــاف القني وتستدعي القيــام بأعمال الإصلاح والترميم. وكان لكل حي الحق في قدر معين من الماء يتم التحكم فيه بموزع خاص. وكان من اللازم أن تفحص هذه الموزعات فحصا منظما حتى يصل لكل حقه. ومتى وصلت المياه إلى الأحياء أو الأماكن الخاصة كانت تحمل عندئذ قني تسير تحت الأرض، هي من صنع خزّافي فاس، وكانت المياه تسير بقوة الجاذبية، إذ أن الانحدار في الأرض كان ييسر ذلك.
وغالبا ما كان هناك خبراء في المياه من الفقهاء وكذلك خبراء في القُنِيّ كانا يعملان باستمرار كفرق دائمة، وكانوا يتقاضون أجورهم من الأوقاف. كما ظهر في العصر المريني السقاة الذين يحملون الماء إلى البيوت التي لا تصلها القني. كما كانوا يقدمون الماء إلى المارة في الأماكن العامة لإرواء عطشهم. وكانوا يكثرون التنقل في الأسواق والمزارات وحيث يجلس القصاصون وينتشر التجار. وكانوا يحملون الماء على ظهورهم في قربة مصنوعة من جلد الماعز. أما في حالة تزويد المساكن بالمياه فقد كانوا يحملونها في براميل من خشب ويحملونها على ظهور الحمير.
المطلب الأول: السقايات عهد السلطان يوسف بن يعقوب المريني
في عهد السلطان يوسف بن يعقوب أحدثت ناعورة التي هي عبارة عن آلة مائية لرفع الماء من النهر بقصد جلب الماء للسقي. ففي سنة 685ه بنيت قصبة تطاوين وفيها ركبت الناعورة الكبرى على وادي فاس، شرع في عملها في رجب من السنة المذكورة ودارت في صفر من السنة بعدها.
المطلب الثاني: السقايات عهد السلطان أبي الحسن المريني
يتحدث ابن مرزوق عن السقايات التي أحدثت في عهد السلطان أبي الحسن وكانت جمة كثيرة وكانت عنايته بالسقايات بالغة، حتى أن الفقيه الإمام نور الدين أبو الحسن بن فرحون اليعموري قال:» ما مررت في بلاد المغرب بسقاية ولا مصنع من مصانع التي يعسر فيها تناول المياه للشرب والوضوء، فسألت عنها إلا وجدتها من إنشاء السلطان أبي الحسن رحمه الله.»
وقد ساعدت هذه السقايات التي أنشأها أبو الحسن لتيسير شرب الماء والطهارة ولانتفاع بالماء وإغاثة اللهفان وسقي البهائم من الأنعام.
ويسترسل ابن مرزوق في كلامه بأن قال:» إن أكثر السقايات المعدة للاستسقاء وسقي الدواب بفاس وبلاد المغرب معظمها من بنائه رضي الله عنه وكذلك أكثر الميضات. وكان له على ذلك شدة حرص رغبة في ثوابه فالمواضع التي بفاس لا تحصى. وكان عمله في جلب الماء لداخل مدينة سلا وانفاقه في ذلك الأموال الطائلة حتى أوصله من الموضع المعروف بمرج حمام إلى الجامع الأعظم بداخل المدينة وذلك أميال. وكذلك عمل بتلمسان وغيرها، في مواضع لم يعد فيها جري الماء والانتفاع به. ولما دخل تونس لم يكن عنده أهم من النظر في رد مائها الجاري في التقديم إلى الجامع الأعظم جامع الزيتونة، فأمر بجمع الرصاص وعمله، وعين الطيفور الذي ينتقل لوسط الجامع وموضع الميضاة، فسبق قدر الله ونفد حكمه وقضاؤه فتعذر ذلك.»
وبنى السلطان أبو الحسن المريني بفاس سقاية حين بنيت المدرسة بغرب جامع الأندلس بفاس، وجلب إليها الماء من عين خارج باب الحديد من أبواب مدينة فاس. ويذكر صاحب روض القرطاس مراحل بنائها والتي كانت سنة 721ه بأمر من السلطان أبي الحسن فبنيت على أتم بناء وأحسنه وأتقنه، وبنى حوله سقاية ودار وضوء وفندقا لسكنى الطلبة، وجلب الماء إلى ذلك كله من عين خارج باب الحديد من أبواب مدينة فاس، وأنفق في ذلك أموالا جليلة تزيد على مائة ألف دينار.
وآثار أبي الحسن المريني في إنشاء السقايات لم تنحصر في فاس بل امتدت إلى مكناس وسلا.
يقول الناصري: «وله في هذه المدينة -يقصد مكناس- عدة آثار سوى الزاويتين من القناطر والسقايات وغيرها.»
وقام أيضا بتوفير مياه الشرب لمدينة سلا بجلب الماء من عيون البركة التي تقع خارج مدينة سلا على أميال كثيرة، فقام ببناء هندسي ليأتي جريان الماء من النهر في ساقية اتخذت له، وكلما مر في سيره بطريق مسلوك فتحت له في أقواس.
ويبدو أن عهد أبي الحسن المريني عرف وفرة في إنشاء السقايات وتجهيزها، وكان المقصود بذلك وجه الله الكريم والمنفعة الدائمة.
المطلب الثالث: السقايات عهد السلطان أبي عنان المريني
نشير إلى سقاية المستشفى العناني في مكناس عن يسار مدخله في حي حمام الجديد، ويرجح أنها من آثار أبي عنان باني المستشفى.
ثم سبيل السويقة، ويعرف بسقاية سبع عنانب، تلميحاً لعدد أنابيبها، وكانت تعرف قديما بالسقاية الكبرى، وسقاية الجمعة، وهي مبنية في قاعة عريضة مستطيلة، يغطيها سقف عال محمول على ثلاثة أساطين، ولا تزال تحتفظ بأثر الفن المعماري المريني، في زليج واجهتها، وفي زخرفة سقفها الخشبي بالنقش، وقد خصصت لأوقافها ترجمة على حدة ضمن الحوالة الحبسية للمساجد الصغار بمكناس.
المطلب الرابع: سقاية الجامع الكبير بالرباط
بخلاف سقاية القصبة التي بنيت في العصر الموحدي، توجد سقاية الجامع الكبير، وهي مرينية الإنشاء ولا تزال واجهتها تحتفظ بزخارفها المنقوشة على الحجر، ويبلغ طولها 10,26 مترا، وارتفاعها 2,62 مترا وعمقها 2,75 مترا وواجهتها من الحجر المنحوت المتناسق. ركبت حجارتها من ثلاثة أقواس مرفوعة على أربعة أعمدة من الحجر الصلب المنحوت، ركبت حجارتها الواحدة فوق الأخرى بإحكام واتقان. وتزداد من أعلاها بنقوش شبيهة بالنقوش التي تكسو باب القصبة بالودايا.
ويبدو حسب المصادر التاريخية أن السقاية تم إنشاؤها حينما تم بناء الجامع الكبير أيام حكم الأمير عبد الحق بن محيو المريني أواخر القرن السابع الهجري.
المطلب الخامس: سقايات مدينة فاس
توجد العديد من السقايات في مدينة فاس باعتبارها عاصمة الدولة المرينية، ومن هذه السقايات، سقاية ابن حيون أول حي المحفية، ثم سقاية سوق العطارين جوار موضع مستشفى فرج، وهذه تتوجها كتابة تاريخية تذكر أن الآمر بإنشائها هو عبد الحق آخر سلاطين بني مرين على يد وزيره أبي زكريا يحيى بن زيان الوطاسي وكمل تشييدها وفجر ماؤها أولى جمادى الأولى سنة840ه/1436م ثم تلاشت وجددت سنة1090ه/1680م هذا ويوجد في حوالة فاس السليمانية 44 ترجمة بتوصية السقايات، فترد التفاصيل هكذا:
-وصية سقاية رحبة صفاح العدوة.
-وصية سقاية حارة قيس.
-وصية سقاية تغر (كذا) بالفخارين.
-فيض نقير الصباغين.
-فيض ماء سقاية البليدة.
-فيض سقاية غدير الجوزاء.
المطلب السادس: سقايات مدينة وجدة
رغم أن المصادر التاريخية لم تبح بالشيء الكثير عن سقايات مدينة وجدة، غير أننا نستنتج من ذلك أنه تم إنشاؤها حينما تم إعادة بناء المدينة التي أنشأ فيها المسجد والحمام والقصبة ودار لسكن السلطان، وكانت إعادة تهيئة المدينة على يد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني وفي هذا النبأ يتحدث المؤرخ السلاوي بقوله: «فبناها السلطان يوسف في هذه المرة وحصن أسوارها وبنى بها قصبة ودارا لسكناه وحماما ومسجدا.»
والذي يتبين من قول المؤرخ السلاوي أنه لا وجود لبناء السقايات مع ما ابتناه السلطان للمدينة، ولكن المؤكد عندنا لا وجود للحمام والمسجد بدون وجود الماء والشاهد العيان الذي يقف اليوم قرب المسجد الكبير المريني بوجدة يجد السقاية بقربه وهذه دلالة على إحداث السقايات بوجدة، وتسمى اليوم (بثلاث سقاقي). ويبقى الأمر غامضا في المصادر التاريخية عن سقايات مدينة وجدة.
المطلب السابع: سقايات سلا
بنى يعقوب بن عبد الحق بمدينة سلا سقاية حينما أقام بقرب المسجد مدرسة، فأجرى الماء الجاري به من عيون البركة التي بغابة معمورة على مسافات من مدينة سلا حتى أوصله إليها وأجراه إلى مساجد سلا وسقاياتها وميضاتها. وكان جلب الماء في قنوات من طين مطبوخ لا زالت ظاهرة للعيان تحت سور الأقواس وحناياه التي يدخل منها إلى سلا.